أفكار وآراء

أعمدة الإصلاح الضريبي

20 مارس 2019
20 مارس 2019

مصباح قطب -

[email protected] -

ويتواصل الحديث عن الإصلاح الضريبي انطلاقًا من أن الضرائب بانية الأوطان الحديثة كما يقولون.

وتتكون المنظومة الضريبية من 4 أعمدة أو أركان أساسية هي: السياسة الضريبية ويأتي بعدها التشريع الضريبي وثالثا الإدارة الضريبية التي تقوم على تطبيق هذا التشريع ورابعا، وأخيرًا المجتمع الضريبي، وهو مجتمع دافعي الضرائب سواء من الممولين أو المهنيين الذين يقدمون الاستشارات أو يعرضون خبراتهم على دافعي الضرائب.

يجب أن يشمل الإصلاح المحاور الأربعة في منظومة واحدة، وفق الأستاذ عمرو المنير النائب السابق لوزير المالية المصري وخبير الضرائب الدولية والمحلية، الذي تحاورت معه ، فالسياسة الضريبية يلزمها أهداف مستقرة مثل زيادة الضرائب إلى الناتج بمعدل سنوي محدد وصولا إلى أن تكون النسبة متوافقة مع ما هو موجود في الدول المثيلة في مستوى النمو، ويقترح المنير وجود مجلس أعلى للسياسات الضريبية على غرار وجود مجلس أعلى للسياسات النقدية ومجلس أعلى للاستثمار، فالسياسة الضريبية ليست أقل أهمية من السياسات النقدية أو السياسة المالية. والأمر يستحق حيث من دون الضرائب لا يوجد معدلات نمو أعلى ولا خفض في عجز الموازنة ولا تحقيق استثمارات ولا فرص عمل وعدالة اجتماعية.

مجلس السياسات الضريبية المطروح هنا -برأي المنير- يضع السياسات الضريبية لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والمالية التي يجب أن تقوم على تحقيقها وزارة المالية في إطار السياسة العامة للدولة، ويضع خطط العمل للمصالح الإيرادية ويتابع التزامها بتنفيذ هذه السياسة المعتمدة والقوانين الحاكمة واتخاذ ما يلزم لتصويبها وما يتكشف من أوجه القصور وعليها ومدى التقدم في تحصيل الإيرادات الضريبية والجمركية ووضع آليات فعالة لتحصيل تلك الإيرادات واقتراح التشريعات التي تكفل تنفيذ تلك السياسات الضريبية والجمركية بما في ذلك اقتراح القوانين واللوائح والقرارات والإشراف على تطوير الإدارة الضريبية والنظام الجمركي ووضع قواعد واقتراح تشريعات وآليات التنفيذ التي تكفل ضم الاقتصاد غير الرسمي إلى المنظومة الرسمية والمشاركة في اختيار الإدارة العليا والمتوسطة في المصالح الإيرادية ووضع ضوابط الحد من المنازعات الضريبية والتواصل مع وزارات المالية في الدول الأخرى.

ويشرف مجلس السياسات الضريبية على مجموعة من اللجان التنفيذية ويتشكل المجلس من مجموعة من الشخصيات ذات الخبرة في مجالات عدة سواء في المجال الضريبي أو المجال الاقتصادي بصفة عامة أو خبراء في مجال القانون أو خبراء سياسيين لأن السياسة الضريبية لا تتعلق فقط بالاقتصاد ولكنها تتعلق بالعمل السياسي والمنظومة السياسية للدولة لأن لها تأثيرا على سياسات الدولة وخبراء في التواصل والتسويق، وهكذا وهو أحد وسائل الإصلاح لحين الوصول إلى فكرة وجود هيئة مستقلة للضرائب وهو الهدف الأسمى الذي يجب الوصول إليه في وقت من الأوقات.

ويشير المنير إلى أن التشريعات بصفة عامة تجمع بين أمرين اثنين ، أولا أن تكون مواكبة لأهم التطورات على مستوى العالم في المجال الخاص بالتشريع وفي الوقت نفسه تكون مدركة لما يتم على أرض الواقع فلا تأخذ ما يتم في العالم بنظام (copy - paste) ولا تتمسك بما هو موجود حاليا؛ فالتشريع يجب أن يجمع بين الأمرين.

ويرى المنير أن كل ما يتعلق بالضرائب في الدستور يجب أن يكون إطارًا عامًا أو قواعد عامة للنظام الضريبي، لا يتم فيها النص على وجود نظام محدد أو أسلوب محدد لتطبيق الضرائب ولكن فلسفة وأهداف السياسة الضريبية، وكمثال مصري لم يتم مثلا النص على طبيعة النظام الاقتصادي في مصر ولم يجر تحديده ... رأسمالي أو اشتراكي ... ولكن تم توضيح أهداف النظام الاقتصادي في مصر فقط، وقد ورد في الدستور الحالي أن الضريبة تصاعدية على الأفراد كأسلوب أونظام يجب تطبيقه فلا يوجد دستور في العالم يحدد نظامًا أو نوعًا معينًا من أساليب تطبيق الضريبة ويترك هذا للتشريع. فدور الدستور هو النص على تطبيق النظام الضريبي الأمثل الذي يحقق العدالة ويحقق معدلات نمو وينص على مقومات نظام ضريبي ولكن لا يجب أن ينص على نظام ضريبي محدد رغم أنه في الوقت الحالي هناك تصاعدية في الضريبة على الأفراد مثل دول العالم ولكن لا يجب أن ينص عليها تحت ضغط مطالب من هنا أو هناك ولا يجب كذلك إلغاء نصوص أو إهمالها -كالتي تحدد أهداف النظام الاقتصادي أو الضريبي- أيضا تحت ضغط هنا أو هناك.

ويجب النص في الدساتير على أن التهرب ضريبة جريمة مخلة بالشرف دون الاكتفاء بالنص على ذلك في قانون الضرائب ويجب معاقبة من تثبت عليه جريمة التهرب الضريبي ويحرم من حقوقه ربما السياسية فهي جريمة مخلة بالشرف في العالم كله فالعالم يخاطب المواطن مقترنًا بتعبير: المواطن دافع الضريبة، وله حقوق وعليه واجبات وبالتالي عندما يثبت تهربه عمدا لا تكون العقوبات مالية فقط.

إن استقرار السياسات الضريبية مهم ولكن من أجل الوصول إليه يجب أن نمتلك تشريعات ضريبية واضحة وقادرة على الاستمرار دون الحاجة لتعديلات سريعة، مع إعادة النظر في القوانين كل فترة، فقد تلزم بعض التعديلات من فترة لأخرى ولكن هناك قوانين وأوقات يجب أن يتم فيها عمل قوانين جديدة لأسباب كثيرة، فكثرة التعديلات على القوانين ليست في صالح مطبقي القانون سواء من العاملين في الإدارة الضريبية أو الممولين أو المستثمر بصفة عامة لا يستطيع متابعة هذا الكم من التعديلات لذلك؛ لابد من وجود قوانين جديدة خاصة مع التطورات التي تحدث في مجال العمل الضريبي.

وينتقل المنير إلى حقل آخر فيقول: إن محاربة التهرب الضريبي مرتبطة بجذب الاقتصاد غير الرسمي للمنظومة الرسمية، وإن التهرب في الاقتصاد غير الرسمي يتناول أفرادًا غير موجودين في المنظومة الضريبية ولا تدخل إيراداتهم في الناتج المحلي الإجمالي ولذلك لا يدفعون ضرائب للدولة وهناك من يتهربون، وهم مسجلون سواء في ضرائب الدخل أو القيمة المضافة ولكن لا يفصحون عن حقيقة إيراداتهم ويدفعون أقل بكثر مما يجب أن يدفعوا وكل من هذين النوعين له طريقة مختلفة في محاربته فالتعامل مع المهنيين -حيث يشيع التهرب- يختلف عن غيرهم، ويتم التهرب في التصرفات العقارية نتيجة عدم الالتزام بالتسجيل وعدم وجود إلزام بأن نقل الملكية لا يكون إلا من خلال التسجيل وعدم الاعتراف بالملكية إلا لما هو مسجل وبهذا تكون الوسيلة الأكبر لحصر كافة التعاملات العقارية. وهناك أشخاص وشركات تمارس نشاطا تجاريا و لا يوجد لديهم دفاتر، وهنا يمكن محاسبتهم بطرق مختلفة منها الفاتورة الإلكترونية وإلزام المجتمع الضريبي بها والتنفيذ على مراحل. وأضاف المنير: الشركات الكبرى لديها نظام إلكتروني للفواتير؛ فيتم ربط نظم هذه الشركات وشبكة مصلحة الضرائب أما من ليس لديهم فيتم إلزامهم طبقا للقانون بإصدار فاتورة إلكترونية والتدرج مع المطاعم والفنادق والمهنيين مع ربط ذلك بتوجيه المواطنين نحو الحصول على فواتير ويجب التأكد من صحة الفواتير المقدمة للمصلحة وأنها ليست مزورة ورد ضريبة القيمة المضافة لغير المقيم عند مغادرة البلاد وهناك أفكار مختلفة حول ذلك عالميا.

ولتحويل الاقتصاد غير الرسمي لرسمي يتعين وجود سياسة العصا والجزرة. وذلك هي بإعطاء حوافز لمن ينضمون وعمل نظام مبسط للتعامل، والمقصود هنا المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر. فهناك ربط بين الاقتصاد غير الرسمي وبين المشروعات الصغيرة وهذا خطأ فليست كل المشروعات الصغيرة اقتصاد غير رسمي وليس كل اقتصاد غير رسمي مشروعات صغيرة‘ فهناك شركات كبيرة أو منشآت كبيرة تدخل تحت الاقتصاد غير الرسمي ولا تخضع للضرائب، وجزء منها هو الاقتصاد الرقمي وهو موجود ومعروف ولكن يصعب حصره خاصة في التعاملات بين الشركات في الخارج والأفراد داخل مصر وهذا الاقتصاد الرقمي يجب متابعته . ولا يمكن جذب الاقتصاد غير الرسمي وحصره في ظل اقتصاد النقد ويجب أن يتم تفعيل المجالس القومية للمدفوعات الإلكترونية وإصدار تشريعات ولوائح تحدد وتمنع التعامل النقدي عند حد معين. ويبدأ التصدي للتهرب من تبسيط الإجراءات؛ لأن أحد أسباب عدم الثقة في الدولة وعدم الالتزام الضريبي هو تعقيد الإجراءات والحديث مستمر.