أفكار وآراء

أفغانستان هل بدأت نهاية الحرب؟

30 أبريل 2019
30 أبريل 2019

عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي -

الحرب في أفغانستان ليست وليدة اليوم فقد شهدت هذه الدولة الإسلامية حروبا عديدة منذ العقد الأول من القرن العشرين مع وجود الاستعمار البريطاني، الذي انتهي بعد عدة حروب لتبدأ أفغانستان حربها التقليدية الأكبر عام 1979 ضد القوات السوفييتية، وهي حرب اختلطت فيها الأطماع الاقتصادية بالأيديولوجيا الدينية لتنتهي هي الأخرى بعد أن تحولت الى معركة للجهاد ضد التوغل الشيوعي.

وتواصلت الحروب على أفغانستان عام 2001 من خلال الحرب الأمريكية على الإرهاب في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر ضد أهداف حيوية أمريكية في نيويورك وواشنطن وهي الحرب التي ما تزال متواصلة ولكن من خلال اعتبارات داخلية في المقام الأول حيث المواجهة العسكرية الأساسية بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان.

ولعل المشهد الأفغاني الحالي يعطي بعض الآمال لبداية النهاية لهذه الحرب المعقدة من خلال تطورات موضوعية أولها الحوار المتواصل في العاصمة القطرية الدوحة بين ممثلين عن الحكومة الأمريكية وحركة طالبان برعاية قطرية، أما الحدث الآخر فهو اجتماع وطني عام يشمل كافة الرموز الوطنية الأفغانية، وزعماء القبائل ويطلق عليه اجتماع لويا جيرجا ويبحث في هذا الاجتماع المهم مستقبل أفغانستان على ضوء التطورات العسكرية والسياسية فيها.

محادثات الدوحة

وعقدت في الشهور الماضية عدة اجتماعات في الدوحة بين ممثلي الحكومة الأمريكية برئاسة خليل زلماي زادا وهو دبلوماسي أمريكي وبين ممثلي حركة طالبان، ويبدو أن هناك تقدما في تلك المحادثات من خلال وضع شروط محددة من قبل حركة طالبان؛ للتوصل إلى وقف الحرب مع الحكومة الأفغانية، وأيضا القوات الدولية الغربية المتعددة الجنسيات ولعل من أهم الشروط التي تصر عليها حركة طالبان هو وضع جدول لانسحاب القوات الأمريكية وبقية القوات الدولية الأخرى، وهو الأمر الذي أظهرت فيه واشنطن بعض المرونة لإنهاء الحرب التي فشلت فيها الولايات المتحدة في القضاء على الحركة المعتمدة في قوتها على انتمائها القبلي القوي في أفغانستان، حيث قبائل البشتون المتمركزة في الجبال والولايات الأفغانية البعيدة عن العاصمة كابول. ومن هنا فإن المحادثات الجارية حاليا تعطي مؤشرا إيجابيا خاصة من قبل واشنطن بأن مسالة الحسم العسكري مع حركة طالبان أصبحت مستحيلة وبالتالي لابد من البحث عن حلول موضوعية تتماشى والوضع العسكري المتصاعد للحركة في ظل حاضنتها القبلية القوية. المؤتمر الوطني الموسع لزعماء القبائل الذي يعقد حاليا بحضور الرئيس الأفغاني اشرف غني قد يتوصل إلى نتائج محادثات الدوحة نفسها، المتلخصة في أهمية الجلوس مع حركة طالبان في المرحلة المتقدمة من حوار الدوحة ولا شك أن وجود قيادات القبائل وبعضها تنتمي الى البشتون قد يساعد على إيجاد آليات محدده تنهي أوجاع الشعب الأفغاني من الحروب المدمرة، التي جعلت أفغانستان من الدول التي تعاني الأمرين في كل مجالات الحياة رغم أن أفغانستان بها ثروات وموارد طبيعية كبيرة جعلتها في بعض الأحيان مطمعا للغزاة.

الانسحاب الأمريكي

تعد مسألة القوات الأمريكية في أفغانستان منذ اندلاع الحرب عام 2001 وضرورة انسحابها التدريجي من الشروط التي تصر عليها حركة طالبان؛ لأن ذلك يدخل في إطار تحرير أفغانستان من الوجود العسكري الأجنبي وبالتالي حدوث هذا الانسحاب سوف يمهد لمصالح وطنية بين الحكومة وحركة طالبان، وبقية الحركات المسلحة والأحزاب المعارضة الأخرى، خاصة حركات الجهاد الإسلامي في عقد الثمانينات من القرن الماضي التي قادت الحرب، وانتهت بهزيمة عسكرية للقوات السوفييتية آنذاك وبمساعدة عربية وغربية كبيرة وخاصة من الولايات المتحدة لأسباب استراتيجية وأيديولوجية معروفة في إطار الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن.

إذن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان ومن خلال برنامج تدريجي هو النقطة الأساسية لنجاح حوار الدوحة، ويبدو لي بأن موضوع الانسحاب سوف يتم الاتفاق عليه في مرحلة ما من المحادثات، حيث إن الرئيس الأمريكي ترامب أعلن في وقت سابق بأنه لا يريد أن تكون الولايات المتحدة شرطي المنطقة وأن مسألة الانسحاب من أفغانستان هي مسألة واردة كما هو الأمر في سوريا، ومن هنا فإن حركة طالبان تواصل الضغط السياسي على هذه المسالة الجوهرية التي قد تمهد إلى إنهاء واحدة من الحروب التي تحولت من حرب تقليدية أثناء الوجود السوفييتي إلى حرب أشبه بحرب العصابات منذ الحرب الأمريكية عام 2001 ، لتتحول تلك الحرب إلى مواجهة شرسة بين حركة طالبان والقوات الحكومية الأفغانية والقوات الغربية.

هل بدأت النهاية؟

الحرب الأهلية في أفغانستان تحولت في السنوات الأخيرة إلى ما يشبه الحرب المنسية وهو عنوان أحد المقالات التي تحدثنا فيها عن الحرب في أفغانستان، فرغم تعقيد تلك الحرب في ظروف جغرافية صعبة فإن الإعلام بشكل عام لا يعطي التغطية الإخبارية الكافية لمسار تلك الحرب، لأن هناك أحداثا وحروبا جديدة في المنطقة خاصة بعد الثورات العربية ،ومساراتها المثيرة عام 2011 ونتائجها المباشرة.

وعلى ضوء تلك الحرب المنسية وخسائرها البشرية والمادية، وإدراك واشنطن بأن مسألة حسم المعركة ضد حركة طالبان يبدو مستحيلا ، كانت هناك تحركات الدبلوماسي الأمريكي زلماي خليل زاده وهو خبير في المنطقة باعتبار أصوله البشتونية وهو أفغاني من مواليد مدينة مزار الشريف الأفغانية التي تردد اسمها أثناء الحرب السوفييتية-الأفغانية ومن هنا فالرجل لديه معرفة واسعة بطبيعة الصراع وجذوره ومساراته، وقد ينجح الرجل في إيجاد آليات موضوعية بحيث تقتنع الأطراف في نهاية المطاف بضرورة إنهاء الحرب وفق إجراءات محدده تبدأ بإعلان الولايات المتحدة عن سحب تدريجي لقواتها في أفغانستان وبالتالي إجراء الحوار والمصالحة بين الفرقاء الأفغان وخاصة بين حكومة كابول وحركة طالبان.

فالحرب الأفغانية أصبحت بمثابة كر وفر وتسببت في مشاكل اقتصادية واجتماعية وتدمير للبنى التحتية في عدد من المدن الأفغانية، حيث سببت تلك الحروب إنهاكا للدولة الأفغانية بكل شرائحه الاجتماعية، ومن هنا فإن الفرصة تبدو مواتية لإيحاد الحل السياسي وخروج أفغانستان نحو البناء والتعمير وضرورة أن يكون هناك مؤتمر لإعادة إعمار أفغانستان وهي ضرورة أخلاقية على المجتمع الدولي تجاه الشعب الأفغاني الذي عانى الأمرين خلال الخمسين عاما الأخيرة.

المصالحة الوطنية

وفي ظل تلك التطورات فإن المسؤولية الوطنية تفرض على الفرقاء الأفغان أن ينطلقوا في مسالة الحوار والمصالحة الوطنية لبناء أفغانستان جديدة تقوم على تكافؤ الفرص والمؤسسات التشريعية والتنفيذية وأن يكون هناك قبول لوجهات النظر ويكون صندوق الانتخابات، هو الفيصل في نهاية المطاف لأن أفغانستان لا يمكن أن تكون دولة ناجحة إذا استمرت الحرب والاحتقان السياسي لسنوات قادمة.

الحروب الأهلية القائمة على قناعات راسخة لكل طرف هي أشبه بالانتحار السياسي فنصف قرن من الصراع في أفغانستان سبب كوارث اجتماعية وإنسانية، وجعل من هذا البلد كأحد أكثر الدول فقرا وهذا بلا شك له انعكاسات مدمرة على الدولة الأفغانية.

ومن هنا فإن هناك متسعا من الوقت لا يزال لإنهاء تلك الحرب وإيجاد توافق سياسي، وقبلي بين الأفغان وأن استمرار الحرب ليس في صالح الشعب الأفغاني، الذي يتطلع إلى التنمية والتحديث وهو أمر متاح من خلال ما يجري الآن من تطورات سياسية، سواء في الداخل الأفغاني حيث مؤتمر اللويا جيرجا أو من خلال محادثات الدوحة بين الولايات المتحدة ، وحركة طالبان وهي جولات متواصلة لإيجاد قواسم مشتركة تنهي الحرب بشكل نهائي.

الحرب في أفغانستان كان لها تداعيات كبيرة حتى على دول الجوار خاصة باكستان حيث الامتداد القبلي موجود من خلال مناطق الحدود كما أن الحرب خلقت توترا في المنطقة تتجاور عددا من الدول ذات الامتداد القبلي، ومن هنا فإن نجاح الحدثين في كابول والدوحة سوف يمهد لانتهاء واحدة من أطول الحروب الإقليمية في التاريخ الحديث إذا تم الحديث عن بداية الحرب الأفغانية ضد القوات السوفييتية منذ بداية العقد الأول من الثمانينات في القرن الماضي وحتى الآن حيث نتحدث عن أربعة عقود من الصراعات والحروب التي آن لها أن تنتهي ليتفرغ الشعب الأفغاني لمزيد من التطلعات المشروعة في الحياة كغيره من الشعوب التي تنعم بالسلام والتقدم والتنمية الشاملة، وهذا الأمر لابد أن تضعه القيادات الأفغانية في حساباتها وهي تدخل مرحلة المفاوضات والمشاورات داخل أفغانستان وخارجها.