1164465
1164465
المنوعات

السلطنة تختتم مشاركتها «ضيفا خاصا» في معرض باريس الدولي للكتاب

18 مارس 2019
18 مارس 2019

بعد أربعة أيام فتحت فيها عُمان «السلام في الكتب المفتوحة» -

عاصم الشيدي -

أطفأ معرض باريس الدولي للكتاب مساء أمس أضواءه وغادره الزائرون والعارضون إلى وجهات عالمية أخرى لكن الثقافة العمانية، التي حلت ضيفا خاصا على المعرض، ستبقى حديث الفرنسيين وحديث صحافتهم طويلا بعد أن استطاعت المشاركة العمانية في المعرض أن تلفت الأنظار وتقدم صورة عُمان والعرب وثقافتهم بالشكل الحقيقي بعيدًا عن الصورة الذهنية للعرب الراسخة في العقلية الأوروبية والغربية بشكل عام. وفتحت المشاركة العمانية الحديث عن ثقافة السلام عبر «الكتب المفتوحة» كما كان شعار المعرض ما أتاح وصول الرسالة بشكل دقيق للجانب الفرنسي.

الحسني: تضافر جهود الجميع ساهم في صناعة النجاح في المعرض -

الحراصي: المعرض خاطب الفرنسيين بمفاهيم أقرب لمفاهيمهم مثل الكتاب والشعر والموسيقى -

وأشاد سفراء ودبلوماسيون عرب زاروا الجناح العماني بنجاح الاستضافة العمانية وقدرتها على تمثيل العرب بشكل مشرف ونقل ملامح عن الثقافة العمانية والثقافة العربية بشكل عام. فيما اعتبر فرنسيون الجناح العماني أنه «كان مركز تنوير وتصحيح للصورة الذهنية عن شبه الجزيرة العربية التي يعتقد البعض أنها مجرد صحراء وحقول نفط ليس إلا» لكن ما شاهده الفرنسيون أكد لهم أن عُمان بلاد تملك حضارة وثقافة كبيرة، ولديها مساهمة ثقافية وفكرية في الثقافة الإنسانية تستحق أن تسمع ويوقف عندها معا، بحسب أحاديث كثيرة مع الوفد العماني الموجود في الجناح. وقال الفرنسيون إن صورة عمان طبيعيًا وجغرافيًا كانت مفاجأة كبيرة لهم، فلم تكن مجرد صحراء قاحلة بل كانت صورتها عبر الأفلام التي عرضت وكأنها «جنة» حقيقية من خلال تنوعها بين السهول والجبال والوديان، الأمر الذي أضاف لهم صورة غائبة، بحسب تأكيدات الكثيرين ممن زاروا المعرض.

لكن عشرات الفرنسيين تحدثوا أيضا عبر عشرات الحوارات والنقاشات عما عرفوه من خلال المحاضرة عن السياسة العمانية المتزنة والقادرة على جمع الفرقاء.

وقال ساسة أوروبيون بينهم وزراء سابقون في الخارجية والدفاع إن فرنسا، بالتحديد، تأكدت الآن من قدرة السياسة العمانية في تقديم صورة أكثر عقلانية وأكثر حكمة عن المنطقة وفي قدرتها استشراف المستقبل من خلال بناء مواقفها في وسط عالم مزدحم بالأحداث والمتغيرات.

به المتلقي الفرنسي على مستوى المسؤولين والجمهور العام. ووجه معاليه الشكر للجميع؛ لأنهم صنعوا كل مفردات النجاح في المشاركة.

وقال الوزير: حضور عمان رسالة ثقافية إنسانية تعبر عن مبادئ عمان وعلاقتها مع الأصدقاء في جمهورية فرنسا لذلك رأيتم هذا الزخم من الحضور الثقافي والفني من ترجمات العديدة للإصدارات العمانية والموسيقى والسينما والتصوير وكل الفنون الإبداعية التي كانت حاضرة مما أبهر المتلقي الفرنسي عند زيارته لهذا المعرض.

وقال معالي الدكتور عبدالله بن ناصر الحراصي رئيس الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون متحدثا عن مشاركة السلطنة في المعرض، ضيفًا خاصًا: لا شكّ أن للمشاركات الخارجية عمومًا دورًا كبيرًا في التعريف بالسلطنة في الخارج، وخصوصًا في العواصم الكبرى في العالم مثل باريس. وأضاف الحراصي: تكتسب المشاركة في معرض باريس للكتاب أهمية أكبر، إذ إن سياق المشاركة وطبيعتها ثقافيان بامتياز، والمكوّن الثقافي العماني هو أحد أهم المكونات لعمان المعاصرة، وعمان عبر التاريخ بوجه عام، وهو أمر يميّز عمان عن غيرها من الدول، والمكون الثقافي أمر له وضعه الخاص في الثقافة الفرنسية، ولهذا وجدت المشاركة العمانية في معرض الكتاب صدى كبيرًا لدى الفرنسيين، كونها خاطبتهم بمفاهيم أقرب لمفاهيمهم مثل الكتاب والشعر والفنّ، ويبرز هذا على وجه الخصوص في مشاركة فرقة الأوركسترا السلطانية العمانية في المعرض وفي معهد العالم العربي وفي اليونسكو كذلك، وكذلك برز هذا في النقاشات التي تمت حول العلاقات العمانية الفرنسية، وبعض عناصر الحياة الطبيعية والثقافية العمانية مثل شجرة اللبان والاهتمام الحكومي والعلمي الكبير بها والحفاظ عليها واستثمارها ثقافيًا وعلميًا وتجاريًا. لقد قدمت عمان نفسها في هذا المعرض تقديمًا يليق بحقيقة جوهرها الحضاري الثقافي، وهو ما أدى إلى النجاح الكبير الذي لاقته هذه المشاركة في معرض باريس للكتاب.

من جانبه، قال الكاتب والباحث ماجد نعمة مدير عام مجلة أفريقيا وآسيا الفرنسية في حديث مع «عُمان»: إن المشاركة العمانية في المعرض كانت ناجحة جدا، وزاد بالقول إنها مشرفة، فليس سهلا أن تكون عُمان ضيفا خاصا في محفل ثقافي عالمي مثل معرض باريس الدولي للكتاب، هذا أمر نادر الحدوث، ثم لو تحدثنا من جانب آخر فإن الموقع الذي أعطي لجناح السلطنة في المعرض موقع متميز جدا وجاذب للجماهير؛ لأنه عند المدخل الأول للمعرض، ثم هناك أناقة الهندسة في تصميم المعرض وهذا من شأنه أن يلفت أنظار الأوروبيين والفرنسيين بشكل خاص.

لكن الأهم وفق حديث نعمة يتمثل في التنوع، فلم تكن المشاركة العمانية مجرد عرض كتب كما هو الحال مع بقية المشاركات العربية في المعرض التي كانت عبارة عن عرض لكتب رسمية فقط ولكن كان الكتاب العماني الثقافي والتاريخ والسياسي حاضرًا في المعرض وعبر ترجمات فرنسية تستطيع أن تصل للفرنسيين ثم هناك عشرات المحاضرات والجلسات الحوارية في مختلف صنوف المعرفة مثل السياسة والسينما والمسرح والعلوم الأنثروبولوجيا إضافة إلى الأمسيات الشعرية وهذا أعطى الجناح العماني تميزًا كبيرًا، وهو ما سيصعب الأمر أمام استضافات جديدة، يمكن أن تأتي في السنوات القادمة. مضيفا: إن كل تلك الندوات استطاعت تنوير الجمهور الفرنسي حول عمان وحول ثقافتها وحول تاريخها، ولذلك عرضت عمان ثقافتها «عبر الكتب المفتوحة» كما هو عنوان المشاركة العمانية التي استطاعت فعلا أن تحقق نفسها بشكل دقيق.

وقال نعمة: إن الغرب بدأ ينتبه الآن فعليا للسياسة العمانية ونجاعتها في التعامل مع الكثير من القضايا ولذلك هو اليوم يلجأ لعمان؛ لأنه بات يثق فيها ويثق في استشرافها الدقيق للمستقبل وكذلك لمعرفته بقيم السياسة العمانية وثباتها.

وقال نعمة: يبدو أن فكر المعتزلة القائم على العقلانية انتقل إلى عمان وترسخ في فهمهم للسياسة وطريقة تفكيرهم ونحن اليوم نفخر به وبمكتسباته في مجال السياسة.

وضرب نعمة مثلا بالطريقة العقلانية التي تتعامل بها عمان مع إيران، التي خاضت معها في أزمنة سحيقة حروبا كبيرة، لكنها وصلت ليقين أن إيران ستبقى جارة ولابد أن تعرف كيف تتعامل مع جارك الذي اختارته لك الجغرافيا.

وكانت فعاليات المشاركة العمانية في معرض باريس للكتاب قد شهدت مساء أمس الأول تقديم أمسية موسيقية للأوركسترا السلطانية العمانية في معهد العالم العربي، حيث قدمت الأوركسترا مجموعة منتقاة من المقطوعات الموسيقية العالمية. وقدمت في البدء مقطوعة الافتتاحية الرومانسية للموسيقي حمدان الشعيلي قائد الأوركسترا في الحفل، بعدها السيمفونية 44 للألماني هايدن ومقطوعة المتتالية لكابريول للمؤلف الفرنسي وورلوك، والنسيان للمؤلف الأرجنتيني بيازولا لحن بطيء للأميرة الفرنسية رافيل، وغيرها من المقطوعات، كما قدمت فرقة «أنغام عمانية تجوب العالم» مجموعة من المقطوعات التي نالت استحسان الحضور.

كما ناقشت الروائي الفرنسية فابين هاربان روايتها «تحدٍ غير محتمل» المكتوبة بالفرنسية والمستوحاة من أحداث وقعت في عمان عبر قصة إنسانية. كما ناقشت الكاتبة ميشيل بارو هيتيي وزوجها المصور ميشيل هيتيي كتابهم المصور عن عمان، حيث تمت مناقشة الكثير من الجوانب التاريخية عن عمان وعن التحول الحضاري الذي شهدته خلال العقود الأخيرة.

كما قدم صباح أمس الدكتور محمد بن مبارك العريمي محاضرة عن الدور التنويري للإعلام العماني. وتحدث العريمي خلال ورقته عن الدور التنويري الذي قام به الإعلام التنويري منذ بدايات عهد النهضة المباركة. لكن العريمي بدأ محاضرته بمقدمة تاريخية عن بدايات الصحافة العمانية في بلاد المهجر.

ثم تحدث العريمي عن الأسس والسياسات التي قام عليها الإعلام العماني منذ بدايات عصر النهضة مطلع سبعينات القرن الماضي.

وأكدت المداخلات التي أعقبت الندوة على الدور التنويري الذي قامت به وسائل الإعلام العمانية في إدخال فكرة التنمية الحديث لعقل الإنسان العماني وقدرة الإعلام العماني في لعب دور القلعة الحصينة التي تقف أمام دخول دعوات ونعرات طائفية للمجتمع.

وقدم الباحث محمد البرومي الباحث في مركز العلوم الطبيعية والطبية محاضرة عن اللبان العماني وهي المحاضرة التي شهدت تفاعلا كبيرا من قبل الجمهور الفرنسي حيث عرض الباحث بشكل علمي تفاصيل الاستخدامات الطبية للبان والنتائج البحثية الحديثة التي أكدت قدرة هذا المنتج في علاج الكثير من المشاكل الصحية وخاصة الخلايا السرطانية.

وتم توزيع نماذج من اللبان العماني خلال المحاضرة.

كما قدم المنتج والمخرج محمد بن سليمان الكندي رئيس جمعية السينما العمانية ورقة عن الحركة السينمائية في السلطنة والجهود التي تبذل من أجل صناعة حراك سينمائي عماني من خلال الجمعية العمانية للسينما والقطاعات المختلفة الحكومية والخاصة.

وتطرقت الورقة إلى سرد تاريخي للتحولات في إنتاج الأفلام الوثائقية والروائية القصيرة، كما عرجت الورقة إلى الكشف عن بدايات التصوير السينمائي في عمان وتطوره. وأرجع الباحث تصوير أول فيلم وثائقي في عمان إلى عام 1928ـ1929 لأنه هو أقدم فيلم موجود اليوم.

كما تحدث الكندي عما حققته الأفلام الوثائقية والروائية القصيرة العمانية من جوائز في المشاركات الداخلية والخارجية التي شاركت بها واستعرض المهرجانات الكثيرة التي شارك فيها العمانيون وتطرق إلى تطور البث التلفزيوني وتحولاته من السينما إلى عالم الفيديو، ومن ثم إلى عالم الأتش دي.