Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ : سلوكياتنا.. ما بين طارئ ومهم

16 أبريل 2019
16 أبريل 2019

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

أترى أننا نفتعل كثيرا من ممارساتنا، أم هي فارضة نفسها بفعل وقع الحياة في مختلف الممارسات التي نقوم بها؟ إلى أي شيء نحتكم حتى يجبرنا الموقف على تخصيص غرفة «عمليات» للطوارئ - كما يقال- وهل نحتاج إلى مصادقة الآخرين من حولنا حتى نطمئن إلى هذا المستوى من الاهتمام؟ كثيرا منا من يضع تصوراته ويصنفها للأحداث من حوله على أنها: هذا أمر طارئ، وهذا أمر مهم، وهذا أمر طارئ ولكنه ليس مهما، وآخر مهم ولكنه ليس طارئا، ومن بعدها تنحصر معظم تفاعلاتنا مع الأحداث وفق هذه الرؤية، أو التقييم، ولا يهم من هم حولنا إن استشعروا ذلك معنا، أو لم يعيروا المسألة أية أهمية، فكل يعرف مقدار ما يضره، وما ينفعه، وهذا ما يذهب إلى الاستقلالية المطلقة، ليس فقط في اتخاذ القرار، وإنما أيضا في عدم الحرص على إدخال الآخرين في دوائرنا الخاصة، ووفق هذا التقييم أيضا قد نحمل أنفسنا الكثير من المشقة والعنت، مع أن الكثير من هذه المشقة والعنت لا نحتاجه، أهي الفطرة، أم أن المكتسب من خبراتنا واشتغالاتنا في هذه الحياة يظل يعتريه النقص؟.

الجانب الآخر في هذه المسألة، أننا من يوقع نفسه في أمر ما من أمور حياته اليومية في مأزق الحالة الطارئة بينما لا يستدعي الأمر الوصول إلى هذا المستوى من الانفعال، فعلى سبيل المثال لا الحصر ذهابنا إلى مؤسسات العمل اليومية - وهي حالة متكررة - تظل مجموعة الحقائق معروفة لدينا، والمتمثلة في المسافة الفاصلة بين السكن، والفترة الزمنية التي نحتاجها للوصول إلى مقر أعمالنا، ومجموعة الأعمال التي من المفترض أن ننجزها في يوم العمل، وهذه محددات مهمة لنصنع من خلالها القرار الذي ليس شرطا أن يضعنا في خانة الحالة الطارئة، مع أن هذه الصورة برمتها مهمة، ومهمة جدا، إذن فمتى تتحول هذه الحالة من حالتها العادية المهمة، إلى حالتها الطارئة المهمة أيضا؟

هنا المسألة تتوقف أكثر على الحالة الزمنية، فمتى بكرنا في الخروج من منازلنا، استطعنا في المقابل أن نصل الى مقار أعمالنا في الوقت المناسب، ومن دون أن نضع حالتنا هذه في الخانة الطارئة، فالخانة الطارئة معناها الاستعجال في الطريق، وتجاوز قواعد وأنظمة المرور، وتأثيرنا على حقوق الآخرين الذين نتقاسم معهم الطريق العام نفسه، وتقديم أعذار كاذبة للمسؤول، وتأخير معاملات المتعاملين مع المؤسسة، ورسم صورة غير طيبة للمؤسسة التي ننتمي إليها، والصورة ذاتها تتكرر في حالة الارتباط بمواعيد مع أناس آخرين، حيث سنمر بكل هذه السيناريوهات، والنتيجة المتحصلة من مختلف هذه الممارسات اليومية، التي نحولها من حالتها العادية إلى حالتنا الطارئة، هي حرق الأعصاب، وارتفاع الضغط، ولعن الظروف، والتعدي على الآخرين، وظهورنا أمام الآخر غير أسوياء، ووقس على ذلك أمثلة كثيرة.

نتفق على أن أفعالنا تتحدد ما بين طارئ ومهم، ومهم وليس طارئا، وطارئ وليس مهما، وفي كل هذه المناخات النفسية، نبقى نحن من ينقل الممارسات اليومية المعتادة إلى إحدى هذه الحالات وفق تصنيفنا الذي نريد، وفي كل هذه المناخات لسنا مجبرين أن نكون في هذه المواقف بصورة مطلقة، ويفترض في كل الأحوال أن مكسب خبرتنا في هذه الحياة يعفينا من مشاق هذه السلوكيات التي نتعمد أن نوقع فيها أنفسنا، بينما واقع الحال لا يستلزم كل هذه الانفعالات، وكما قيل: «ثابت الخطوة يمشي ملكا». كل ممارساتنا في الحياة مهمة - هذا لا جدال فيه - ولكن هذه الأهمية لا يجب أن تنقلنا إلى الحالة الطارئة، لأن في ذلك تكليفا لأنفسنا فوق ما تحتمل، ومخطئ من يظن أن عدم انتقاله إلى الحالة الطارئة في إنجاز أمر ما، معناه أن هذا الأمر لا يحظى بالاهتمام الذي يستحق.