إشراقات

الصدقة تذهب الأمراض وتنمي المال

25 أبريل 2019
25 أبريل 2019

حمود بن عامر الصوافي -

«الصدقة لا يقتصر أمرها وفضلها على التعاون والتكامل والتجانس بين أفراد المجتمع بل أمرها وخيرها يعود على صاحبها فهي تقي المؤمن من مصائب وبلايا وأمراض وهي أيضا تنمي المال وتزيده وتحصل البركة.. فكلما تصدقت ضاعف الله مالك وأكرمك بالخير والإحسان والبركة، وكلما قبضت محقت البركة وقل مالك وذبل أمرك فلا تقل الصدقة تذهب المال وتنقصه بل ثق بالله تعالى وآمن به وصدق وعوده، ووعود المصطفى صلى الله عليه وسلم».

جاء الإسلام بشرائع سمحة، وتكاليف سهلة، وأوامر غير مرهقة للإنسان ولا متعبة ولا مجحفة له، فجعل كل أمر أو نهي من أجل أن تخطو الإنسانية نحو العدالة والاطمئنان وتبتعد عن القتل والفسوق والعصيان لأن الفساد يقوض البنيان ويهدم العمران ويجعل الأرض خرابا والحياة على البسيطة لا تطاق لذا نرى أحكاما متعددة، وأوامر متباينة، ونواهي مختلفة قد يظن بعضهم فيها الإرهاق أو التكليف بما لا يطاق، والتعب والضناء بما لا يقدر عليه الإنسان ولكن إن تمعن المرء وأمعن النظر ودقق واستمرأ في التأمل والتدبر عرف المقصد وبانت الحكمة وزال العجب واتضح المقصود.

لذا لا تعجل أبدا في رد شرع أتاك من العلي الكبير أو الرسول الأمين، ولا تعجب من أمر أو نهي لم يستوعبه عقلك أو لم تتقبله عواطفك بل عليك أن تعيد الكرة مرة تلو المرة وتتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: «استفت نفسك وإن أفتوك وأفتوك» ولا تغب عن بالك أوامر الله ونواهيه القاطعة التي قد لا تدرك حكمتها ولا كنهها ولكن يلزمك الامتثال بها، والتحلي بها انطلاقا من قول الله تعالى:« وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا».

نعم لا خيار لك فيما تؤمر ولا محاججة فيما يأتي من السماء بيد أنك إن تأملت أكثر ونظرت أكثر بان لك أن الإلزام كان من مصلحتك وأن النهي أو الأمر كان من مصلحتك وأن السعي من مصلحتك، فأحيانا لا يعرف المرء الوجهة ولا يتفطن إلى الحكمة فيتبع هواه ويضل في سعيه، وذلك هو الخسران المبين، قال تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا).

لذا لا تزهد في شيء فعلته أو شيء قمت به أو شيء التزمت به طمعا في رضا الله تعالى، فهو في رصيدك محفوظ، وفي كتاب الله مصون ستراه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

ولعل ما يتعب بعضهم، ويقض مضجعهم ويعدونه أخذا من أنفسهم وقطعة من أجسامهم المال، هو شريان الحياة يبقى الإنسان أبد الدهر محبا له ومتعلقا به، خوفا من تقلب الأيام وتغير الأحوال واختلاف الأوقات، قال تعالى: (كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ، وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ، وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا، وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا).

ولا عجب في حب المال والرغبة في اقتنائه فهي فطرة الإنسان وجبلة لا تنفك عنه إلا أن الإمساك به ومنع مستحقيه هو من أعظم الخطايا التي يقترفها المرء في حق نفسه وغيره.

لذا يعد الإمساك بالمال وضمه ومنع زكاته كنزا حرمه الله تعالى وتوعد صاحبه العذاب الأليم يوم القيامة قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ).

فلماذا أيها الإنسان تفعل بنفسك ذلك وتمنع مال الله عباده، وتبقيه في خزائنك دون فائدة أو انتفاع أما تدري أنه سيكون وبالا عليك يوم القيامة؟ يا عبدالله لماذا تبقي عقدة نقص المال في رأسك؟ وتقدّم السيئ والسلبي قبل الإيجابي في موضوعه؟ ألا تتذكر حاجتك لو كنت مكان الفقير؟ ألا تتذكر ماذا ستصير حياتك أن لو كنت مكان ذلك المعدم الذي لا يجد قوت يومه؟

آه أيها الإنسان تحب نفسك في الغنى وتنسى أخاك في الفقر؟ هلا تذكرت أخاك في الفقر والمصائب وساهمت في تخفيف كربته وإزالة الهم عنه؟.. كيف بك وقد نسيت أخاك عند شدته ولم تذكره إلا في فرحه وغناه فما أشقاك حينها أيها الإنسان وما أتعسك في حق إخوتك؟ ألا تحتاج إليهم إن ألمت بك مصيبة أو ضائقة؟ فلم تتمنع عنه عند اشتداد أزمته. فهل يستوي مثل هذا؟.

لا يستوي طبعا لذا أراد الله تعالى أن يزيل عنك عيوب نفسك وأهواء ضميرك وخواطر الشيطان التي رانت على قلبك لتصبح نقيا دوما فلا تنظر إلى أخيك إلا كنظرك إلى نفسك ولا تحب أخاك إلا بمقدار ما تحب نفسك قال صلى الله عليه وسلم:« لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».

لماذا هكذا يا رسول الله لأن الرباط الأخوي يجب أن يكون في أعلى تجلياته والمحبة الأخوية يجب أن تطغى على كل حب أناني ونرجسي بغيض فلا تتوقف يا عبدالله عن حب أخيك وعن توفير ما يحتاج إليه لا سيما إن كانت عندك فضلة قال تعالى:« وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ».

فأنت لا تلزم بأن تأخذ لأخيك من قوتك وقوت عيالك ولا تلزم أن تقدم القوت على عيالك ولكن يطلب منك في الضرورة أن تقاسم اللقمة المعدم أو المشرف على الهلاك وفي حال اليسر أن تعطي ما زاد عن حاجتك المحتاج لتتصافى النفوس وتهجع القلوب ويعم الأمن والأمان في ربوع البلاد.

والصدقة لا يقتصر أمرها وفضلها على التعاون والتكامل والتجانس بين أفراد المجتمع بل أمرها وخيرها يعود على صاحبها فهي تقي المؤمن من مصائب وبلايا وأمراض فمما يروى في ذلك عن طريق ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تصدقوا فإن الصدقة تقي مصارع السوء وتدفع ميتة السوء».

والصدقة أيضا تنمي المال وتزيده وتحصل البركة من جراء ذلك، قال تعالى:« وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ». في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« ألا إن التواضع للعبد لا يزيده إلا رفعة فتواضعوا يرفعكم الله وإن العفو لا يزيد العبد إلا عزا فاعفوا يعزكم الله وإن الصدقة لا تزيد المال إلا كثرة فتصدقوا يرحمكم الله».

فكلما تصدقت ضاعف الله مالك وأكرمك بالخير والإحسان والبركة، وكلما قبضت محقت البركة وقل مالك وذبل أمرك فلا تقل الصدقة تذهب المال وتنقصه بل ثق بالله تعالى وآمن به وصدق وعوده، ووعود المصطفى صلى الله عليه وسلم .