أفكار وآراء

ما الذي يحدث في غزة؟

27 مارس 2019
27 مارس 2019

ماجد كيالي -

ربما لم تتعرّض أي منطقة في فلسطين لما تعرضت له مدينة غزة، وهي قد تواجه في الأيام المقبلة، استعدادات عسكرية إسرائيلية لشنّ حرب رابعة أو خامسة عليها، بعد أن كانت تعرضت لثلاث حروب عدوانية مدمرة (2008، 2012، 2014)، في ستة أعوام، هذا عدا الحرب التي شنّت عليها بعد اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليت (25/‏ 6/‏ 2006)، وقضى ضحيتها، في حينه، 500 من الفلسطينيين، ضمنهم 184 في شهر يوليو لوحده، وكل ذلك مقابل جندي واحد، إضافة إلى أن قطاع غزة يتعرض لحصار جائر ومشدّد، منذ عام 2007، أي منذ 12 عاما.

وللعلم، فإن الحديث يدور عن بقعة ضيقة مساحتها 360 كلم2، يعيش فيها مليونان من الفلسطينيين، أكثر من نصفهم من اللاجئين (1948)، وهي منطقة فقيرة في الموارد، وتعتمد في بناها التحتية ومواردها من المياه والكهرباء والغاز والمحروقات والمواد الصيدلانية ومواد البناء والسلع الأساسية على إسرائيل، ويعاني سكان غزة من ارتفاع نسبة الفقر، بسب ارتفاع نسبة البطالة وندرة فرص العمل والاستثمار، في مجتمع ثلثاه من الشباب.

وللتذكير ففي الحرب الأولى (27/‏ 12/‏ 2008 - 19/‏ 1/‏ 2009)، وهي استمرت 23 يوما، فقد أدت عملية «الرصاص المصبوب»، إلى مصرع أكثر من 1436 فلسطينيًا بينهم نحو 410 أطفال و104 نساء ونحو 100 مسن، وإصابة أكثر من 5400 آخرين، نصفهم من الأطفال، مع خسائر اقتصادية تقدر بـ1.9 مليار دولار، وخسائر في البني التحتية تقدر بـ1.2 مليار دولار، وأربعة آلاف مسكن تم تدميرهم بشكل كامل، و17 ألف مسكن تم تدميرها بشكل جزئي، إذ كانت إسرائيل ألقت 1.5 مليون طن من المتفجرات في 1500 غارة، وفي مقابل كل ذلك اعترفت إسرائيل بمصرع 13 إسرائيليا بينهم 10 جنود وإصابة 300 آخرين.

أما الحرب الثانية (14/‏ 11ـ 21/‏ 11/‏ 2012)، التي استمرت ثمانية أيام، فقد ذهب ضحيتها 155 من الفلسطينيين ومئات الجرحى الضحايا مقابل خمسة إسرائيليين بينهم جندي.

في الحرب الثالثة، والتي استمرت 50 يوما (8/‏ 7ـ 29/‏ 8/‏ 2018)، فقد نجم عنها، بحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، مصرع 2174 من الفلسطينيين 81 بالمائة منهم من المدنيين، في مقابل مقتل 70 إسرائيليا، منهم 64 جنديا، في المحصلة لدينا أكثر من أربعة آلاف شهيد من الفلسطينيين، وعشرات ألوف الجرحى، بينهم ألوف المعوقين، ناهيك عن دمار هائل لبيوت وممتلكات شخصية وعامة، في مقابل مصرع 86 إسرائيليا.

ويتبين من كل ذلك أن عدد القتلى الإسرائيليين بنتيجة الصواريخ، في الحروب المذكورة كان بضعة أفراد فقط، مقابل ألوف الفلسطينيين الذين قضوا بصواريخ إسرائيل، وحتى إبان الانتفاضة الثانية (2000ـ2005) فقد لقي سبعة إسرائيليين مصرعهم بالقصف الصاروخي خلال السنوات الخمس المذكورة». («هآرتس»23/‏ 8/‏ 2005).

عموما فإن الغرض من هذا العرض لفت الانتباه إلى عديد من الملاحظات، أهمها:

أولأ: إن إسرائيل تعتبر نفسها في حالة حرب دائمة مع الفلسطينيين، بهذا الشكل أو ذاك، بهذا المستوى أو ذاك، بالوسائل السياسية والاقتصادية والأمنية والإدارية، أي بالوسائل الناعمة أو بوسائل القوة العسكرية.

ثانيا: إن إسرائيل مستعدة بشكل دائم لشن حرب على قطاع غزة، ولذلك فهي تضعه تحت تهديد دائم، ناهيك أنها تقوم بين فترة وأخرى بشن غارات بالطائرات أو بالصواريخ، على أهداف معينة، بشرية أو مادية، أي أن هذا الأمر ينبغي عدم تجاهله، ويجب وضعه في الاعتبار في إدراكات القيادات أو الفصائل المعنية، لتفويت ذلك، ولتجنيب مليوني فلسطيني في غزة مزيد من المآسي والكوارث، خصوصا أن ما يحصل لا يودي إلى أي نتائج أو إنجازات سياسية فلسطينية.

ثالثا: إن اعتبارات إسرائيل لشن أي حرب لا علاقة لها بتقديراتنا، لأنها تنبع من إدراكات إسرائيل لوضعها، وعلاقاتها في المنطقة، وفهمها لإدارة صراعها مع الفلسطينيين، وهي مثلًا ترى أن إبقاء الوضع على ما هو عليه أفضل لها من شن حرب، لأن الخلاف والانقسام الفلسطينيين، يستنزف الفلسطينيين ويشتت طاقاتهم، ويضعف مصداقيتهم على حكم أنفسهم أمام العالم، ويظهر قطاع غزة كأنه منطقة مستقلة، وأن المشكلة هي عند الفلسطينيين، وليس بين إسرائيل وبينهم.

رابعا: مشكلة الفلسطينيين، أنهم يبالغون بقدراتهم، ويتصرفون وكأنهم في منطقة محررة (غزة) وهذا انطباع خاطئ في إدراكات الفلسطينيين، وفي الصورة التي يصدرونها للعالم. ومثلا فبدلا من طرحهم قضيتهم باعتبار غزة منطقة محاصرة، وتعاني ضعف الموارد، وصعوبة العيش، والاعتداءات الإسرائيلية، يتم تصديرها باعتبارها تنتج مقاتلين وصواريخ وطائرات، وكأنها منطقة محررة ومقتدرة، مع كل معرفتنا بجبروت إسرائيل عسكريا، وضمان امنها من الدول الكبرى، وفي ذلك لا مجال للحديث إطلاقا عن توازن قوى عسكري، وتاليا ولا أي حديث عن توازن رعب أو عن معادلات متبادلة. خامسا: ما يفترض إدراكه هنا أن مجمل عمليات المقاومة في قطاع غزة، إبان الاحتلال إسرائيل له (1967 - 2005)، أي في 38 عاما، أدت إلى مقتل 230 إسرائيليا فقط، ضمنهم 124 إسرائيليا قتلوا خلال مواجهات الأعوام الخمسة من الانتفاضة الثانية، (هآرتس 23/‏ 8/‏ 2005)، بمعنى أن الخسائر البشرية ليست لوحدها التي حفزت على الانسحاب الإسرائيلي من هذا القطاع، لأن الخسائر في الضفة أكثر بكثير، وإنما انسحبت إسرائيل بشكل أحادي للتحرر من عبء السيطرة على مليوني فلسطيني، في منطقة ضيقة، ولا تفيدها بشيء، مع ترك الفلسطينيين ليقلعوا شوكهم بأيديهم، أو ليتصارعوا فيما بينهم، مع فرضها الحصار على غزة.