الملف السياسي

الشراكة الصينية - الأوروبية متغير استراتيجي مهم

15 أبريل 2019
15 أبريل 2019

عوض بن سعيد باقوير  -

صحفي ومحلل سياسي  -

في ظل المتغيرات الجيو- سياسية التي يشهدها العالم في العلاقات الدولية وفي إطار الفلسفة الجديدة لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول ضرورة الدفع بشعار أمريكا أولا وفي ظل سياسات أمريكية تجارية باهظة الثمن تجاه دول الاتحاد الأوروبي والصين بدأت التساؤلات تدور حول آفاق الشراكة الاقتصادية تحديدا بين الطرفين على ضفتي قارة آسيا وأوروبا.

فالعملاق الآسيوي أصبح اكثر الاقتصاديات نموا وانفتاحا وتمددا في القارات الخمس خلال العقدين الأخيرين على الأقل، كما أن الاقتصاد الصيني يواصل النمو بشكل متواصل وإن كانت نسبة النمو تراجعت في السنوات الأخيرة عن حاجز 10 في المائة ومع ذلك لا يزال النمو وهو في حدود 7 في المائة جيدا وفي ظل تواجد اكبر احتياطيات أجنبية في العالم والتي تقترب من 3 تريليونات دولار، ولعل القارة الإفريقية هي أحد الأهداف الاستراتيجية للتجارة والاستثمار الصيني ومن هنا بدأت أوروبا تتحدث عن أهمية الشراكة التجارية مع الصين من خلال البيان المشترك الذي صدر عن الاجتماع بين الجانبين في بروكسل في التاسع من الشهر الجاري والتي جدد فيها الجانبان التزامهما المشترك بمواصلة تعزيز شراكتهما والدفاع عن التجارة الحرة والتعددية.

الاجتماع رقم 21

شهدت العلاقات الصينية مع دول الاتحاد الأوروبي نموا متصاعدا خلال العقدين الأخيرين حيث الاجتماع الأخير في عاصمة الاتحاد الأوروبي بروكسل هو الاجتماع رقم 21 للقادة في الصين برئاسة رئيس مجلس الدولة لي كه تشيانج ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر.

وللتدليل على أهمية الشراكة التجارية بين العملاق الصيني والقوه الاقتصادية الأوروبية الكبيرة فقد بلغت المبادلات التجارية خلال عام 2018 وفقا للإحصائيات الرسمية اكثر من 682 مليار دولار أمريكي وهو رقم كبير في إطار العلاقات التجارية بين بكين وبروكسل مما يعطي التعاون والشراكة التي عبر عنها البيان الأخير دفعة كبيرة لتواصل تلك الشراكة ورؤية أوروبية بأن أوروبا يمكنها الاستفادة من السوق الصيني الضخم وأيضا من خلال الاستثمار الصيني والذي يتدفق على القارات الخمس دون استثناء.

ومن هنا فإن الدوافع الحقيقية لتنامي الشراكة الصينية -الأوروبية في السنوات الأخيرة لها منطقها الموضوعي من خلال السلوك السلبي لإدارة الرئيس الأمريكي ترامب والدخول في حرب تجارية مفتوحة مع الكتلة الأوروبية وعملاق آسيا الصين وفي ظل المصالح التي تعد هي الإطار الأوسع للعلاقات الدولية فقد شعر الطرفان بان تعزيز تلك الشراكة يوجه رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة بأن الخيارات في إطار تنشيط الشراكات التجارية الدولية لا تزال ممكنة.

بعيدا عن الحرب التجارية

شكّل السلوك التجاري الأمريكي من خلال فرض الرسوم المتصاعدة على الصادرات الأوروبية والصينية مبعث قلق لأوروبا والصين ورغم أن حدة تلك الحرب قد خفت الى حد ما فإن المفاوضات التجارية بين واشنطن والصين لا تزال متعثرة رغم أن هناك مرونة خاصة من الجانب الصيني ومع ذلك فإن تهديدات ترامب التجارية لا تزال تتصاعد على ضفتي الأطلسي حيث هدد الرئيس ترامب بفرض رسوم تجارية إضافية على بعض السلع الأوروبية تبلغ عدة مليارات من الدولارات وفي ظل تعثر المفاوضات مع بكين فإن الأوروبيين والصين وجدوا أن الشراكة بينهما سوف تكون أحد الخيارات والتي تصب في صالح الكتلتين اقتصاديا وتجاريا واستثماريا.

الحرب التجارية التي اطلقها ترامب ضد دول الاتحاد الأوروبي والصين كانت لها نتائج سلبية وتوجهات جديدة ولعل التقارب والشراكة بين الصين ودول الاتحاد الأوروبي من اهم نتائجها كما أن دول أمريكا اللاتينية وعلى ضوء المشاكل السياسية بين فنزويلا والولايات المتحدة وأيضا موضوع الجدار على حدود المكسيك والذي يصر ترامب على بنائه لمنع الهجرة على حدود الولايات المتحدة الجنوبية قد تدفع بالكتلة اللاتينية إلى خيارات وشراكات بعيدا عن المواجهات مع واشنطن.

كما أن العلاقات بين الصين وروسيا تعززت في السنوات الأخيرة خاصة وان هناك تناغما أيديولوجيا وهناك مصالح كبيرة بين موسكو وبكين علاوة على أن العلاقات المتدهورة بين واشنطن وموسكو تدفع بروسيا الاتحادية الى إيجاد شراكات تجارية واستثمارية مع الصين وأيضا مع دول الاتحاد الأوروبي خاصة ألمانيا حيث يتدفق الغاز الروسي إلى برلين.

إذا الحرب التجارية التي دفع بها ترامب أوجدت مخاوف حقيقية في الصين وأوروبا مما دفع بالشراكة الاقتصادية بينهما إلى آفاق أكبر من خلال القمة الأخيرة في بروكسل.

التوجه الصيني

عند حدوث أي أزمة سياسية أو اقتصادية لابد أن تكون هناك خيارات للدول خاصة الجانب الاقتصادي والذي يعد الجانب الحساس لسياسات الدول للمحافظة على اقتصادياتها وبالتالي امنها الوطني ولعل الصين نموذج في هذا الإطار، فرغم أن الصين دولة نووية منذ عقود وعضو دائم في مجلس الأمن الدولي ولديها اقتصاد عملاق هو الثاني بعد الولايات المتحدة إلا أن هذه الدولة الآسيوية لا تتبنى الصدام والمواجهة في إطار علاقاتها الدولية.

فالصين تنتهج سياسة ذكية وتلعب بأوراقها وقوتها الناعمة بشكل صحيح، ومن هنا فإن التوجه الصيني يعد مقبولا في أوروبا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وحتى في المنطقة العربية ومن هنا فإن التقارب التجاري والاستثماري والشراكة المتواصلة يعد مفيدا للطرفين الأوروبي والصيني

فالجانب الأوروبي يواجه العملاق الأمريكي على الضفة الثانية من الأطلسي ورغم التحالف الأهم في العالم بين الجانبين حيث وجود الناتو والأمن المشترك إلا أن الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب أضعفت هذا الجانب كثيرا وتتحدث عن ضرورة دفع الجانب الأوروبي للأموال وزيادة الرسوم الباهظة على الصادرات الأوروبية الى الولايات المتحدة خاصة الصلب والتهديد بفرض رسوم على السيارات الألمانية تحديدا.

وعلى ضوء تلك المشكلات التجارية التي دفع بها ترامب بدا البحث عن الخيارات فالصين بالنسبة لأوروبا خيارا مناسبا.

صحيح هناك خلافات حول عدد من المسائل السياسية خاصة موضوعات تدور حول حقوق الإنسان وحرية التعبير والخلافات حول بعض الجزر في بحر الصين الجنوبي مع اليابان وكوريا الجنوبية ومع ذلك فإن الشراكة تعد الآن هي الأهم على ضوء المتغيرات التجارية التي تمت الإشارة إليها وعلى ضوء الحرب التجارية مع الولايات المتحدة والتي أن طبقت سوف يكون لها تأثيرات كبيرة على الاقتصاد الأوروبي وأيضا الصيني، ومن خلال الاجتماع الأخير في بروكسل بين الجانبين الصيني والأوروبي بدأت بكين في إعطاء الأوروبيين بعض المزايا والتي تحفز على تلك الشراكة وفي هذا الإطار قال رئيس مجلس الدولة لي إن بكين مستعدة للعمل مع أوروبا وان الصين في يونيو القادم ستواصل تقليص قائمتها السلبية للاستثمار الأجنبي وتبني مبدأ اعتبار المجالات غير المدرجة على القائمة مفتوحة كليا ومواصلة تحسين بيئة أعمالها مما يعني رسالة واضحة للأوروبيين حول فتح الاستثمار وتعزيزه للجانب الأوروبي كما قال لي خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء البلجيكي تشارلز مايكل إن الصين مستعدة لتوسيع الواردات البلجيكية من المنتجات ذات القيمة المضافة والتي تلبي متطلبات السوق الصينية.

كل هذه الرسائل التحفيزية الصينية سوف تشجع الشركات الأوروبية للبحث عن مزيد من الشراكات في مجال التجارة والاستثمار من خلال وجود سوق صيني هو الأكبر في العالم من خلال سكان الصين البالغ مليار و300 مليون نسمة ومن خلال وجود اقتصاد نشط وحركة كبيرة في مجال المشاريع والإنشاءات.

إذن هناك هبوب رياح تجاريه قوية من الشرق إلى الغرب وبالعكس على قول الآن باريل الاستاذ بجامعة كامبريدج لوكالة شينخوا الصينية الإخبارية.

اذن تلك الشراكة وتعزيزها وفي ظل تلك المبادلات التجارية الكبيرة وفي ظل المتغيرات الاقتصادية وسلوك الإدارة الأمريكية فإن الصين ودول الاتحاد الأوروبي يشكلان دفعة كبيرة للتعاون التجاري والاستثماري وإغراء الكتل الأخرى نحو تعزيز تلك الشراكات خاصة روسيا الاتحادية وبقية الكتل في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية حيث يسود القلق من توسيع الحرب التجارية التي يدفع بها ترامب ضد دول الاتحاد الأوروبي والصين وربما تكون تلك الشراكة هي الرد الموضوعي على تلك الحرب التجارية.