1196769
1196769
المنوعات

الباحث الفرنسي مكسيم تابت لـ « عمان » : الكمزارية العمانية اللغة الوحيدة غير السامية في الجزيرة العربية

20 أبريل 2019
20 أبريل 2019

متوارثة وبعض مفرداتها من لغات قديمة اندثـرت و«العـربية» تـؤثر فـيهـا بنسـبة 30% -

نــــــوح بن ياسر المعمري -

اللغة الكمزارية العمانية تعد اللغة الوحيدة غير السامية المحكية في شبه الجزيرة العربية، واستطاع الكمازرة الذين ينتسبون الى قرية كمزار بمحافظة مسندم بحكمتهم وابتعادهم عن المدنية من المحافظة على هويتها الجميلة، لتبقى هي اللغة الأم في التواصل فيما بينهم في جميع مجريات حياتهم اليومية التي لم تتأثر بتصادم الحضارات والثقافات الحديثة، وهي تمارس بكل تفاصيلها كما أخذوها من أجدادهم لتبقى بهويتها ومفرداتها المتعارف عليها بين الأهالي.

اللغة الكمزارية استقت مفرداتها من العديد من اللغات القديمة منها الفارسية والسامية حسب ما رجح الباحثون والدارسون عن نشأتها كما هي وتناقلها الأجداد جيل بعد جيل. الدراسات والبحوث تحدثت عن هذه اللغة الرائعة وان كانت نادرة وقليلة في حقها، إلا أنها استطاعت أن تصل إلينا ببعض القواعد عن اللغة الكمزارية، وتعرفنا على أصولها ومدى تأثير اللغات فيها، لتبقى موثقة في بعض المعاجم والدراسات بصورة مبسطة.

قرية كمزار العمانية الواقعة بين الجبال والبحر شاهدة على الحضارات التي تعاقبت على هذه اللغة، لتحكي لنا القرية فصلا من كتاب العمانيين في تعاملهم مع الحضارات والثقافات الأخرى.

وفي هذا الحوار الصحفي سوف نفتح فصلا جديدا عن اللغة الكمزارية من خلال حديثنا مع الباحث الفرنسي «مكسيم تابت» الذي شد الرحال من معهد اللغات والحضارات الشرقية (إنالكو) وهو أحد الصروح العلمية في باريس بفرنسا إلى قرية كمزار ليبدأ بحثه عن هذه اللغة العمانية الرائعة التي تكتب بالأحرف العربية على 27 حرفا ساكنا و8 أحرف علة، ليحكي لنا عن ثباتها رغم مجريات الحياة وتطورها السريع الذي شهده العالم في الحقب الزمنية الأخيرة.

سبب دراسة اللغة الكمزارية

الباحث الفرنسي مكسيم تابت المتخصص في علم اللغة والذي بدأ دراسته في الجامعة باللغة العربية منذ خمس سنوات، قضى السنوات الثلاث الأولى منها في تعلم اللغة العربية وقواعدها، أوضح بان اللغـــــــــة الكمزارية شدت اهتمامه بعد زيارة كانت قبل سنتين إلى محافظة مسندم من أجل الاستجمام والاستمتاع بالطبيعة الخلابة التي حباها الله تعالى لمسندم، فوجد الأهالي يتحدثون بلغة لم يفهمها رغم أصولهم العربية، وهي ذات مفردات وتراكيب ممزوجة من لغات أخرى، مما جعله يتعرف عليها وقرر وضع بحثه حول هذه اللغة ليخرج لنا حوارا صحفيا شيقا مع اللغة الكمزارية العمانية وأهالي قرية كمزار الكرماء.

وبين أن سبب اختيار اللغة الكمزارية للدراسة يأتي لعدد من الأهداف يتمثل الأول في مقارنة بعض الكلمات الكمزارية بالكلمات واللهجات العربية، ليضع فصلا جديدا من معجم قائم في أحد المواقع الإلكترونية المهتمة باللغات، وليضع أيضا بين أيدينا كلمات كمزارية مستعارة من اللغة العربية سواء كانت هذه المفردات من اللغة العربية الفصحى أو المحلية.

وأشاد تابت في حديثه باللغة الكمزارية، من حيث نشأتها وتطورها ومحافظة أهالي كمزار عليها وتعليم أبنائهم منذ طفولتهم بهذه اللغة لتكون هي اللغة الأم لهم، وأوضح بأن الكمزارية لغة يتحدث بها نسبة قليلة من سكان شعب عمان لا يتجاوز 4.500 نسمة .

41 لــغــــــــة

وأوضح تابت بأن المعجم في الموقع الإلكتروني يشمل حتى الآن 41 لغة، وتهتم أغلبها باللغات النادرة والمعرضة للاندثار، وقد أبدى الباحث رغبته لتوثيق اللغة الكمزارية في هذا المعجم.

وفي سؤالي للباحث عن الكمزارية إذا ما كانت تصنف لغة أم لهجة بالمنظور الغربي، وعن مستقبل هذه اللغة في المنطقة؟

أشار مكسيم الى أن الكمزارية من وجهت نظر علمية غربية هي لغة لأن لها قواعد خاصة بها، واذا ما اعتبر البعض بأن الكتابة عامل أساسي في أي لغة، وهذا لا ينطبق على الكمزارية ، فيمكن ان يقال عنها «اللسان الكمزاري»، مشيرا الى أن هناك لهجتين كمزاريتين إحداهما تنطق في جزيرة آراك الإيرانية، وتختلف قليلا عن اللغة الكمزارية العمانية فلا يبدو بأن هنالك لغة كمزارية وحيدة قبل أن ينتقل الكمازرة إلى هذه الجزيرة.

وتابع حديثه بأن اللغة الكمزارية من بين اللغات المهددة بالاندثار حسب اليونيسكو، مشيرا الى انه من خلال بحثه فإن المعلومات التي وضعتها اليونيسكو عن هذه اللغة هي معلومات غير دقيقة، والحقيقة التي شاهدها الباحث في قرية كمزار وولاية خصب يوحي بعكس ما ذكرته اليونيسكو، فإن هنالك حرصا من الكمازرة على تعليم أبنائهم هذه اللغة ولتكون هي اللغة الأم في التواصل فيما بينهم، ويتم تعليمها من جيل إلى آخر قبل اللغة العربية. واستطرد قائلا « الكمزارية تعد اللغة الوحيدة من نوعها في شبه الجزيرة العربية التي لا تنتمي الى مجموعة اللغات السامية»، مما شجعه على دراستها، وأوضح بان المصادر العلمية عن هذه اللغة نادرة وقليلة.

أصول ومفردات الكمزارية

وحول أصولها وتاريخها، والمفردات والكلمات التي امتزجت بالكمزارية، قال الباحث الفرنسي «يجب العودة إلى تاريخ مسندم في الحقب السابقة لمعرفة جذور اللغة وأصولها، حيث أنه في فترة قبل الإسلام كانت مسندم تحت سيطرة فارسية ساسانية وإخمينية وكان سكانها من قبائل فارسية وعربية، وإن من عوامل أساس اللغة الكمزارية يعود إلى التعايش بين الحضارات في فترات قديمة قبل تأثر اللغة ببعض المفردات الحديثة، وأشار تابت الى أن الباحثين اعتبروا أن اللغة الكمزارية هي عبارة عن مزيج من اللغات الفارسية واللغات السامية الجنوبية القديمة واللغة العربية بعد حروب الردة.

موضحا بانه في الفترة الحديثة لا يظهر بان الكمزارية تأثرت كثيرا ببعض اللغات كالإنجليزية، وذلك خلال غزو الإنجليز والبرتغال لهذه المنطقة وأخذت من البلوشية والهندية بعض المفردات بسبب العلاقات التجارية، وتأثيرها قليل، ونادرا ما تظهر في بعض المفردات تصل نسبتها من 2-3 %.

وحول المنهجية التي اختارها في دراسته، فقد أشار الى انه يقوم بتسجيل بعض الكلمات المتداولة عالميا ويعمل على ترجمتها من العربية إلى الكمزارية ويصل عدد الكلمات التي سوف يبني عليها المعجم 1500 كلمة وهي من الكلمات المتعارف عليها في القائمة الدولية.

المقالات العلمية

وأكد خلال سياق الحوار الصحفي على أن المصادر الموضوعة عن اللغة الكمزارية قليلة جدا، وأن اطروحة الدكتورة لـ«كريستينا فان دير» الهولندية والمقالات العلمية لـ«اريك أنونبي» الكندي هي المصادر الأساسية لهذا البحث، مشيرا الى اطلاعه على الأطروحات والمقالات العلمية. كما تابع حديثه بأن هنالك كتابا قديما للمؤرخ «براعم طومس» منشور عام 1929 يصف اللغة الكمزارية بشكل بسيط، وأن أول كتاب عالج اللغة الكمزارية هو كتاب «جيكر» من البعثة البريطانية ونشر في عام 1902.

موضحا بأن الباحثين «كريستينا فان دير» و«اريك انونبي» متخصصان في علم اللغات والإنسانيات واقترحا قواعد اللغة الكمزارية وقد قضيا مدة سنتين في القرية للتعرف على الكمزارية، أما البحث فاستمر 10 سنوات، وعليه وضعت «كريستينا فان دير» كتابا عن قواعد اللغة الكمزارية. وحول الدراسات التي تشير الى أن اللغة الكمزارية عبارة عن مزيج من اللغات، قال الفرنسي مكسيم بأن اللغة الكمزارية تأثرت ببعض اللغات خلال فترات الاحتلال المختلفة للمنطقة كما تأثرت بالعلاقات التجارية فهنالك استعارات لبعض الكلمات مثل الهندية والبلوشية والتركية والكردية والأوردية والانجليزية والبرتغالية وأثار اللغات السامية التي لا تزال تنطق في عمان مثل المهرية والجبالية والحرسوسية.

مشيرا الى أن هنالك إرادة في المحافظة عليها بين الكمازرة ولكن لا توجد إرادة لانتشارها من قبل غير الناطقين بها، ويقال في التاريخ بان قرية كمزار بنيت لتستقبل المهاجرين واللاجئين وذلك في القرن السادس مما لم يساعد على انتشارها للانعزال عن العالم الخارجي.

تأثر باللغات الأخرى

وفي سؤالي له عن مدى ممارسة أهالي كمزار للغة الكمزارية وهل اللغة العربية حاضرة في تعاملهم اليومي؟

أوضح مكسيم بان النشء في كمزار لا يتكلمون إلا الكمزارية قبل دخولهم المدارس مما يشكل ثروة ثقافية يملكها الناطقون بها ويناقض ما ذهبت إليه اليونيسكو حول أن اللغة معرضة للانقراض.

وقال: أما التدريس في المدارس فهو باللغة العربية، موضحا بأن اللغة العربية تدخل في اللغة الكمزارية كثيرا ويطلق عليها كمزرة بعض الكلمات وحسب الأبحاث والدراسة يوجد ما يقارب 30% من الكلمات العربية تستخدم في اللغة الكمزارية، كما أن اللغة الفارسية القديمة التي اندثرت بعض مفرداتها لها تأثير كبير على الكمزارية.

وحول عدد اللغات التي أثّرت على الكمزارية، قال الباحث: هنالك ما يقارب 10 لغات تأثرت بها الكمزارية والأكثر هي العربية والفارسية القديمة وبعض اللغات السامية.

وأضاف مكسيم بأن هناك طرقا عديدة لتوثيق اللغة الكمزارية بشكل علمي منها عن طريق التسجيلات الصوتية واستخدام أبجدية صوتية دولية لترجمة التسجيلات. كما توجد مواقع عليها محفوظات صوتية تضم تسجيلات للغات التي تنطق ولا تكتب.

وحول التجديد في دراسة اللغة الكمزارية وهل بالإمكان أن يضع الباحث بعض القواعد الجديدة؟ قال مكسيم سوف يضع في بحثه نسبة تأثير اللغة العربية على اللغة الكمزارية وكيفية تأثرها، مشيرا بانه سوف يواصل دراستها في مرحلة الدكتورة، كما انه بالإمكان علميا كتابة اللغة الكمزارية، فهنالك أبجدية صوتية دولية وتسمح كتابة جميع اللهجات والأصوات في العالم ويمكن اقتراح أبجدية خاصة للكمزارية. مشيرا بانه بالإمكان أيضا تعلم الكمزارية في الجامعات كغيرها من اللغات، وتأتي فائدة تعليمها من الجوانب الثقافية والعلمية.

الحياة اليومية

وحول قرية كمزار والحياة اليومية داخل القرية؟ بحكم أن الدراسة تترجم الحياة اليومية وانعكاساتها على اللغة، قال مكسيم بأن قرية كمزار تعد معزولة عن باقي المحافظة بسبب موقعها الجغرافي، ولا يمكن القدوم إليها أو المغادرة إلا إذا كانت حالة البحر تسمح بذلك.

وتوفر المروحيات في القرية لإسعاف الحالات الطارئة، مشيرا مكسيم بأن كل وسائل الخدمات الأساسية متاحة في القرية، من أهمها توفر المواد الغذائية بوفرة والحصول على الخدمات الضرورية كالصحة والانترنت و المواد الأولوية. مشيدا بأخلاق وطيبة أهالي قرية كمزار وإكرامهم الضيف وهي من السمات العمانية المعروفة عند استقبال الضيوف.

كما أضاف بأن قرية كمزار ذات طابع جميل من حيث تقارب المساكن والخدمات بعضها لبعض، حيث إن الطرق المعبدة غير موجودة بسبب المسافة القصيرة بين المنازل، معرجا حديثه بأن هذا يعد ذا طابع جميل ساعد على عدم التلوث الهوائي والضوضاء، وأضاف بأن أهالي القرية يعتمدون على الموارد البحرية، وتوجد كذلك ثروات مخفية في الجبال لا يعرفها إلا سكان القرية لمعرفتهم بأسرار هذه البيئة.