الملف السياسي

ورقة ترامب الناجحة في 2020

01 أبريل 2019
01 أبريل 2019

مروى محمد إبراهيم -

«ترامب بريء»..« تقرير مولر لن يوجه المزيد من الاتهامات لمعاوني ترامب»..«ترامب سعيد بنتائج تحقيق مولر».. و«تمخض الجبل فولد فأرا ميتا»..

لم تكن هذه سوى بعض عناوين الأخبار والأنباء العاجلة التي تصدرت الصحف والمواقع الإخبارية بمجرد إعلان روبرت مولر رئيس لجنة التحقيق الخاصة حول التواطؤ الروسي المحتمل في الانتخابات الرئاسية لعام 2016، التي أسفرت عن صعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

وعلى الرغم من أن كل المؤشرات على مدار العامين الماضيين كانت تمهد لإدانة لجنة مولر للرئيس الأمريكي، إلا أن النتائج، أو على الأقل المعلن منها، جاءت عكس كل التوقعات. وبدلا من أن يأتي التقرير كصفعة تهدد بإسقاط ترامب، تحول إلى نقطة قوة لدعم ترامب في حملته الانتخابية المبكرة لمعركة الانتخابات الرئاسية في 2020.

في البداية، لابد من الإشارة إلى الأسباب التي أدت إلى تشكيل لجنة التحقيق الخاصة، والشبهات والمخاوف التي دفعت وزارة العدل الأمريكية إلى فتح مثل هذا التحقيق الذي اعتبره الكثيرون تشكيكا في نتائج الانتخابات الرئاسية السابقة.

بدأ عمل لجنة مولر في مايو 2017 لجمع المعلومات والتحري حول تدخل الحكومة الروسية المحتمل في الانتخابات الرئاسية 2016. ووفقا لوثيقة التفويض التي وقعها نائب المدعي العام آنذاك رود روزنستاين في 17 مايو 2017، شمل نطاق التحقيق الادعاء بوجود روابط أو تنسيق بين حملة دونالد ترامب الرئاسية والحكومة الروسية وكذلك «أي أمور قد تنشأ مباشرة من التحقيق»، بمعنى أن أي انتهاكات من قبل حملة ترامب الانتخابية للقوانين المنظمة للانتخابات يتم التحقيق فيها أيضا ضمن نطاق التحقيق، وسط الاشتباه في عرقلة محتملة للعدالة من قبل ترامب وآخرين.

بدأ عمل لجنة التحقيق التي رأسها روبرت مولر، الجمهوري والمدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي (إف.بي.آي)، بعد ثمانية أيام فقط من إقالة ترامب لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي، الذي كان يقود تحقيقات «إف.بي. آي» منذ يوليو 2016 حول الروابط بين شركاء ترامب والمسؤولين الروس. بعد إقالة كومي، دعا أكثر من 130 من النواب الديمقراطيين في الكونجرس إلى تعيين محقق خاص، في حين بدأ مكتب التحقيقات الفيدرالي في التحقيق في اتهامات محتملة بعرقلة العدالة ضد ترامب.

وأسفر التحقيق الذي أجرته لجنة مولر على مدار قرابة العامين، حيث انتهى في مارس 2019، عن عشرات من لوائح الاتهام في الجرائم الفيدرالية. وما لا يقل عن ثمانية من التهم أو الإدانات. ففي أغسطس 2018، تم إدانة بول مانافورت رئيس حملة ترامب السابق في ثماني اتهامات جنائية، من بينها ارتكاب جرائم مالية في محكمة المنطقة الشرقية من ولاية فرجينيا، وبعد شهر واحد أقر بأنه مذنب في التآمر للاحتيال على الولايات المتحدة وعرقلة العدالة في صفقة تعهد خلالها بالتعاون الكامل مع الادعاء العام. كما أدى التحقيق أيضًا إلى اعتراف مستشار الأمن القومي السابق في إدارة ترامب مايكل فلين بأنه مذنب، وبأنه أدلى بتصريحات كاذبة لمكتب التحقيقات الفيدرالي، وكجزء من صفقة الإقرار بالذنب في ديسمبر 2017، يتعين عليه أن يكون شاهدًا متعاونا في التحقيقات. وفي يوليو 2018، تم توجيه الاتهام إلى 12 عضوًا من مجموعة التجسس الإلكتروني الروسية المعروفة باسم «فانسي بير»، المسؤولة عن اختراق البريد الإلكتروني للجنة العامة للحزب الديمقراطي عام 2016. كما تم توجيه اتهامات بانتهاك قواعد التحقيق وارتكاب جرائم مالية لمايكل كوهين المحامي السابق لترامب، ووجهت اللجنة سبعة اتهامات لروجر ستون المستشار السابق للرئيس الأمريكي. وعلى الرغم من أن اللجنة تتمتع بدعم كبير من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، إلا أنها تعرضت لانتقادات من قبل ترامب ومؤيديه. فقد انتقد ترامب الأشخاص أو الجماعات المرتبطة بالتحقيق أكثر من 1000 مرة.

وتعرض روبرت مولر رئيس اللجنة لمحاولات لتشويه سمعته، وادعاءات بأنه كانت له علاقات مشينة بسيدات، إلا أن مولر سارع بمطالبة مكتب التحقيقات الفيدرالي بالتحقيق في هذه الادعاءات فورا. أما ترامب وأنصاره فقد انتقدوا تكلفة التحقيق. ففي ديسمبر 2018، كشفت الأرقام الرسمية عن أن تكلفة التحقيق بلغت حوالي 25 مليون دولار، بينما حصدت اللجنة حوالي 48 مليون دولار من خلال مصادرة الأصول.

وعلى الرغم من أن تقرير اللجنة كشف عن محاولات وخطط روسية للتلاعب والتدخل في الانتخابات الأمريكية، إلا أنه لم يثبت أن أعضاء حملة ترامب تآمروا أو قاموا بالتنسيق مع الحكومة الروسية في الانتخابات. وفيما يتعلق بمسألة عرقلة العدالة، كشف التقرير عن أن مولر لم يتمكن من إدانة الرئيس الأمريكي، وقال مولر إنه «في حين أن هذا التقرير لا يستنتج أن الرئيس ارتكب جريمة، إلا أنه لا يبرئه». في خضم الفوضى والتلاسن والشبهات وحالة الجدل التي خلقتها لجنة مولر على مدار عامين، إلا أن نتائجها لم ترق إلى توقعات الجماهير وخاصة الديمقراطيين. فقد توقع الجميع جبلا من الإدانات لترامب وفريقه. وعبر الكثيرون عن إحباطهم الشديد من نتائج التقرير. وهو ما دفع قادة الديمقراطيين في الكونجرس للمطالبة بالاطلاع على التقرير كاملا، معربين عن تشككهم فيما إذا كان ويليام بار المدعي العام الأمريكي قد أخفى أجزاء من التقرير تدين الرئيس الأمريكي.

ولكن القانون الأمريكي لا يسمح بالكشف عن التقرير إلا بناء على قرار من المدعي العام. ولا يزال الجدل مستمرا حول ما إذا كان يجب الكشف عن تفاصيل التقرير أم لا.

وعلى الرغم من كل هذا الجدل والغموض، إلا أن هذا التقرير سينعكس بشكل مباشر على الانتخابات الأمريكية المقبلة في 2020، فهناك الكثير الذي سيغيره مثل هذا التقرير.

مبدئيا، التقرير يوفر كتالوج متكامل للوسائل التي انتجتها روسيا للتلاعب بالانتخابات وتوجيه الرأي العام الأمريكي. كما أنه نجح في وضع حجر الأساس لترويض السوشيال ميديا، ذلك الوحش الذي يصعب السيطرة عليه. ولكن ما كشفت عنه اللجنة فتح أعين الملايين حول العالم إلى مخاطر مواقع التواصل الاجتماعي، وكيف يقعون فريسة لتجسسها وتلاعباتها ببياناتهم، وأنه لابد من اتخاذ إجراء حاسم لردع هذا العدو الكامن في بيوتنا، والذي أدمنا وجوده رغم مخاطره. وبالتالي لن تتمكن أي جهة من استخدام مواقع التواصل كسلاح لتحقيق أغراضها غير المشروعة، فسلسلة القوانين المرتقبة لتنظيم عمل السوشيال ميديا ستجعل الانتخابات المقبلة آمنة من مثل هذه التلاعبات.

أما التأثير الأكبر لهذا التقرير فسيصب في صالح ترامب، فبدلا من أن يضع التقرير نهاية لحقبة ترامب يبدو أنه سيفتح له باب أمل جديد للفوز بفترة رئاسة جديدة. فلم ينجح التقرير في توجيه اتهامات تهز عرش ترامب، وبالتالي فإنه سيستغل ها التقرير في إثبات نظرية «مطاردة الساحرات»، كما اعتاد أن يصف لجنة مولر، وأن كل الاتهامات التي توجه إليه ما هي إلا ضغائن ومؤامرات مغرضة تهدف إلى تشويه سمعته والإساءة إليه من دون وجه حق. وهذا يعني أن ترامب بما يتمتع به من مواصفات الإعلامي ونجم تلفزيون واقع متمرس سيتمكن من استخدام هذا التقرير كورقة رابحة في الانتخابات المقبلة.

وبغض النظر عن الكشف عن تفاصيل التقرير من عدمه، فالواقع يؤكد أن ترامب ينجح في الخروج من كل مأزق منتصرا وأكثر قوة. ويبدو أن تقرير مولر سيدشن بداية ناجحة لحملة ترامب الانتخابية في 2020.