adel
adel
أعمدة

منتجـعـات الانتحـار

27 مارس 2019
27 مارس 2019

عادل محمود -

الإرشاد الزراعي في إحدى قرى الهند نصح المزارعين بأنواع معينة من البذور والحبوب المعدّلة جينياً. وذلك بتسهيل الحصول على قروض من البنوك، والفلاح يميل إلى الاستعانة بالقرض الذي يعني مالاً سائلاً، ومؤجل ومقسط الدفع. ولم يعلم،بعد، بتلك المزحة الثقيلة «أصل الإنسان ليس «قرد» بل «قرض».

تبين أن صفقة بين البنوك وبائعي البذور والإرشاد الضال... كان لتسويق سلعة فاسدة.

وهكذا حصد الفلاحون جميعا مواسم لا تكفي للخبز، ولكن المفاجأة الأكبر أن البنوك لا تنتظر طويلا لكي تحصل قروضها... فتصادر ـ وفق القانون ـ الأراضي، ويصبح الفلاحون مجرد أجراء وعمال زراعيين.

وجد الفلاحون أنفسهم في خط الجوع، على امتداد النهر الذي كان مانعاً لعطش المزروعات، فأصبح مكاناً لانتحار المنكوبين، الذين وقعوا،أيضاً، وبسبب اليأس الذي لا يأس بعده، فريسة لإدمان الخمر والمخدرات، التي أيضاً يبيعها البائعون بالدين، ثم يبيع الفلاح ما تبقى من الحاجات المنزلية... حتى يصبح عارياً على ضفة النهر... فينتحر.

درامياً القصة تصل إلى ذروتين: الأولى أن الانتحار يتم عند آخر زجاجة نبيذ استطاع ويستطيع الفقير شراءها، أو يسدد ثمنها. فتبدأ سيرة الحياة تتلعثم على الشفاه المرتجفة، ويكتمل التنازل عنها، على ضفة النهر، ببضع كلمات وداع. وفي تلك اللحظات الأخيرة يتابع مشهد الجثث الطافية والجارية، من مناطق أخرى في الأعالي، جثث السابقين في الانتحار... يتفرج الفلاح على زملاء جثته اللاحقة، وهو مشهد أخير موجع.

واللحظة الدرامية الثانية هي تجمع الفلاحين عند نقطة عبور ضيقة إجبارية لمياه النهر، أطلقوا عليها، هذا الاسم الجليل الساخر «منتجعات الانتحار».

في هذه النقطة يراقب الهندي الجثث المارة لكي يتعرف على أحد المنتحرين من أهله... أخ. أب. ابن. بنت، سبق اختفاؤهم فجأة فيذهبون لمراقبة النهر عند منتجعات الانتحار، ينتظرون أداة إثبات الموت، وسيلة إيضاحه القصوى... الجثة، كي يذهبوا إلى يأسهم واحدا واحدا في طابور انعدام الأمل.

ـ 2 ـ

عالم البيئة «الأسترالي» ديفيد غوال... أنهى حياته في «سويسرا» التي تسمح بالموت الرحيم.

قال قبل حقنه بالحقنة القاتلة «لم أعد أرغب بالعيش كنت أود أن أنهي حياتي في بلدي، ولكن للأسف: أستراليا لا تسمح بالموت الرحيم».

إحدى الجمعيات السويسرية أطلقت حملة تمويل على الأنترنت من أجل تمكين ديفيد من الرحلة إلى موته في الدرجة الأولى في الطائرة.

المنتحرون ارستقراطيو الموت. ولكن ليس في منتجعات الانتحار على ضفة نهر في الهند.