tunis
tunis
أعمدة

تواصل : الريشة فوق رؤوسنا !

09 أبريل 2019
09 أبريل 2019

تونس المحروقية -

hlaa202020 @ -

مشهد أول :

يسارع بكتابة منشور في حسابه بعد أن تسربت أخبار الفساد في مؤسسة بعينها يقول فيه: «خذوا المكاسب والمناصب لكن خلوا لي الوطن» التي يبدو أنه قد سمع كلماتها في أغنية فاستعان بها ليدلل على فكرة أن الأوطان أمانة وخدمتها بضمير واجبة ، يرد عليه آخر بمقولة لأحد القادة الملهمين تنص على «أن الفاسدين لن يبنوا أوطانهم، إنما هم يبنون ذاتهم ويفسدون أوطانهم» ويأتي ثالث ليعلق ويستعين بعبارة متداولة «الوطن يحتاج لمخلص وليس لمخ لص» ثم يتواصل الاستشهاد بالكثير من العبارات والشعارات لفلاسفة وأدباء وقادة وملهمين لدرجة تشعرك أن من يستشهد بمثل تلك المقولات في قمة النزاهة وأن الفساد لا يأتي إلا من تم كشف فسادهم ومن هم على شاكلتهم الوظيفية، حتى يرد عليهم أحد المستخدمين : الفساد ليس دائما في التحايل والسرقات بل قد يبدو في أبسط معانيه في انشغالك بوسائل التواصل الاجتماعي خلال ساعات الدوام الرسمي، وعدم قيامك بالمهام المنوطة بك ثم عندما تلام، تقول ساعات العمل لم تكفني لعمل المهام المطلوبة وأنا لن أعمل من المنزل، يختتم عبارته بمقولة لأحدهم «أولئك الذين يحاربون الفساد يجب عليهم تنظيف أنفسهم أولاً» ثم ينقطع بعدها تدفق الشعارات والمقولات لفترة قد تطول !!

مشهد ثانٍ :

يواصل البعض إلحاحهم بالسؤال عبر حساباتهم عن الموقف الحكومي الرسمي لما حدث من تسريب لأخبار الفساد المالي والإداري في مؤسسة محددة، ويلومون الحكومة على التقصير في الشفافية وكشف ذلك النوع من الفساد، يتحدثون بثقة أنه لولا وسائل التواصل الاجتماعي لما كان هناك من يعرف عن تلك القضايا ثم عندما تصدر الحكومة بيانها، يشكر البعض الشفافية في تأكيد خبر الفساد المتداول بينما يرى الآخرون أنهم يريدون شفافية أكبر في الإعلان عن مجريات تلك القضية وآلية حدوثها والمتهمين فيها وقد يطالب البعض بأن يسمح لوسائل الإعلام أن تنشر تطورات القضية وما ستصل إليه نتائج التحقيقات، بينما يعتبر البعض أن عدم فضح المتورطين في ذلك النوع من القضايا هو ما يسهم في تزايدهم لأنه بحسبهم «من أمن العقاب أساء الأدب».

مشهد ثالث

مستخدمون لوسائل التواصل الاجتماعي يقارنون في منشوراتهم بين ردات فعل المسؤولين في بلداننا العربية والغرب في التعامل مع كشف حالات الفساد، فبينما هناك في الغرب من يستقيل من رئاسة المؤسسة التي يكتشف فيها الفساد نجد أن رئيس الوحدة في الكثير من البلدان العربية يتعامل وكأنه لا علم له بالقضية ومصاب بالذهول مما حدث ويطالب هو بنفسه بإيقاع أشد العقوبة بالفاسدين في مؤسسته، هذا يحدث فقط عندما يتحول الموضوع للجهات القضائية، وكأنه ينفي عن نفسه صفة المسؤولية عن ما قاموا به في المؤسسة التي يرأسها ! يبدأ مستخدمون آخرون في التطرق للجانب الديني في موضوع المسؤولية ثم يناقش آخرون الجانب القانوني وتبعات المسؤولية، يتداخل معهم آخرون في لوم المؤسسات البرلمانية لتقصيرها في القيام بأدوارها في كشف الفساد وفق الصلاحيات الممنوحة لها.

واحدة من الأدوار التي قامت بها وسائل التواصل الاجتماعي هي منح مستخدميها القدرة على نشر ما يرونه من تقصير في أداء المهام دون قصد أو حتى ممارسة الفساد مع سبق الإصرار الذي قد يسمعون عنه من هنا أو هناك بمختلف جوانبه وأشكاله والمتهمين والمتورطين فيه، لذا فعندما يتسرب موضوع تقصير أو فساد في إحدى المؤسسات سرعان ما يفصح المستخدمون عن شخصية المحقق الخيالي«شارلوك هولمز» التي تسكن في دواخلهم، التي يعتقدون أنه قد حان الوقت لكي تظهر على الملأ ، ويبدأون في نشر ما يعرفونه من معلومات ثم مناقشة تلك المعلومات، ومحاولة إيجاد علاقة بينها ووضع المؤسسة التي اكتشف فيها الفساد، هم لا ينسون أن يضعوا بأنفسهم الأحكام التي يستحقها المتورطون حتى قبل أن يتأكدوا من حقيقة وجود فساد معين في مكان ما، هناك من يتأنى ويطلب من المتابعين أن يتمهلوا في تحليلاتهم ومناقشاتهم وأحكامهم لكي تقوم المؤسسات القضائية المعنية بأدوارها المنوطة وهناك من يرد أن مثل هذه الجرائم ينبغي أن تكون قضايا رأي عام وبالتالي لا ينبغي أن يكون الحديث عنها حكرا على المؤسسات المعنية بل أن للجمهور العام الحق في تعاطي معلوماتها، والإدلاء بآرائهم فيها لأنهم هم المتضررون من الفساد الذي مورس عليهم من قبل أولئك الفاسدين، آخرون يرون أننا كلنا فاسدون بشكل أو بآخر وأن الفساد الظاهر الذي يحدث في المؤسسات العامة هو نتاج لشعور الفاسد بأنه لا يوجد رقيب على المال العام.

في غمرة كل تلك النقاشات والتفاعلات بين المستخدمين يظهر وسم مخصص عن الفساد الذي تم اكتشافه، تتصفحه وتغوص في المنشورات به وقد تخرج بقناعات كثيرة منها أحيانا أن أعيننا قد تكون زرقاء اليمامة عندما يتعلق الأمر بفساد الآخرين بينما قد تكون الريشة فوق رؤوسنا نحن ولا نراها !!.