صحافة

الاستقلال : رسالة صاروخ تل أبيب: حياة غزة أو موت تل أبيب

29 مارس 2019
29 مارس 2019

في زاوية أقلام وآراء كتب الدكتور وليد القططي مقالا بعنوان: رسالة صاروخ تل أبيب: حياة غزة أو موت تل أبيب، جاء فيه:

صاروخ غزة الأخير، والصاروخان اللذان سبقاه بأيام على تل أبيب، ليست مجرد صواريخ أحدثت أضراراً مادية وبشرية في صفوف العدو، كما أنها ليست الصواريخ الأولى التي تسقط على تل أبيب، ولكنها افتتحت مرحلة جديدة من النضال الوطني الفلسطيني، والصراع بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني، مرحلة ترسم ملامحها وتحدد قواعدها المقاومة، مرحلة تُصبح فيها المستوطنة الإسرائيلية الكُبرى المسماة تل أبيب كمستوطنات غلاف غزة من حيث استباحة صواريخ المقاومة لها، وسيأتي اليوم الذي تصبح فيه حتماً كمستوطنات قطاع غزة من حيث إزالتها وهجرة المستوطنين منها، وحتى ذلك الوقت القادم يقيناً من المفيد استخلاص بعض دلالات ورسائل صاروخ تل أبيب.

صاروخ تل أبيب أجهز على ما تبقى من قوة الردع للجيش الإسرائيلي تجاه المقاومة، وأصاب منظومة الردع للكيان الصهيوني في مقتل، وضرب كافة مراحل الردع لنظرية الأمن الإسرائيلية. ابتداءً من عدم قدرة الكيان على ردع المقاومة من إطلاق الصاروخ خوفاً من ردة الفعل الإسرائيلية التدميرية، وهذا يُشير إلى فشل آليات الردع الإسرائيلية السابقة كعقيدة الضاحية التدميرية الشاملة، ومفهوم كي الوعي الفلسطيني القائم على إقناع الشعب والمقاومين بعبثية الصواريخ والمقاومة، أو ارتفاع تكلفة إطلاق الصواريخ بحيث تصبح غير مجدية، وكذلك ضمن مراحل الردع فشل المنظومة الاستخبارية في التنبؤ بإطلاقه، وفشل القبة الحديدية في إسقاطه كما فشلت مع الصاروخين من قبله، وتآكل قوة الردع الإسرائيلية أمام المقاومة الفلسطينية أصبح محط إجماع للساسة والخبراء والإعلاميين الإسرائيليين.

صاروخ تل أبيب عمّق المأزق الوجودي الإسرائيلي، المرتبط بدوره بمأزقه الأمني الدائم كما عبّر عنه دافيد بن جوريون «إن جوهر مشكلتنا الأمنية هو وجودنا بالذات» فضرب تل أبيب قلب الكيان الاقتصادي، ومركز ثقله السكاني ومنتصف عمقه الاستراتيجي... وفقدان مستوطنيها الإحساس بالأمن هو ضرب لجوهر المشروع اليهودي، ذلك بأن المشروع اليهودي وكيانه الإسرائيلي قائمان على أساس الأمن الذي تستطيع دولة (إسرائيل) توفيره لليهود، وبالتالي الهجرة إليها والاستيطان فيها، فإذا ما ضُربَ الأمن الشخصي الفردي والجماعي (القومي)، فإن مشروع الهجرة سيُضرب بدوره ومعه الاستيطان بالطبع، هذا الحُلم الشخصي أو (القومي) ليهود العالم المؤمنين بالصهيونية سيتآكل بتآكل نظرية الردع الإسرائيلية، وسيؤدي ذلك تدريجياً إلى وقف الهجرة القادمة، بل وتزايد الهجرة العكسية نحو أوروبا وأمريكا الأكثر أمناً واستقراراً.

والإضافة الجديدة لصاروخ تل أبيب بعد الدلالات السابقة، هي رسالته السياسية القادمة معه من غزة إلى قادة تل أبيب، وفحواها واضح يمكن اختصاره بـ (إما حياة غزة أو موت تل أبيب)، بمعنى إما أن تعيش غزة بكرامة، فيتم رفع الحصار والعقوبات عنها، وترك أهلها يعيشون حياة طبيعية، أو تعطيل الحياة الطبيعية لمستوطني تل أبيب، من خلال جعل مصيرها كمصير مستوطنات غلاف غزة، بأن تكون في مرمى الصواريخ الفلسطينية بطريقة مُكررة، بحيث تصبح مدينة ميتة اقتصادياً وفي مختلف مجالات الحياة الأخرى، وبذلك تتعطل الحياة في عمق الكيان وثقله السكاني والاقتصادي، في تل أبيب وكل تجمع (قوش دان) الذي يشكل ما يقرب من نصف مستوطني الكيان وهذه المرحلة في كل الأحوال ستكون محطة متقدمة من إدارة الصراع مع العدو على طريق التحرير والعودة والاستقلال.

وطريق الكفاح الوطني والمقاومة على طريق التحرير والعودة والاستقلال، هي قدر وخيار غزة ومقاومتها، وقدر وخيار الضفة بأهلها الرافضين لنهج أوسلو ومقاوميها الخارجين عن طوق التنسيق الأمني، ومعهما كل الشعب الفلسطيني، ومن خلفه أحرار الأمة العربية والإسلامية وكل أحرار العالم... غزة التي تخوض معركة كرامة متواصلة، وملحمة بطولة مستمرة، وموقعة عزة دائمة... أصبحت نداً عنيداً وضداً صلباً للكيان الإسرائيلي المأزوم وجيشه المهزوم، بكل غطرسته المجروحة المذلولة، وعنجهيته المكلومة المُهانة، فالمقاومة بشعبها الصامد المقاوم الذي يحتضنها ويحمي ظهرها، وبما لديها من إرادة صلبة للصمود والثبوت، وتصميم قوي للنزال والقتال، تمتلك القدرة على تحقيق الظفر وانتزاع النصر، وما صاروخ تل أبيب عنّا ببعيد.