tunis
tunis
أعمدة

تواصل: مشاعر لا تصل صاحبها !

30 أبريل 2019
30 أبريل 2019

تونس المحروقية -

hlaa202020 @ -

مشهد أول :

ينشر أحدهم في حسابه في إحدى منصات التواصل الاجتماعي أن فلانا قد توفي منذ قليل، يمعن في مدح الشخص الذي توفي والأدوار المهمة التي قام بها في حياته والتي يعتقد أنه بذكره لها ستنهال عبارات الدعاء له بالرحمة، قد يكتب أيضاً مكان العزاء، ثم لا ينسى وهو في غمرة أحزانه تلك أن يقوم بتضمين عنوان حساب المتوفى في تلك المنصة في منشوره ذلك، ربما ليسهل على من يرغب في التعرف عليه بشكل أكبر في تصفح حسابه وقراءة منشوراته رغم أن وقت التعارف قد فات !!.

مشهد ثانٍ

يكتب في منشور ما: يقولون إن فلانا توفي وأنا لا أعرفه شخصيا، لكن وسائل التواصل الاجتماعي تضج بالدعاء له، والحديث عن مناقبه وجميل خصاله وإخلاصه في دينه ومعاملاته وعمله، لدرجة أنني تمنيت لو أنني كنت أعرفه قبل مماته ، لماذا لا نشيد بالمجيدين في مجالاتهم إلا عندما يرحلون؟ يرد عليه أحدهم: لو وجدت أن الجميع اجتمع على الإشادة بأحد ما، فاعلم أنه قد توفي أو فقد وما زالت عمليات البحث جارية ثم تتداخل معه أخرى بقولها: مجتمعاتنا تحب الموتى!.

مشهد ثالث:

أحد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يتحدث عن علاقته بالمتوفى يقول إنه تعلم منه الكثير، يضع كل ذلك في وسم يحمل اسم المتوفى، يشارك آخر في الوسم من حساب آخر يذكر أنه كان جار الشخص الذي توفي وكثيرا ما ترافقا للمسجد، يأتي ثالث لينشر صورة يبدو وأنها جمعته مع المتوفى قبل فترة في أحد الأماكن العامة، ينشر أحدهم صورة أخرى له وهما معا فيما يبدو وكأنها رحلة سياحية خارج البلد، يأتي آخر ليرد عليهم: ما شاء الله عليكم، الحين كلها البلد صارت تعرف فلانا؟ لا يوجد حساب من الحسابات التي أتابعها لم يكتب قصة علاقته مع ذلك الشخص الذي توفي، هل يعقل أنكم جميعا تعرفونه ولديكم تفاصيل مشتركة معه أم أنكم وجدتم وسما نشطا وأردتم أن تشاركوا فيه حتى لو لم تكونوا على معرفة سابقة بهذا الشخص الذي تقولون أنكم تعرفونه وأنه توفي صباح اليوم، جميعكم تأتون هنا لتعبروا عن صدمتكم وحزنكم في منشورات تنهمر بالدموع من كثرة تدفق مشاعركم التي قد لا تكون صحيحة!

منحت وسائل التواصل الاجتماعي ميزة لمستخدميها تتمثل في قدرتهم على تقديم النعي والتعزيات لكل حالات الوفاة المقربة لهم عبر حساباتهم فيها ، إذ لم يعد من الضروري أن يعرب هؤلاء عن أحزانهم على وفاة أحد بنشر نعي أو تعزية في إحدى الصحف كي يخبروا أسرة المتوفى كم كان يعني لهم ذلك الفقيد، بل أن كل ما يحتاجه أي من هؤلاء في ظل وجود هذه الوسائل هو منشور يعدونه بأنفسهم أو ينقلون محتوياته من الإنترنت، لن يختلف الأمر كثيراً، فهم يستطيعون تعبئة منشورهم بكل ما يريدون قوله عن علاقتهم بالمتوفى وقيمته بالنسبة لهم، هم كذلك قد يعبرون عن أحزانهم أو آلامهم باستخدام الصور التعبيرية المتوفرة في الهواتف الذكية «الايموجي» ليقنعوا من يتابعونهم بالمساحة التي يحتلها من توفي في قلوبهم وكم ستغدو حياتهم بعده بلا قيمة!، كذلك قد يكتب هؤلاء منشورا أو اثنين أو حتى مئات المنشورات وقد لا يكتفون بالنشر في وقت الحدث فقط بل قد يعودوا مراراً وتكراراً للنشر عن نفس الشخصية التي توفت وذلك من باب تذكرها والدعوة لها بالرحمة مع تفاعل عدد كبير من المتابعين يشهدونه في نفس اللحظة، وقد يردون على كل ذلك التفاعل وقد لا يفعلون ذلك فقط لأنهم يعيشون حالة الحزن التي تجعلهم غير قادرين على التفاعل، أو فقط متقمصين لتلك الحالة!.

هناك من يرى من مستخدمي هذه المنصات أن حالة الوفاة هي هالة من الأهمية تزداد بقدر قيمة من توفي من ناحية إنجازاته العلمية والعملية ووضعه الاجتماعي وبالتالي هناك من يرغب في أن يسرد أن هناك رابطاً ما يربطه بتلك الشخصية حتى لو كان ذلك لا يتعدى رؤيته لمرة واحدة ، لكنه قد يستفيد من تلك الصورة التي جمعته بتلك الشخصية كي يسرد علاقات القرب والمحبة والتأثر الذي يشعر به في وسم الرجل المتوفى في وسائل التواصل الاجتماعي، وخصوصا لو كان ذلك الوسم متصدرا لقائمة الوسوم الأكثر تداولا في ذلك البلد في يومها، هناك من يقول أنه ينبغي أن نحسن الظن في كل من يعبر عن حالة الحزن على حالة وفاة لأن الموت واعظ صامت مثلما يطلق عليه ولا يحتمل حضوره النفاق ولا المشاعر المزيفة وبين كل تلك الآراء يبقى هناك مشاعر متدفقة في وسم ما عن شخص ما، وانتباه عال لتفاصيله ومأثره، ووحده قد لا تصله تلك المشاعر!.