الملف السياسي

«القضية».. «الصفقة» والمصير المجهول

29 أبريل 2019
29 أبريل 2019

د.أحمد سيد أحمد -

من أبرز التداعيات السلبية لصفقة القرن المنتظرة أنها ليس فقط لن تحقق السلام الشامل والدائم والعادل، وإنما أيضا ستساهم في إضاعة المزيد من الوقت بينما تقوم إسرائيل بفرض سياسة الأمر الواقع ولتظل المعاناة الفلسطينية مستمرة.

على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه المنطقة العربية منذ سنوات وأبرزها اندلاع الحروب الأهلية والصراعات في العديد من الدول العربية مثل سوريا واليمن وليبيا والعراق والصومال والسودان وارتفاع خطر الإرهاب والتنظيمات الإرهابية، تظل القضية الفلسطينية هي أم القضايا والأزمات في الشرق الأوسط ومفتاح الأمن والاستقرار فيها، وقضية العرب الأولى، ومن ثم يظل غياب حلها عاملا في استمرار حالة الصراع والتوتر وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

القضية الفلسطينية تمثل نموذجا صارخا لاستمرار آخر احتلال في العالم، كما تظل نموذجا على فشل المجتمع الدولي في التعاطي مع تلك القضية، حيث فشلت جميع الجهود والمبادرات المختلفة في حلها بشكل عادل، وظلت القضية الفلسطينية تسير على مسارات متعددة في اتجاه نحو مزيد من التدهور، فهناك مسار السلام الذي انطلق في مدريد عام 1991 وشهد على مدار ثلاثة عقود عشرات الجهود والمبادرات الدبلوماسية والاتفاقات وعشرات الجولات من المفاوضات المباشرة وغير المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية الولايات المتحدة تارة، ودول أخرى مثل فرنسا وغيرها تارة أخرى، وفشلت جميعها في التوصل إلى تسوية نهائية عادلة وشاملة ودائمة، نظرا للتعنت الإسرائيلي والانحياز الأمريكي للموقف الإسرائيلي، وقبول الطرفين فقط بالسلام ولكن على الطريقة الإسرائيلية، أي السماح للفلسطينيين بإقامة كيان أشبه بالحكم الذاتي يتكون من كانتونات متقطعة من الأراضي في الضفة الغربية وغزة، مع استبعاد القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية وإلغاء حق العودة، مع تقديم مساعدات اقتصادية للفلسطينيين..

وهذا السلام على الطريقة الإسرائيلية يخالف صيغة السلام على الطريقة الفلسطينية أي السلام العادل والشامل الذي يحقق المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني وعلى رأسها حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود 1967 وفى إطار حل الدولتين وضمان حق العودة للاجئين، وذلك في إطار صيغة الأرض مقابل السلام، والتي أكدتها مبادرة السلام العربية التي تبنتها القمة العربية ببيروت في عام 2002. وما بين السلام على الطريقة الإسرائيلية والسلام العادل تحطمت جميع المبادرات السابقة التي حاولت إحياء عملية السلام التي دخلت مرحلة الموت السريرى منذ سنوات.

وتزامنا مع مسار السلام الضائع والمفاوضات غير المجدية، هناك مسار سياسة الأمر الواقع التي تتبناها إسرائيل في استغلال عملية السلام لإضاعة المزيد من الوقت وغطاء لتنفيذ مخططاتها في تهويد القدس وبناء المزيد من المستوطنات في الأراضي الفلسطينية لفرض الأمر الواقع على الفلسطينيين، والقبول في نهاية المطاف بالسلام على الطريقة الإسرائيلية، وهو ما عكسته تسريبات خطة السلام الأمريكية المرتقبة، والمعروفة إعلاميا بصفقة القرن، والتي أعلنت الولايات المتحدة على لسان مستشار الرئيس الأمريكي وصهره جاريد كوشنر طرحها في شهر يونيو المقبل وطالب جميع الأطراف بالانفتاح عليها كما طالب طرفي النزاع، إسرائيل والفلسطينيين، بتقديم تنازلات لإنجاز وتحقيق السلام في الشرق الأوسط.

خطة السلام أو صفقة القرن المنتظرة، رغم أن تفاصيلها لم تكشف رسميا بعد، إلا أنه بدت من تسريباتها أنها تسعى لتكريس السلام على الطريقة الإسرائيلية وتقنين سياسة الأمر الواقع التي فرضتها إسرائيل خلال السنوات السابقة من الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وتهويد القدس. ووفقا لنظرية أن المدخلات تؤدى إلى المخرجات، فقد أظهرت الخطوات، أي المدخلات، التي اتخذتها إدارة الرئيس ترامب خلال العام الأخير طبيعة المخرجات التي قد تخرج عن صفقة القرن، وتمثلت تلك المدخلات في:

أولا: الاعتراف بالقدس كعاصمة أبدية لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وهو ما يعنى استبعاد القدس من أية عملية سلام مقترحة، وقد تضمنت التسريبات التي نشرتها الصحف الأمريكية حول صفقة القرن، أن العاصمة المقترحة للدولة الفلسطينية تتمثل في حي أبو ديس وحى سلوان على أطراف القدس الشرقية، مع إعطاء تسهيلات للفلسطينيين لدخول الأماكن المقدسة مثل المسجد الأقصى.

وثانيا: وقف التمويل الأمريكي لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، الأونروا، وذلك للضغط لإلغاء حق العودة، حيث تزعم الولايات المتحدة أن عدد اللاجئين الفلسطينيين لا يتجاوز خمسمائة ألف شخص، بينما تقوم الأونروا بغوث وتشغيل أكثر من ستة ملايين لاجئ فلسطيني يحظون بحق العودة، ويمثل التمويل الأمريكي للوكالة نسبة كبيرة وهو ما أثر سلبا على أعمالها في تقديم الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة لملايين اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في ظروف اقتصادية وصحية صعبة في المخيمات.

وثالثا قيام الإدارة الأمريكية بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن للضغط على السلطة الفلسطينيين للقبول ببنود صفقة القرن، ورابعا: الخطوة الأخيرة بالاعتراف الأمريكي بالسيادة الإسرائيلية على الجولان..

وهذه المدخلات الأمريكية تشير إلى أن مخرجات صفقة القرن لا تعدو ان تكون صيغة مشوهة لدولة فلسطينية تحظى بالحكم الذاتي دون سيادة ومنزوعة السلاح واستبعاد القدس واللاجئين منها.

ومن ناحية أخرى هناك المدخلات الإسرائيلية التي تضاف إلى المدخلات الأمريكية، وتتمثل في:

أولا: إقرار الكنيست الإسرائيلي لقانون القومية، أي الاعتراف فقط بالقومية اليهودية، ومن ثم عدم الاعتراف بالعرقيات أو الأديان الأخرى، والتمييز بين اليهود وبين الفلسطينيين، وما يعرف بعرب إسرائيل، الذين يعيشون داخل الخط الأخضر.

وثانيا سيطرة اليمين واليمين الديني المتطرف على السلطة في إسرائيل خاصة بعد استمرار اليمين بزعامة نتانياهو في السلطة بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة، وهو ما يعنى تضاؤل أي فرص في تحقيق سلام عادل وشامل، في ظل مواقف اليمين الإسرائيلى والديني المتشددة تجاه الفلسطينيين، وتجاه عملية السلام، حيث يرفض هذا اليمين التخلي عن القدس ويرفض حق العودة ويرفض إخلاء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية خاصة في الضفة الغربية، بل إن هناك حديث حول مشروع قانون سيتم تقديمه للكنيست الإسرائيلي يؤكد السيادة الإسرائيلية على المستوطنات الكبرى في الصفة الغربية وغالبيتها في المنطقتين ب وج مما يعنى عمليا القضاء على أية مقومات لإقامة الدولة الفلسطينية، ويعني أن القضية الفلسطينية تنتظر فصلا جديدا في تاريخها مع طرح صفقة القرن في يونيو المقبل.

وبالطبع فإن الموقف العربي والفلسطيني واضح وهو رفض أية صيغة أو صفقة للسلام لا تحقق السلام العادل والشامل وتحقق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينية، كما أعلنت الدول العربية نفس الموقف في الاجتماع الوزاري الأخير في الجامعة العربية، وبالتالي ستواجه خطة السلام الأمريكية، أو ما يعرف بصفقة القرن، نفس مصير مبادرات السلام السابقة سواء التي طرحتها الولايات المتحدة كما حدث في عهد الرئيس الأسبق كلينتون والإدارات الأخرى، أو طرحت من جانب أطراف أخرى، فمن الطبيعي بعد الصعاب والمعاناة التي عاشها الشعب الفلسطيني على مدار عقود ألا يقبل بأية صيغة للسلام لا تتضمن حقوقه المشروعة وخاصة القدس الشرقية كعاصمة لدولته المستقلة على حدود 1967 مع ضمان حق العودة للاجئين، كما أن الدول العربية أرسلت رسالة واضحة للطرف الأمريكي بالتحذير من التداعيات السلبية لعدم تحقيق السلام العادل والشامل ورفض أية صيغ لا تحقق هذا السلام العادل.

وبالتالي من أبرز التداعيات السلبية لصفقة القرن المنتظرة أنها ليس فقط لن تحقق السلام الشامل والدائم والعادل، وإنما أيضا ستساهم في إضاعة المزيد من الوقت بينما تقوم إسرائيل بفرض سياسة الأمر الواقع ولتظل المعاناة الفلسطينية مستمرة، وليظل السلام العادل حلما بعيد المنال، ولتظل حالة عدم الاستقرار وغياب الأمر والصراع هي السائدة.