أفكار وآراء

سوريا والاتحاد الأوروبي .. ثمن فك الارتباط

22 مارس 2019
22 مارس 2019

جوليين بارنز ديسي -

المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية -

ترجمة - قاسم مكي -

أتاح مؤتمر دعم مستقبل سوريا والمنطقة (بروكسل 3) الذي استضافه الاتحاد الأوروبي هذا الشهر (12- 14 مارس) فرصة مهمة لإعادة تركيز الاهتمام الدولي على الصراع السوري المدمر. لقد تحددت هوية المؤتمر في المقام الأول بأهدافه الإنسانية التي من شأنها جعل تنظيم حملة جادة لجمع الأموال نجاحا في حد ذاته.

لكن على مستوى أعمق من ذلك يرجح أن يكون المؤتمر قد سلط ضوءا على التوتر المتزايد بين الأهداف الإنسانية الجوهرية والطموحات السياسية للدول المعارضة لحكومة بشار الأسد والتي هي في ذات الوقت مانحة رئيسية منذ فترة طويلة للمساعدات الإنسانية للمتأثرين بالأزمة السورية.

ومع الانتصار المؤكد جوهريا للأسد في الصراع تواجه هذه الدول إشكالا يزداد تعقيدا حول كيفية توصيل الدعم الضروري للسوريين الذين يعيش معظمهم الآن في مناطق تحت سيطرة الحكومة. وبالنسبة للبعض تستلزم سياسة «الصبر الإستراتيجي» وجوب اقتصار الدعم الخارجي لحكومة الأسد على الحد الأدنى المطلق. تتأسس هذه السياسة على فكرة أن الحكومة ستجبر في النهاية على التسوية السياسية بسبب تعاظم الضغط الداخلي. لكن من جهة أخرى ستترتب عنها حتما تداعيات إنسانية.

فبعد ثمانية أعوام من الصراع لايزال الوضع في سوريا بالغ السوء. وفي حين تراخى القتال المسلح (على الأقل مؤقتا بالنظر إلى المصير غير المؤكد لشمال شرق سوريا ومحافظة إدلب) يستمر السوريون في مواجهة تحديات إنسانية هائلة. فما يقدر بحوالي 13 مليون سوري بحاجة إلى مساعدة إنسانية. ويعاني أكثر من خمسة ملايين من أزمة غذاء. كما يوجد ستة ملايين نازح داخلي وحوالي خمسة ملايين لاجئ في لبنان والأردن وتركيا يشكل وجودهم ضغطا شديدا على هذه البلدان.

يأمل الاتحاد الأوروبي في أن ينجح مؤتمر «بروكسل 3» باعتباره المؤتمر السنوي الرئيسي لتأمين المساعدات الإنسانية لسوريا في جمع ما يماثل مبلغ الـ 8 بلايين دولار الذي تعهدت الأطراف المعنية بتقديمه في مؤتمر العام الماضي. هذا المبلغ سيغطي العون الإنساني الأساسي والمساعدات المالية لكل من لبنان والأردن.

لكن حتى إذا تحقق هذا الهدف، تواجه جهات مانحة رئيسية بما فيها الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء الكبرى في الاتحاد بقيادة فرنسا والمملكة المتحدة تحديا متزايدا في ربط قنوات الدعم الإنساني بأهدافها السياسية في الأجل الطويل.

ففي حين تقبل هذه الدول بواقع أن الأسد لن يتخلى عن السلطة في أي وقت قريب إلا أنها لا تزال تأمل في أن يخسر السلام. من أجل ذلك تبنت هذه الجهات سياسة تنطوي على رفض أية خطوات يمكن أن تعين الأسد على تمتين وضعه الداخلي من خلال الإبقاء على نظام العقوبات المحكم ضده والامتناع عن دعم إعادة البناء وحرمانه من الشرعية التي يمكن أن تقدمها له أية إعادة ارتباط سياسي به.

ويأمل هؤلاء الفاعلون في أن يجبر الضغط السياسي والاقتصادي الداخلي المتعاظم في آخر المطاف الحكومة السورية على قبول الإصلاحات السياسية بما في ذلك تلك التي تقود إلى انتخابات رئاسية نزيهة وحرة.

بخلاف احتمال أو عدم احتمال أن يؤدي الضغط الداخلي المتجدد إلى تقديم تنازلات سياسية ذات معنى من الحكومة، ستنجم عن هذه المقاربة حتما تداعيات إنسانية مهمة. فمع انتهاء تدفقات العون عبر الحدود إلى مناطق سيطرة المعارضة والتي كانت في السابق الوجهة الأساسية للعون الغربي بسبب استعادة الأسد سيطرته على الجنوب السوري وتزايد نفوذ المليشيات المتطرفة في إدلب، يتردد المانحون الدوليون في إرسال المساعدات عبر الحكومة المركزية في دمشق.

بالطبع ظل استغلال الحكومة في الماضي للعون ومنع وصوله إلى من هم أكثر حاجة إليه يغذي ومنذ فترة طويلة هذا التردد. لكن تعززا من هذا الاتجاه الرغبة في ألا يعكس الدعم الخارجي أي إحساس بالتطبيع السياسي مع الحكومة أو مساعدة الأسد على تهدئة الوضع في سوريا على الرغم من مزاعم البلدان المانحة بأن دعمها الإنساني سيظل إنسانيا محضا (غير مرتبط بالسياسة). ويحث بعض أعضاء مجتمع العون الإنساني الذين يركزون على التحديات الآنية التي تواجه السوريين في مناطقهم المانحين الدوليين على التقليل من قيودهم على التمويل محاججين بوجود منفذ لتقديم بعض الدعم «الحساس لأوضاع الحرب» والذي يخدم حاجات السكان المحليين وليس الحكومة. رغم ذلك يشدد المانحون الدوليون من القيود المفروضة على عونهم بما في ذلك تبني تعريف ضيق للدعم الإنساني الأساسي الذين هم على استعداد لتقديمه. وهو تعريف يستبعد إجراءات التهدئة في فترة ما بعد الحرب مثل إعادة إنشاء البنيات الأساسية التي لديها ارتباط واضح بالجوانب الإنسانية مثل خدمات المياه والتعليم والعلاج.

تؤثر هذه السياسة أيضا على مسألة العقوبات التي يعتبرها الغرب مكونا مركزيا في قدرته على إجبار الأسد على التسوية في نهاية المطاف. فأزمة الوقود الحالية في سوريا والتي خلفت ملايين السوريين دون حماية من شتاء بارد ومؤلم ورفعت أسعار الغذاء كانت في جانب منها نتيجة للإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة مؤخرا لتقليص واردات سوريا من النفط.

ترى بعض الدول أن الأثر التساقطي (المترتب عن) هذه السياسة ثمن يستحق أن يدفع لأنها تعتبر الحكومة السبب الأساسي للأزمة الإنسانية في سوريا. ويشير المسؤولون الغربيون إلى أنه دائما ما يتم التلاعب بالعون لخدمة أغراض سياسية وأنه يتم استخدام واردات النفط في تمويل آلة الحرب. في هذه القراءة للوضع تنطوي الاستجابة الإنسانية الحقيقية على التزام مبدئي ومستمر بإبعاد الأسد في النهاية من الحكم.

لكن هذا ثمن غير مقبول لآخرين حتى إذا صرفنا النظر عن روسيا ودول أوروبية أخرى شرعت في إعادة ارتباطها، في حذر، مع الأسد. فهذه المقاربة، في سياق الانتصار العسكري للجيش الحكومي والتحول الوشيك نحو أجواء ما بعد الصراع، تخاطر بإعاقة أية قدرة خارجية لتقديم الدعم الإنساني الضروري جدا للسوريين في مناطقهم. وهي ستنطوي على خطوات يمكن أن تساهم في الإبقاء على معاناة المدنيين أو ربما زيادتها، كما هي الحال مع العقوبات. هذا ويرى بعض الذين يتعاطفون مع هذه الحجة أن على المانحين الغربيين بدلا من التركيز على طموحات سياسية لايمكن تحقيقها المبادرة بربط ما تبقى لهم من نفوذ بشروط أكثر واقعية تستهدف تحسين الأوضاع الآنية التي يواجهها السوريون في مناطقهم وتقوية المجتمع السوري لمواجهة التحديات القادمة في الأجل الطويل.

إلى ذلك، رغم اعتقاد البعض بأن تكثيف الضغط على الأسد سيقود في النهاية إلى تسويات سياسية، ثمة حجة مضادة فحواها أن ذلك سيقلل من احتمال تحقق نتائج بديلة مما سيزود الحكومة بسردية «حرب لاتزال قائمة» يبرر بها إخفاقاته. يفترض أن تكون هذه الأسئلة الحساسة حول كيفية عمل الحكومات المانحة والمنظمات التي تدعمها داخل سياق تحسن موقف الأسد في الصراع قد شكلت حضورا في محاورات المشاركين أثناء عكوفهم على حشد التمويل المطلوب في مؤتمر بروكسل. ويلزم الآن أن يتعامل الفاعلون الدوليون المبدئيون بأمانة مع ما ينبغي أن يعني ذلك لسياسة العمل الإنساني في المرحلة التالية من المأساة التي طال أمدها في سوريا.