1174519
1174519
المنوعات

مشكــلة الثقافة العــربية ليست في الإبداع ولكــن في القـراءة

27 مارس 2019
27 مارس 2019

أدونيس في جلسة حوارية خلت من المفاجآت ببيت الزبير:-

أكره الرواية لأن الزمن فيها رخو.. ونازك الملائكة بلا مشروع ثقافي -

كتب ـ عاصم الشيدي -

لم يفاجئ أدونيس حضورَ جلسته الحوارية مساء أمس، كان هو أدونيس الذي يعرفه قرّاؤه ومتابعوه.. صراحته، مواقفه التي يعرفها الجميع، وقدرته على جعلك تحترمه وتحترم تلك المواقف وإن كنت تختلف معها تماما. كان كعادته معجبا بالمتنبي وبأبي نواس ونزار قباني وأن مشكلة العرب تكمن في ثقافتهم ورؤيتهم لها. ولم ير في محمد عابد الجابري مفكرا، بل هو «مجرد فقيه»، وغير الأشخاص فهو لا يحب الرواية لأن الزمن فيها رخو كما يقول.

كان أدونيس يتحدث مساء أمس في جلسة حوارية نظمها بيت الزبير وسط حضور ثقافي كبير متحفز للنقاش والمساءلة.

بدأ أدونيس جلسته الحوارية التي أدارها سليمان المعمري بقراءات شعرية فبدأ يقول: «ولست أعرف هل من أمسنا نحتت

أم أنها نحتت من شهوتي وغدي

تراني الجرح محمولا

على طبق

من الرؤى أم تراني لست من أحد».

وبعد الشعر كان الحديث قد بدأ من الطفولة والحنين لها، وقدرة أدونيس أن يعيشها حتى اليوم. يقول في مستهل حواره: ولدت في قرية فقيرة جدا تكاد لا تُرى على الخارطة ولم أدخل المدرسة حتى وصل عمري الثالثة عشرة، كنت أزرع وأحصد الزيتون، والتين، ولذلك لم أعرف الطفولة التي يعرفها أطفال اليوم، لكن الآن أنا في مرحلة اكتشاف طفولتي وهذا ما يعطيني بعض الحيوية والفتوة.

وحول هاجس التجديد الذي يؤرقه قال: ربما هذا هو أثر الطفولة، فأنا لا أستطيع أن أقيم طويلا في إطار واحد، تجدني دائما مأخوذا بالحركة والتقدم، لم أعرف أبدا الاستقرار حتى في حياتي، عشت دائما حياة اغتراب واستذكر هنا قول المتنبي «على قلق كأن الريح تحتي».

وحول ما يقال من أنه يعيش حالة حرق للمراحل منذ بداية مسيرته الشعرية فقد كتب القصيدة العمودية والقصيدة الحرة قبل أن يكتب قصيدة النثر قال أدونيس:لا تعجبني هذه الكلمة، بالعكس، ليس هناك حرق للمراحل، بل هناك نفور من البقاء على وتيرة واحدة، وأنا أقول دائما ان الإنسان كائن خلّاق، وسر عظمته إنه لا يجيء من الماضي بقدر ما يجيء من المستقبل، والمستقبل انفتاح وتحولات.

وقال أدونيس إن القارئ خلّاق آخر، بمعنى مبدع، مشيرا أن مشكلة الثقافة العربية ليست مشكلة مبدعين فهم كثر، ولكن مشكلتها مشكلة قراءة، فالعرب لا يقرأون اجمالا وإذا قرأوا لا يقرأون النصوص ولكن يقرأون الأشخاص وانتماءاتهم وأيديولوجياتهم.

وأكد أدونيس انه لا يهتم بالقارئ الجاهز، ولكن بالقارئ الذي يتحداه، والذي يقول لي: أنت مخطئ، أريد قارئا في مستواي.

وعندما سأل سليمان المعمري أدونيس عن المتنبي قال إنه شاعر عظيم، وكان عنده مشروع وهو من بين القلة الذين لديهم مشروع، وقد جعل الشعر أساس المعرفة، وأساس العلاقات بين البشر. لكنه عاد وقال إن لكل عظيم هفوات في إشارة إلى أبيات شعرية ذكرها سليمان المعمري من مثل «لا تشتري العبد إلا والعصا معه»، لكنه قال إن مثل هذه النماذج لا يمكن التركيز عليها، ولا يمكن اختزال تاريخ كبير في نماذج صغيرة.

وتحدث أدونيس عن «الكتاب» وسبب تسميته وكيف أنه بقي عاما كاملا يبحث في الشكل الذي سيخرجه به.

فقال إن الكتاب مكون من ثلاثة أجزاء، وهو مشروع رحلة في التاريخ الإسلامي العربي، لكن في قلب التاريخ وليس كما فعل المعري أو دانتي عندما صعدا إلى السماء.

كنت أشاهد فيلما لمخرج سويدي، كان المشهد أمامي يظهر عزفا موسيقيا ولوحة تشكيلية، وراو، وامرأة جميلة، كانت هناك عدة مشاهد في مشهد واحد، تلك الصورة أوحت لي الشكل الذي عليّ أن أخرج به كتابي «الكتاب» ولذلك كل صفحة من الكتاب فيها ثلاث صفحات تقريبا، أو ثلاثة نصوص تتحرك في وقت واحد.

أما حول سبب تسميته بالكتاب، فمفهوم الكتاب في اللغة مفهوم شرقي كما يقول أدونيس، لأنه قام على أساس أن يكتب الإنسان كتابا يتحدث عن أفكار كثيرة، يتحدث عن الله، والوجود، والمصير، بمعنى آخر كتاب جامع. وسيبويه لديه كتاب بهذا الاسم أيضا.

وعن سبب عدم حبه للسرد قال أدونيس لا أحب السرد، لا أحبه لأني لا أحب الزمن الرخو المتوزع، أشعر معه أنني أريد أن أنفجر.. عدم حبي للرواية ليس كرها في الرواية في حد ذاتها ولكن لكرهي للزمن الرخو فقط!

وفي رده على سؤال لماذا هو متمسك بلغته الأم فيما كان يمكنه أن يكتب باللغة الفرنسية التي هي لغة ثقافته قال أدونيس:منذ طفولتي نشأت في جو شعري، رباني أبي على حب الشعر العربي واللغة العربية ولغة القرآن، واللغة العربية لغة عظيمة وأحبها لهذا السبب، فهي لغة الحب ولغة البكاء لدي ولا أعرف شاعرا في العالم كتب شعرا بلغتين وكان ناجحا.

لكن أدونيس قال إنه حاول كتابة شعرا باللغة الفرنسية وكان يعطيها لشاعر فرنسي لمراجعتها رغم أنه يتبنى قول الجاحظ «إذا ترجمت الشعر هدمته» وأن هذه الفكرة لا تتعارض من وجهة نظره مع أن الترجمة ركن من أركان مستقبل الثقافة.

وعن نقده لمجلة شعر قال أدونيس: كان الخلاف بيننا حول علاقة المجلة بالتراث العربي، وعلاقته بالشعر العالمي، ولكنه كان مجرد خلاف فكري.. يضيف أدونيس: كان موقفي ينطلق من أننا لا نستطيع أن نبتكر جمالا جديدا بلغة تجهل تاريخها الجمالي، وأن الشاعر الذي يحلم بإبداع جماله عليه أن يتقن لغته اتقانا كبيرا. أعتقد، والحديث لأدونيس، لا نستطيع خلق شعر حديث إلا داخل ثقافة حديثة، ولذلك شددت على أن مشكلة الشعر العربي ليست في الشعر العربي ذاته وإنما في الثقافة، في المدرسة في الجامعة.. الشاعر لا يمكن أن ينضج ويتقدم في ثقافة لا تنهض بمستوى الشعر.

وفند أدونيس ما يقال عن أن الشاعر العربي متأثر بالشعر العالمي وقال: هذا تأثر بالكلمات والجمل، أما التأثير بالعوالم والتجارب الإنسانية فهذا ليس موجودا وأضاف: أتمنى لو كان هناك تأثير حقيقي.

كما تحدث أدونيس عن أسباب توقف مجلة مواقف التي لم تستطع أن تجد من يكتب لها عن وضع المرأة القانوني والحقوقي في القرآن الكريم!!

وحول عدم حبه لشعر نازك الملائكة قال أدونيس الشاعر الحقيقي يجب أن يكون لديه مشروع، وهذا غير موجود عند الملائكة. ثم إن أغلب الذين كتبوا في شعر الحب من شعراء الحب كتبوا عن الحب في المطلق وليس عن تجاربهم هم في الحب، لا أحد من الشعراء العرب لديه تجربة عن المدينة عن الموت!!

ونازك الملائكة لم تقدم مشروعا، وليست لديها رؤية واضحة بل هي استمرار للتيار الرومنطيقي خصوصا الرومنطيقية الانجليزية، والحديث لأدونيس، مضيفا: لم تقدم لنا علاقة الرجل بالمرأة أو على الأقل كما فعل نزار قباني الذي خلق لغة شعرية خاصة به، هو كان لديه مشروع حقيقي في ذلك. لكن أدونيس تحدث بحب عن بدر شاكر السياب.

وانتقد أدونيس المفكر محمد عابد الجابري واعتبره مجرد فقيه ولم يقدم أي جديد في ذلك أما المفكر الوحيد الذي كان لديه رؤية مختلفة فكان محمد أركون الذي قال ان علينا دراسة النص الديني بوصفه نصا تاريخيا رغم أن مثل هذه الفكرة كانت قد طرحت منذ العصر العباسي.

وناقش الحضور أدونيس في الكثير من القضايا التي تخص الشعر العربي ومواقفه الفكرية وكان واضحا ومتقبلا للاختلاف.