Randa-New
Randa-New
أعمدة

عطر : عالقون في عنق الزجاجة

17 أبريل 2019
17 أبريل 2019

رندة صادق -

«العبر في القصص» ، هناك قصة سمعتها من صديقة، كانت ترويها لتوضح أن معالجة أي أزمة لا تكون بالعناد أو بالتفكير بطريقة واحدة انطلاقا من قناعة ثابتة، بل علينا أن نعمل على تغيير تفكيرنا وطريقتنا في رؤيتها والتعامل معها وفق استراتجية مختلفة، تقول القصة: “ان سائقا لحافلة أحد المدارس كان يمر بشكل يومي في نفق ضيق في طريقه المعتاد وهو ينقل الطلاب، وفي كل مرة يعبر النفق بسلاسة دون أن يتعرض الى أي مشكلة، وفي أحد الأيام دخل النفق ككل يوم، لكنه لم يتمكن من العبور وعلق في وسط النفق، حيث إن سقف النفق كان يلامس ظهر الحافلة، وبعد محاولات عدة للخروج من النفق باءت جميعها بالفشل، بدأ السائق بالغضب وأصابه القلق الشديد خاصة انه لم يدرك سبب هذه الأزمة، ولكن بعد مرور وقت لا يستهان به، اقترب أحد التلامذة منه وقال له: لقد تم تزفيت الأرض مما رفعها لذا لم تتمكن من العبور، لكن الحل بسيط، خفف الهواء من الدواليب فيعبر الباص وتنحل الأزمة، وبالفعل طبق السائق نصيحة التلميذ وخرج من النفق “

لقد فشل السائق حين تشبث بطريقته المعتادة وأصابه شلل في تفكيره ولم يتمكن من رؤية الحل السهل والمتوفر، وهذا ما يحدث لنا جميعا حين نتعرض لمشكلة ما، يتوقف عقلنا ونتصارع مع أنفسنا ونحن ندور في دائرة ضيقة تُطبق علينا حتى نخال أنها نهاية العالم وأنها أكبر الأزمات وأشدها فتكا بمصائرنا، نقاتل طواحين الهواء بحثا عن النجاة، نتعثر بأحكامنا المسبقة وتسيطر علينا قناعة ثابتة أننا هالكون لا محال.

الأمر كما في القصة يحتاج منا التبصر والتفكر والعمل على تنفيث الغضب عند مواجهة أي أزمة نتعرض لها، وكلنا يقين أنه لا توجد أزمة لا تنتهي ولا توجد مشكلة لا حل لها، أولا علينا أن نهدأ ونرتب المشكلة باحثين بكل عناصرها وخاصة بأسبابها، لأن معرفة الأسباب بداية الحل الذي يكون بفكها عقدة عقدة، ثانيا البعد التام عن العناد والتحدي واللجوء الى تحكيم المنطق، ثالثا النظر الى المشكلة من كل زواياها واتجاهاتها لكي لا نقع في شخصنة المشكلة، فغالبا ما تكون المشكلة فيها أناس غيرنا يشتركون بها ويعانون من تداعياتها، لذا من المهم أن نضع انفسنا مكانهم فهذا أمر أساسي يساعدنا في التوصل الى الحل، وأخيرا النقطة الأهم ان نغير طرق تفكيرنا وان نُدوّر الزوايا بحثا عن حل يرضي الجميع.

قد نتعرض جميعنا الى مشاكل لا يمكن التعامل معها بنمطية، بل تحتاج الى ابتكار حل يخلق التوازن العام ويطال كل أفراد الأزمة. حين ننظر حولنا نجد أناسا يعانون من مشاكل بالإمكان التخلص منها ببساطة، ولكن معظم هؤلاء الناس عالقون بأناهم، يتخبطون بجدران تفكيرهم، رافضين الأفكار الخارجية، علينا جميعا أن نقر أننا لا نملك العصا السحرية التي ستبدل حالا الى حال، ولكن حتما نملك العقل الذي لن يعجز عن التعامل معها.

لا يمكن للحياة أن تسير دون أزمات، وتنقسم هذه الأزمات الى قسمين: قسم قدري وهذه لا حول ولا قوة إلا بالله فيها، تهون حين نرضى بحكم الله سبحانه وتعالى شاكرين حامدين، وقسم آخر من صنع الإنسان، في معظم الأحيان يعود الى العناد والشخصنة والأنانية وتصادم الإرادات وتعارض المصالح، ويكون الحل في تقريب وجهات النظر واقتراب الأطراف من بعضهم البعض بمسافات وفق القاعدة المعروفة: “ لا ضرر ولا ضرار” مما يمكن الجميع من تخطيها، ولكن الإنسان هو المعرقل الأول لحياته، يعيش بين التحدي والعناد والظلم والأنانية والرغبة في الانتصار على الآخر، حتى يضيع عمره دون أن يتمكن من الخروج من عنق الزجاجة.

[email protected]