أفكار وآراء

اقتصاد الصين .. استقرار ومخاطر مستقبلية

17 أبريل 2019
17 أبريل 2019

مارتن وولف الفاينانشال تايمز -

ترجمة قاسم مكي -

هل يتعافى الاقتصاد الصيني من تباطئه في نهاية العام الماضي؟

نعم، يقول كل من جافين ديفيز (رئيس مجلس إدارة شركة فولكرم لإدارة الأصول- المترجم) وجولدن ساكس وآخرون عديدون. أيضا أثناء زيارتي الأخيرة إلى شنغهاي وبيجينج أبدى عدد من الاقتصاديين وأصحاب الأعمال الخاصة تفاؤلا متناميا إزاء المستقبل الاقتصادي للصين.

لماذا يعتقد أولئك ذلك؟ وهل من المرجح أن يكونوا على صواب؟

ظل الاقتصاد الصيني منذ فترة طويلة الأسرع نموا من بين أكبر ثلاثة اقتصادات في العالم هي الولايات المتحدة ومنطقة اليورو والصين نفسها. ذلك هو كذلك سواء اعتقدنا بصحة الأرقام الرسمية لنمو الصين أو تشككنا فيها نوعا ما. فالصين بالنظر إلى ديناميتها الاقتصادية وحجمها عندما تعطس يصاب اقتصاد العالم بالزكام.

كان هذا يحدث في نهاية العام الماضي. إذ حسب التقديرات الجديدة لشركة فولكرم والتي أوردها جافين ديفيز «هبط النمو بمعدل 4% على أساس سنوى في ديسمبر 2018.» يضيف ديفيز أن هذا الهبوط تسبب في معظم التباطؤ في النمو العالمي خصوصا بقطاعي التجارة والصناعة.

ويقال إن وراء هذا التباطؤ كان يكمن عاملان هما التشدد في الائتمان الداخلي في مسعى لوقف تعظيم نشاط الاقتصاد خلال الأعوام العشرة السابقة وتأثير الحرب التجارية مع الولايات المتحدة على الثقة أما الآن فتبدو الأشياء أفضل. لقد فوجئت حقا بالأسارير المتهللة والوجوه المستبشرة للناس الذين التقيتهم، خصوصا في شنغهاي العاصمة التجارية للصين.

يبدو هذا التفاؤل الكبير متسقا مع المؤشرات المتعلقة بأوائل العام الحالي 2019. فتقديرات فولكرم توضح أن معدلات النمو الأخيرة متسقة مع المعدل الذي تستهدفه الحكومة للعام والذي يتراوح بين 6% إلى 6.5 % ، على نحو مماثل لذلك، يقدر بنك جولدمان ساكس نموا اقتصاديا بنسبة 5.8 % في فبراير.

من بين أسباب هذا التفاؤل المتجدد الاعتقاد بقرب التوصل إلى اتفاق تجاري وشيك، سبب آخر وهو التخفيف من القيود في سياسة الإقتصاد الكلي. يشمل ذلك إجراء إصلاح في ضريبة القيمة المضافة من المتوقع أن يقلل من العبء الضريبي بحوالى تريليوني (2 تريليون) رينمينبي سنويا.

جاء في تقرير عن أداء الحكومة قدمه رئيس الوزراء لي كيكيانغ أمام البرلمان الصيني الشهر الماضي ما يلي: «سنقوم بإصلاح وتنقيح آليات التمويل الائتماني والنقدي ... والجمع بين المقاربتين الكمية والتسعيرية ... لإرشاد المؤسسات المالية في زيادة عرض الإئتمان وخفض تكلفة الاقتراض.» يمكن أن يكون هذا مهما.

لكن ما هو أكثر أهمية، حسبما يؤكد بعض الذين التقيتهم، تجدد حماس المسؤولين تجاه القطاع الخاص. فالرئيس شي جينبينج في خطاب ألقاه يوم ديسمبر 2018 لم يكتف فقط بمدح دينج شياو بينج، واضع سياسة «الإصلاح والإنفتاح» في الصين، لكنه وعد بدعم القطاع الخاص.

في تقرير لي كيكيانغ ورد ذكر الأنشطة الخاصة عشرين مرة. لقد أكد كيكيانجغ على الحاجة إلى «التقليل من حالات نقص التمويل التي تواجهها المنشآت الخاصة..... وتشجيع العاملين في القطاع الخاص على الابتكار...... واجتذاب المزيد من رأس المال الخاص في مشروعات بالقطاعات الرئيسية.» كذلك جاء في خطاب رئيس الوزراء « سنتبع مبدأ الحياد التنافسي بحيث عندما يتعلق الأمر بإتاحة إمكانية الحصول على عوامل الإنتاج والدخول في السوق والرخص والعمليات الاقتصادية والمشتريات الحكومية والعطاءات العامة إلخ... ستعامل المنشآت بكل أنواع ملكيتها على قدم المساواة.» من ناحية المبدأ يجب أن تشمل هذه المعاملة الملاك الأجانب أيضا. لقد ظل القطاع الخاص محركا للنمو في الصين. وإذا كانت الحكومة عازمة على دعمه فهذا شيء مهم. لكن ما فاجأني تماما أن بعض الصينيين الذين قابلتهم كانوا سعيدين بالضغوط الأمريكية على الصين كي تحرر اقتصادها. فكلما أحسنت الحكومة معاملة الشركات الخاصة الأجنبية كلما وجب عليها أيضا أن تحسن معاملة الشركات الخاصة المحلية. وأنا أتساءل إذا ما كان المفاوضون الأمريكيون يدركون النتائج التي تترتب عن «تحرير» رواد الأعمال الخاصة من «أنشوطة» الدولة. رغما عن ذلك نحن بحاجة أيضا إلى تحدي هذا المنظور المتفائل لفرص الاقتصاد الصيني الحالية والمستقبلية .

أولا، ليس واضحا أنه سيتم التوصل إلى إتفاق حول التجارة مع الولايات المتحدة. وحتى إذا حدث ذلك يبدو أن الولايات المتحدة مصرة على مراقبة السلوك الصيني بقصد فرض عقوبات (رسوم جمركية) وقتما كان هنالك تقدير بأن الصين ترتد القهقرى. المستبعد كما يبدو أن تقبل الصين بهذا المطلب.

لكن اذا تم التوصل فعلا إلى مثل هذا الإتفاق لن تحل مشكلة الحرب التجارية بل ستتم «مأسستها». في الأثناء يتخذ الإتحاد الأوروبي موقفا أكثر تشددا حول الممارسات التجارية والاستثمارية للصين. ولا يرجح أن تكون هنالك عودة إلى العلاقات التي كانت سائدة قبل أعوام قليلة.

ثانيا، في حين أن السيطرة على نمو الائتمان والدين مقارنة بالاقتصاد تعزز الطلب أيضا إلا أنها ستظل على الأرجح عملا توازنيا عويصا إن لم يكن مستحيلا. لن يكون مدعاة للدهشة إذا قرر واضعو السياسات وجوب تقييد الائتمان مرة أخرى مع الآثار المؤذية لهذا التقييد على الاقتصاد. البديل الواضح سيكون سياسة مالية نشطة من قبل الحكومة المركزية، لكن هذه الأخيرة تظل غير راغبة في القيام بذلك.

ثالثا، لايزال موقف الرئيس شي جينبينج تجاه القطاع الخاص غير واضح، إذا تلطفنا في القول إنه محاط بأناس يؤمنون بالدور الضروري للقطاع الخاص، لكن هل يؤمن هو نفسه بذلك؟ يبدو جينبينج في معظم الأوقات أقوى إيمانا بالمؤسسات المملوكة للدولة. وطالما ظلت هذه هي الحال ربما سيكون من الصعب بعث الثقة في القطاع الخاص دع عنك الحفاظ على استمرارها.

رابعا وأخيرا، هنالك سؤال حول الحجم الحقيقي للاقتصاد الصيني. ربما ينمو هذا الاقتصاد ببطء أشد مما توحي به الأرقام الرسمية. بل ربما أن ما ينمو ليس هو في الواقع الناتج المحلي الإجمالي كما يفهمه الناس في الخارج . لكن هذه شكوك (نحتفظ بها) لمناسبة أخرى. السؤال هنا هو : هل الاقتصاد يتعافى؟ وإذا كان ذلك كذلك هل يحدث هذا التعافي على نحو مستدام؟

الإجابة هي «نعم» وأيضا «ربما». الاقتصاد يتعافى. لكن المخاطر ، خصوصا فيما يخص التجارة، تكمن في المستقبل. ومن المرجح أن تكون هنالك فترات ضعف أخرى.