أفكار وآراء

بنات الذكاء الاصطناعي والمخاطر القانونية

17 أبريل 2019
17 أبريل 2019

د. عبد القادر ورسمه غالب -

قامت شركة «أمازون» الشهيرة، قبل فترة، واستنادا على ما تمخض من تقنية الذكاء الاصطناعي (آرتيفيشيال انتلاجنس) بإنتاج آلة روبوت تسمى (اليكسا). وهذا الروبوت الصغير الحجم يمثل بنتا صغيرة جميلة تتحدث بصوت رخيم منخفض أو تنقل المعلومات للإجابة على الأسئلة والاستفسارات المقدمة لها من أي شخص. وآلة روبوت (اليكسا) مبرمج بتقنية الذكاء الاصطناعي لتمكينه من تنفيذ أعمال الإنسان الطبيعي وإحلال محله في الإجابة المباشرة عن الأسئلة المقدمة من طرف ثالث. والآلة الروبوت تقوم مقام شخص يجيب على سؤالك، مثل الابن، السكرتيرة، الصديق وهكذا.

برنامج (أليكسا) متوفر في الأسواق ويمكن لأي شخص الاستفادة منه في المنزل أو المكتب أو مكان آخر. وللتقريب، هذا الروبوت الآلي يوضع في المنزل مثل جهاز الهاتف الموضوع لاستقبال المكالمات، ولكن مع «أليكسا» يحدث العكس لأنها تسمع السؤال وتقوم بالرد الفوري عليه لأنها مبرمجة للبحث عن الإجابة الصحيحة والرد في أسرع وقت. ربما تسأل (اليكسا) عن الطقس في الخارج، كمية الأمطار، أسعار المنتجات أو العملات، مواقيت السفريات، وحافلات النقل، برمجة مواعيد إيقاظ الأطفال. وكذلك تسألها عن أشياء شخصية تخصك أو تخص العمل أو الأصدقاء. وقد تستفيد منها في الاجتماعات لتقديم معلومات هامة كالإحصائيات والدراسات والبحوث والقرارات وغيره من المعلومات الضرورية.

ومن دون شك، هناك فوائد عديدة لهذه الأعمال التي نجنيها من تقنية الذكاء الاصطناعي، والتي ما زالت تمدنا بالمزيد من المفاجآت «المدهشة». لأن هذا الروبوت عبارة عن «خزائن معلومات» لا حدود لها تجدها أمامك في لحظات، وبالعدم ربما تحتاج لأيام كاملة للحصول عليها. وهنا تنبع الأهمية، لأن في هذه السرعة نكسب الوقت ونطور العمل ونملك المعلومات ومن يملك المعلومات يملك المعرفة ومن يملك العرفة يملك القوة التي تمكنه من اتخاذ القرار في الوقت المناسب والحاسم خاصة ونحن الآن في عصر المعلومات والقوة وعصر السرعة لكسب المنافسة.

كل ما ذكرناه، فيه إيجابيات عديدة ويمكن أن تساعد في تغيير موقفك الشخصي أو العملي في الوقت المناسب، وكل هذا تحقق بفضل «أليكسا» وأخواتها من بنات تقنية الذكاء الاصطناعي. ولكن، وكما نعلم، فإن الخير والشر متلازمان جنبا إلى جنب، وعليه هناك محاذير تقنية وقانونية خطيرة وشريرة ولا بد من التنبه لها وأخذ الحذر الكافي الواعي. ونقول، إن من أخطر المخاطر القانونية انتهاك الخصوصية الشخصية والتطفل. وهذا، نظرا لأن «أليكسا» والتي نسعى لاقتنائها ووضعها حيثما كنا، مصممة ومبرمجة تقنيا لاستراق السمع والتصنت ورفع الأذن «الأنتينات» عاليا للوصول لمصدر الصوت والترددات الحساسة. وبهذا، وفي حقيقة الأمر، فإن هذه الآلة تسمع كل ما يدور في داخل البيت وفي المكتب وفي الاجتماعات وغيره.. وهذا يتم، غصبا عنك وبدون الحاجة لموافقتك لأن التلصص والتحسس والتنصت وحسن السمع لكل لما يقال يمثل مهمتها الأولى التي صممت من أجلها. وهذه المعلومات المخزنة لدي «أليكسا» من دون شك قد تمثل قنبلة مؤقتة خطيرة ربما تصوب لك؟ وهناك بعض الأدلة المتعددة على أن هناك «هاكر» قام بالترصد ونظم تقنية تقوم باختراق برنامج «أليكسا» وبالدرجة التي تمكنه من الاستماع المباشر لكل ما يقال، أذنا بأذن وذكاء بذكاء مع «أليكسا». وبهذا الهاكر يضيع الأمان وينكشف المستور المغطى حتى داخل غرفك وردهاتك ومكاتبك المغلقة والمحروسة من الخارج. فإلى أين الهروب والأثير مليء بالمتاريس ذات السمع الحاد والذكاء الأحدّ. هكذا قد تنقلب «اليكسا» ضدك وتعمل عكس ما تريده.

وإضافة لما ذكرناه أعلاه، هناك مخاطر فنية تقنية متشعبة، تتمثل في عدم فهم أو استيعاب «أليكسا» لما يقال لها، وبالتالي تقدم إجابة خطأ تماما ويتم التصرف وأخذ القرارات وفق هذه الإجابة الخطأ. وقد ينجم ما لا يحمد عقباه. وهذا الخطأ قد يكون لعدم مقدرة الذكاء الاصطناعي على ترجمة واستيعاب ما سمعه، أو استيعابه جزئيا أو الخلط بين المعلومات المبرمجة أو غيره. وهذا، من دون شك، مؤشر على خطأ أو عطب فني تقني قد لا ينكشف أو قد يتم اكتشاف الخطأ بعد فوات الأوان وحدوث الأضرار المعنوية أو المادية الجسيمة، وبالطبع الآلة الخرساء الصماء لا تعرف ما حدث وفي نفس الوقت لا تندم على ما حدث ولا تفكر في تصحيحه أو تجنبه كما يفعل الذكاء البشري الطبيعي.

ظللنا نقول، إن حاجتنا لتقنية الذكاء الاصطناعي وغيرها من التقنيات الحديثة المستحدثة، ماسة وهامة سعيا لتطور البشرية لآفاق رحبة تقود جميع البشرية لمستقبل زاهر. ولكننا، أيضا نقول، يجب الحذر ثم الحذر من الانجراف الأعمى نحو هذه التطبيقات الحديثة للآلات الصماء. وعلينا جميعا، الحرص على توفير الأمان التقني الكافي مع الضمانات القانونية والتشريعية التي تكبح التطفل والتعدي والتلصص والتصنت، حتى تكون حياتنا الخاصة في مأمن آمن. وحتى تظل التقنية نعمة من المنعم.