yesra
yesra
أعمدة

ربما: سامية

20 مارس 2019
20 مارس 2019

د. يسرية آل جميل -

مدخل:

اجعل لك قيمة في قلوب الناس.. إن لم يكن حباً فليكن احتراماً

***

الساعة تشير إلى السابعة صباحاً، تقلصات وأوجاع تراوحها بين حين وحين، تمالكت نفسها حتى جاء زوجها، «يبدو إنني على وشكِ ولادة» هكذا بادرته، جهزوا حقيبة طفلهما معاً، اللبسة الأولى، اللفة الأولى، مرضعة الحليب، لهّاية إن استدعى الأمر، قماط المواليد الرضّع، ومصحف صغير تضعه عند رأسه حين يأتي. زادت الآلام وهي لا تصرخ.. تتحمل كُل هذا الطلق الذي لا تعرف حجم ألمه إلا أنثى جربت الولادة الطبيعية بكامل تفاصيلها.

الجو كان شتاءً، بارداً جداً، ذهب زوجها ليُحضر لها شالاً من الصوف ليدفئ ارتعاشة جسدها الربيعي الصغير، كانت ابنة الـ 17 أو 18 عاماً، وكان هو عشريني في عزّ شبابه وفتوته، كانوا يزوجونهم صغاراً.. ومبكراً جدا. جمعهما القدر في الكويت الشقيقة، حيث كان يعمل بإحدى شركات النفط المشهورة، هو ومجموعة من الشباب تجمعهم القرابة والصداقة.

تزّوج أخوه الأكبر من أختهـا الكُبرى، شاهد صورتها مع أختها، فأغرِم بها. كانت جميلة كفاتنات السينما المصرية، ليلى فوزي.. فاتن حمامة.. زبيدة ثروت، خصر نحيل، شعر أشقر طويل، بياض الثلج الناصع، العيون الزرقاء، كيف لا يُفتن بهذا الجمال الذي لم يمسّه بوتكس ولا فيلر ولا مشوهّات.

وجمع بينهما في الحلال، ورُزقا بعد تسعة أشهر بـ (طارق) ابنهما البكر، لم تكتمل فرحتهما به طويلاً، مرضَ طارق، وفي خلال ساعات كان طيراً من طيور الجنة، كاد عقلها يطير، وصدمة الأب كانت أكبر، لم تتوقع أنها ستُنجب مرة أخرى، الحزن على صغيرها البكر وهي يانعة صغيرة كان أكبر من تحملها.

أنتِ حامل.. لم تصدق بأنها ستصبح أماً للمرة الثانية، زاد تلاحق ضربات الطلق، معها طبيبة النساء وعدد من القابلات يؤازرونها ويساعدونها لإتمام عملية الوضع، وجاءت صغيرتها الثانية، تقول بأنها لم تُتعبها كثيراً في الولادة، على عكس ولادتها في المرحوم (طارق)، سألت طبيبتها: ما اسمك؟ لتسميّها عليها، من شدة حبها لها.. ورحمة الطبيبة بها في مثل هذا الموقف العصيب الأليم، فأسمت ابنتها بها.

ودخلت تلك الأم مرحلة أخرى من التعب، السهر.. والتغذية.. والتربية.. والعلاج، سنوات طوال مرّت وهذه المرأة تحمل.. وتُنجب.. وتُربي.. وتُعلّم، طفلاً وراء آخر، لم تكن تحمل شهادة تعليم عالية، فعوّضت ذلك في أبنائها وبناتها، لم تحصل على الدكتوراه، فحملتها ابنتها الكبرى بمرتبة الشرف الأولى، لم تصبح طبيبة، فكان من أبنائها طبيب وطبيبة واثنان وثلاث، لم تصبح مهندسة، ولا كابتن طيارة، فحقق لها أبناؤها كل ذلك.

كل ذلك جزاء إحسانها وتربيتها الفُضلى، لم تفكر في سفر أو سهر، أو وقت فراغ لنفسها، سخرّت كل طاقاتها وزوجها لأبنائها الذين يشغلون اليوم مناصب، ويحملون شهادات علمية وعملية من أعلى ما يحصل عليه الفرد من شهادات في أي دولة.

هذه المرأة النجيبة هـي (أمّي)، أما صغيرتها فهـي (أنا) التي مهما قدّمت لأجلها لن أفيها ثمن ترقق عظامها.. ووهن جسمها وأنا في أحشائها، ولن أفيها ثمن قلقها... انشغالها علي حين خرجت للحياة.

لن أفيها ثمن دعوة من دعواتها، وفقني الله بفضل دعائها في أي أمر. حتى بعد أن تزوجت وأنجبت، ما زالت تراني طفلتها الصغيرة التي ضمتها بين ذراعيها لأول مرة قبل أعوام.

فكُل عيد أمٍ وأنت أعظم أم في هذا الوجود

كل عيد أم وأنتِ حبيبتي

يا أمّي.

- إليه حيثما كان:

لا تُؤجل الرسائل.. فقد تتغير العناوين.