sharifa
sharifa
أعمدة

وتر: عايزنا نرجع زي زمان..

27 مارس 2019
27 مارس 2019

شريفة بنت علي التوبية -

لو رجع الزمان بك، ورجعت إلى بداية الطريق، والتقيت بذلك الشخص الذي كان أنت في يوم بعيد وزمن بعيد، ترى بأي وجه ستلتقيه وماذا ستقول له، وأنت ربما من خذله في أحلامه ومبادئه وطموحه وأمنياته وعواطفه، ترى ماذا أنت فاعل أمام غربتك مع نفسك التي ما عدت تشبهها، وكأنكما غريبان يلتقيان للمرة الأولى على مفترق طرق.

ولو أخذك الحنين إلى حيث كان أمسك حلواً، هل ستصلح ما أفسدته يداك أو ما أفسده الدهر فيك، وهل ستبتعد عن الأشخاص الذين خذلوك حد الألم، هل ستطارد الريح التي اختبأت عنها يوما، وهل ستتمسك بالأصدقاء الحقيقين الذين أضعتهم من بين يديك، وهل ستعلن تمردك على كل ما آمنت به من أفكار، وقد انكشفت أمام عينيك حجب الوهم التي عشتها وصدقّتها، هل ستخرج من نفق الغربة ومجاهلها لتسير حيث النور، هل ستتجنب الأخطاء التي ارتكبتها، هل ستغير المكان الذي سكنت والطريق الذي سرت عليه، والتخصص الذي درسته إرضاءً والدك، هل ستغير الوظيفة التي قبلتها تجنباً لمذلة العيش، وهل ستختار نفس الشريك، هل ستطارد حلمك الهارب منك، وهل ستحب نفس الأشخاص الذين أحببتهم وضحيت بكل شيء لأجلهم وهل ستكون شجاعاً لتفعل كل ما لم تفعله؟

يا قارئي العزيز، لا أسألك لتجيب، لأني أدرك صعوبة الإجابة، ولكني أسألك أن تمنح نفسك لحظة تأمل، فأنا من أولئك الذين لا يحبون العودة إلى الخلف، لأنني لو عدت سأرتكب نفس الأخطاء وسأقترف نفس الحماقات، وسأعيش نفس الفرح ونفس الحزن، وسأقع في نفس المطبات والأفخاخ، لذلك أعشق اللحظة التي أحياها وأحبني كما كنت وكما أنا الآن، أحب أخطائي الصغيرة التي بها اكتشفت نفسي، والأشخاص الذين أساءوا لي، وأهدوني شجاعة المواجهة مع وجه الحياة البشع والمشوّه دون أن يعلموا، لذلك ( لن أعود للخلف لارتكاب نفس الأخطاء ولكني سأمضي قدماً لارتكاب أخطاء جديدة )، ستكون لي أخطاء أخرى بلا شك، وستمنحني تلك الأخطاء حصانة أخرى أمام مصاعب الدنيا، فكم أحب لحظتي الحاضرة، حيث لا أحنّ لأمسٍ ولا أشتاق لغدٍ، فلو عاد بي الزمان سأعيد حتى تفاصيلي الصغيرة المُضجرة، لأنني باختصار لا أملك شيئاً أمام قوة القدر، فكل شيء مهيئ لنا، وكل شيء سائر نحو التغيير، حتى قلوبنا التي ظننا يوما أنها لن تتغير، ستتغير وسنمضي دون عودة، وسنردد مع أم كلثوم (عايزنا نرجع زي زمان، قول للزمان ارجع يا زمان).