Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ .. تظل المدرسـة هـي التأسـيس

23 أبريل 2019
23 أبريل 2019

أحمد بن سالم الفلاحي -

تثقل المدرسة بالكثير من الواجبات والالتزامات، وتحمّل من المسؤوليات، وينظر إليها بالكثير من الاهتمام والأمل، وفوق ذلك تعامل بالكثير من الحذر والتوجس، ولذلك تغربل مناهجها بين كل فترة وأخرى، وتصقل تجارب قادتها من المعلمين والمعلمات بالكثير من التدريب، والتثقيف، والتعليم؛ إن اقتضت الضرورة؛ وتصاغ لشأنها؛ فقط؛ بعض القوانين، والتعليمات، والتوجيهات، ويتعامل مع منتوجاتها بالكثير من الحذر، حيث تمثل ميزانا ذا كفتين، ويجب أن تكون الكفتان متوازنتين وفق رؤى معينة، ووفق توجهات مقصودة، ولا يراد منها؛ أي المدرسة؛ أكثر مما توجه إليه، ومما تقتضي التعليمات أن تسير عليه.

والمدرسة تستحق كل هذا الاهتمام، وكل هذه العناية، وكل هذا التركيز، وذلك لسبب كبير، وهي أنها تحتضن بين جوانبها نبتات صغيرة، تلهف وراء كل جديد، وتستوعب كل حديث، وعندها القدرة الهائلة على هضم كل مستعص، ولأنها كذلك تتأسس لفترات زمنية قادمة، وعليها أن تكون قادرة، وأن تكون مستلهمة، وأن تكون ملهمة، وأن تكون مبدعة، وأن تكون فوق التصور، ولأنها كذلك تحتوي على «حمولة» ديموغرافية وهي حمولة كبيرة جدا تمثل كافة أسر المجتمع؛ هي هدية للوطن؛ إن أريد لها ذلك؛ وهي غير ذلك؛ إن أريد لها ذلك أيضا.

من هنا تبقى المدرسة مشروعا وطنيا عالي القدر والقيمة، وعلى من يقود دفة هذا المشروع أن يكون واعيا بقدر أكبر مما عليها الطاقات الإبداعية التي تحتويها المدرسة، وأكثر شمولية مما يدور في خاطر هذه الـ «حمولة» وأكثر مفهومية مما يحول دون تحقيق ذلك، ولأنها لبنات طرية، لم تتلوث بعد بغبار المجتمع من حولها، فهي نظيفة، وطرية، وصادقة، وأمينة، وعلى فطرتها الأولى، وبالتالي عندما تنطلق، فإنها تنطلق من هذه الخصائص كلها، وعندما تعمل فإنها تمثل الصدق كله، وعندما تبدع فإنها تمثل الإخلاص كله، ولأنها كذلك أيضا، فهي ترى فيمن يقودها القدوة، وفيمن يوجهها الصدق والصلاح، وفيمن يؤمن بحقيقتها أكثر صدقا لها، وأكثر إخلاصا لها، وأكثر إحاطة بأمانتها.

ينظر إلى الأسر؛ وهي الحاضنة الأولى؛ بكثير من الوعي بدورها المفروض، وهو دور مهم جدا، لتعزيز كل ما تقوم به المدرسة من أنشطة، وتلقين للمعرفة، ويبقى الخوف أن لا يكون هناك شعور متواز مع ما تقوم به المدرسة، وفي ذلك؛ إن حدث؛ «منغصة قارسة» تعكس ضياع جهود، وخيبة أمل، ما كان أن تكون في ظل مساحة متسعة من الوعي، ومن فهم كامل للأدوار المتبادلة بين الطرفين (الأسرة/‏‏‏ المدرسة) وفي هذه المسافة الفارقة بين الطرفين، يمكن أن تحدث هوة عميقة، ويدفع ضريبتها هذا الطالب، الذي تتشتت فكرته بين مؤسستين، لا غنى؛ عنده؛ أحدهما عن الأخرى، فكلاهما بالنسبة له أمر حيوي: معنويا وماديا، ولذلك عندما تتحقق هذه الألفة المتبادلة بين طرفي المعادلة، يكبر الحلم، عند هؤلاء الطلبة، وعندما يكبر الحلم تتوسع المعرفة، وعندما تتوسع المعرفة يشع الإبداع بين هذه اللبنات الطرية، فتؤتي ثمارها؛ ليست يانعة طرية؛ بل ناضجة معبرة عن عقول واعية، وكبيرة، ترى في الوطن المناخ الآمن للعطاء. يقال: إن «التعليم يعلمك كيف تعتمد على إجابة صحيحة واحدة، بينما العالم من حولك تتعدد فيه الإجابات الصحيحة عن الشيء الواحد» ووفقا لهذه المقولة؛ لست أعلم مصدرها؛ فإن كانت المدرسة هي من يقوم بالجزء الأول من مفهوم العبارة، فإن الأسرة ومعها المجتمع من يقومان بهذا الدور الشمولي في اتساع المعرفة، والسؤال الختامي لهذه المناقشة كلها: ماذا إذا لم يقم الجميع بأدوارهم كلها، ماذا ستكون النتيجة؟ ربما لن أكون معنيا بالإجابة عن السؤال، ولكنني أكون أكثر قربا في استشراف أفق الغد في ذاكرة هذه النفوس الطرية التي تتوق أكثر إلى تأصيل المعرفة، وإلى إكبار وتبجيل ما تطرحه من أفكار، وليس فقط الاعتماد على المحتوى المعرفي الموجود في منهجها الدراسي.