أفكار وآراء

خطة السلام الأمريكية ومستقبل الصراع في المنطقة

16 أبريل 2019
16 أبريل 2019

صحفي ومحلل سياسي -

انتهت الانتخابات الإسرائيلية ويستعد رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو لتشكيل الحكومة مجددا من خلال تحالف حزب الليكود مع عدد من الأحزاب اليمينية المتطرفة والأحزاب الدينية المتشددة ورغم ذلك فإن نتانياهو قد يواجه مشكلات حقيقية ما بعد تشكيل الحكومة في ظل معارضة قوية في الكنيست يقودها حزب الأزرق والأبيض والذي شكل ظاهرة سياسية في إسرائيل وتعادل بالمقاعد مع الليكود في تلك الانتخابات.

ومن هنا فإن الجميع في العالم يترقب خطة السلام الأمريكية والتي يشرف عليها مستشار الرئيس الأمريكي وصهره جاريد كوشنر وعدد من مستشاري البيت الأبيض وبصرف النظر عن التسريبات الأخيرة لملامح تلك الخطة أو الصفقة على الصعيد الإعلامي فإن مسار تلك الخطة سوف تشكل علامة فارقة في تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي بعد أكثر من سبعة عقود من ذلك الصراع وزرع الكيان الإسرائيلي من خلال وعد بلفور المشؤوم.

الشرق الأوسط إلى أين ؟

منذ انطلاق الصراع وبداية نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948 كانت هناك حروب وأيضا مسارات لإيجاد السلام الشامل والعادل والتي نجحت جزئيا من خلال معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية والتي استعادت من خلالها مصر أراضيها المحتلة في سيناء كما كانت هناك معاهدة وادي عربة بين الأردن والكيان الإسرائيلي.

ومع ذلك تبقى القضية الفلسطينية هي أساس الصراع في المنطقة ويظل الأمن والسلام للمنطقة وشعوبها مرتبط بتحقيق السلام العادل والمنصف والموضوعي لإنهاء أطول صراع في تاريخ المنطقة، ومن هنا فإن خطة السلام الأمريكية والتي سوف يكشف النقاب عنها هذا الشهر قد تشكل مرحلة حاسمة لذلك الصراع في منطقة الشرق الأوسط.

فأي خطة للسلام تتجاهل الثوابت الفلسطينية والعربية فإن الفشل سوف يكون مصيرها لا محالة، حيث إن العرب في قمة بيروت قدموا مشروعهم للسلام من خلال المبادرة العربية والتي أقرتها قمة بيروت عام 2002 وهي إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية ومعالجة موضوع اللاجئين بطريقة عادلة ومنصفة.

ومن خلال بعض التسريبات فإن الخطة الأمريكية تعتمد على إجراء مبادلات بالأراضي وتوطين اللاجئين في أراضي مقتطعة من مصر والأردن وحتى العراق وإطلاق مشروع مارشال الشرق الأوسط للتنمية والأعمار وإدماج إسرائيل في المنطقة وقيام التعاون الاقتصادي بين شعوب المنطقة، ولعل الباعث الأساسي على استخدام الآلية المالية وتبادل الأراضي هو استغلال حالة الضعف العربي من ناحية وأيضا المصاعب الاقتصادية التي تواجهها بعض الدول العربية.

ومن هنا فإن خطة السلام تريد إيجاد واقع جديد يتجاوز الحلول التقليدية الأساسية والقفز على تلك الثوابت وإطلاق الشرق الأوسط الجديد والذي تحدث عنه شيمون بيريز الرئيس الإسرائيلي السابق ومن هنا فان تلك الخطة الأمريكية تم تسويقها خلال المرحلة الماضية باعتبارها حلا مبتكرا علي حد قول كوشنر ومن خلال تحالف اقتصادي ومن خلال تبرعات مالية يشترك فيها دول الاتحاد الأوروبي واليابان وعدد من دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة.

إذن خطة السلام الأمريكية لا تهدف إلى إقرار السلام الشامل والعادل وعلى ضوء قرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية ولكنها تخترق تلك المفاهيم لتوجد واقعا سياسيا واقتصاديا جديدا في منطقة الشرق الأوسط، ومن هنا فإن السؤال الأهم هنا كيف ستكون ردة الفعل الرسمية العربية أولا وشعوب المنطقة وعلى رأسهم الشعب الفلسطيني.

بين النجاح والفشل

الخطة الأمريكية للسلام تحتاج إلى قناعات عربية رسمية في المقام الأول وهذا الأمر سوف يصطدم بالرأي العام العربي في ظل تجدد مظاهر عدد من الثورات العربية في الجزائر والسودان، ومن هنا فإن أي نظام سياسي عربي سوف يأخذ في الاعتبار المتغيرات السياسية التي تحدث الآن في المنطقة العربية ومن الصعوبة بمكان أن يغامر بمستقبله السياسي في ظل ذلك الحراك والذي قد يشهد امتدادات جغرافية أوسع .

وفي تصوري ورغم الضغوط الأمريكية المتواصلة على دول أساسية في الصراع وارتباطها التاريخي الوثيق بالقضية الفلسطينية كالأردن ومصر تحديدا فإنه من الصعوبة القبول بأي خطة سلام لا تستجيب للحد الأدنى من طموحات الشعب الفلسطيني وهي المبادرة العربية ولعل الموقف الأردني كان حاسما خاصة وأن الولاية الهاشمية على الأماكن الإسلامية والمسيحية في القدس تعد خطا أحمر من الصعب التنازل أو المساومة حوله.

القمم العربية الأخيرة في السعودية وتونس ومن خلال بياناتها الرسمية أكدت على عروبة القدس وعلى الثوابت العربية للحل الشامل والعادل وهذا الطرح ينسجم مع تطلعات الشعوب العربية ومع ذلك فان خطة السلام الأمريكية سوف يتم الإعلان عنها وسوف تكون هناك نقاشات وحوارات واجتماعات سرية وعلنية لتسويق الخطة على أنها الأمل الأخير لإنهاء الصراع في المنطقة.

الإدارة الأمريكية الحالية هي منحازة للكيان الإسرائيلي بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ السياسة الخارجية لواشنطن كما ان الرئيس ترامب يرى بأن الوضع العربي الذي يشهد خلافات وحروب أهلية وأيضا انقساما فلسطينيا بين حركتي حماس وفتح يعطي الخطة نسبة نجاح موضوعية في ظل تلك الإغراءات الاقتصادية والمالية.

كما أن الإدارة الأمريكية تعول كثيرا على مسألة الدفع بالخطة إلى الأمام في ظل مناخ نسبي من الانفتاح العربي على إسرائيل، كما ان الضغوط الأمريكية في الفترة الماضية أصبحت كبيرة على النظام الرسمي العربي وهي مرتبطة بقضايا الأمن والاستقرار في المنطقة.

نسبة نجاح الخطة الأمريكية يظل محل شك وهذا يعود إلى الرفض الشعبي الفلسطيني والذي سيكون هو العامل الحاسم في مسألة نجاح أو فشل خطة السلام الأمريكية، وما زلنا نتذكر محادثات السلام الفلسطينية -الإسرائيلية من خلال الوساطة الأمريكية في كامب ديفيد وواي ريفر وغيرها من المحطات ورفض الرئيس الراحل ياسر عرفات تلك المخططات الأمريكية والتنازل عن الثوابت مقابل إغراءات مالية وتبادل للأراضي .

وأما التعنت الإسرائيلي وحديث نتانياهو عن نيته ضم المستوطنات في الضفة الغربية الى إسرائيل فانه من الصعب الحديث عن نوايا صادقة للسلام فأرض فلسطين التاريخية لم يبق منها سوى 22 في المائة، وبالتالي فإن المساومة على ما تبقى من أرض الرباط يبقى مجحفا وظالما ولا يعبر عن تطلعات الشعب الفلسطيني بالعيش بكرامة على أرضه من خلال دولته المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية.

العرب يريدون السلام ولا يتطلعون الى حروب جديدة والى منطقة تنعم بالسلام والتعاون بين شعوب المنطقة ومع ذلك فإن تشدد اليمين الإسرائيلي والتوجهات غير الحكيمة للسياسة الأمريكية تضع تلك الخطة الأمريكية محل شك كبير، فأي دولة عربية من الصعب ان تتخلى عن الثوابت العربية وسوف تكون على المحك أمام شعوبها في ظل الاحتقان الشعبي الذي تشهده المنطقة في أكثر من بلد عربي ومن هنا فإن المنطق السياسي وبصرف النظر عن الضغط الأمريكي يفرض على القيادات العربية الوقوف بحزم تجاه أي خطة سلام لا تستجيب لتلك الثوابت الفلسطينية والعربية وحتى لقرارات الشرعية الدولية سواء قرارات مجلس الأمن الدولي وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة وقرارات تخص قضايا حقوق الإنسان الفلسطيني الذي يرزح تحت الاحتلال منذ عام 1948 وهو آخر احتلال في التاريخ الإنساني.

السلام مصلحة إسرائيلية

إذا نظرت إسرائيل برؤية شاملة فإن إقرار السلام العادل والشامل في منطقة الشرق الأوسط هو مصلحة لشعوب المنطقة بما فيها إسرائيل لأن استمرار الصراع والاحتلال لن يعطي إسرائيل أي إمكانية للسلام في ظل ثبات وكفاح الشعب الفلسطيني وأجياله القادمة وعلى ضوء النوايا العربية الصادقة للسلام فإن من مصلحة إسرائيل الجنوح الى السلام العادل والمنصف من خلال المبادرة العربية والتي اتفق عليها العرب كما تمت الإشارة في قمة بيروت. الخطة الأمريكية للسلام لم يتم التعرف على تفاصيلها ولم تعلن بعد ومع ذلك فإنها لن تستجيب على الإطلاق للمشروع الوطني الفلسطيني وسوف يرفضها الشعب الفلسطيني وبقية الشعوب العربية، وعندها فان مستقبل المنطقة سوف يدخل في نفق مظلم وسوف تحرم المنطقة من فرصة حقيقية للسلام العادل والشامل والذي ينهي الصراع والذي تتضرر منه الجميع.

فإذا كانت النظرة الأمريكية لشرق أوسط جديد ومزدهر فإن الطريق الى ذلك يأتي من خلال السلام المنشود والعادل وفي هذا السلام أيضا مصلحة أمريكية ومصلحة للمجتمع الدولي وبدون ذلك السلام سوف تظل خطة السلام الأمريكية خطة مرفوضة وتطوى مع بقية المشاريع والخطط غير العادلة، ومن هنا فان المنطقة تحتاج إلي رؤية موضوعية والى إيمان حقيقي بالسلام العادل وليس الى تسويق خطط تختلط فيها حقوق الشعوب والأراضي المقدسي مع مشاريع اقتصادية وتبادل للأراضي ومستقبل مجهول لأكثر من 6 ملايين فلسطيني في الشتات.