أفكار وآراء

شركات النفط الكبرى والتغير المناخي

17 مارس 2019
17 مارس 2019

الإيكونومست ترجمة قاسم مكي -

في أمريكا صاحبة أضخم اقتصاد وثاني أكبر بلد ملوث للهواء في العالم يصعب الآن تجاهل التغير المناخي بسبب تسارع وتيرة تقلبات الطقس الحادة. ففي نوفمبر الماضي اشتعلت الحرائق في كاليفورنيا وفي وقت ما في فبراير كانت شيكاغو أبرد من بعض أجزاء كوكب المريخ.

من جانبهم يطلق العلماء إشارات الإنذار في إلحاح أشد. وانتبه الناس لذلك. فحوالى 74% من الأمريكيين الذين استطلعت جامعة ييل آراءهم أواخر العام الماضي قالوا إن التغير المناخي حدث حقيقي.

ويريد يسار الحزب الديمقراطي التوصل إلى صفقة جديدة (نيو ديل) خضراء في قلب الانتخابات عام 2020. كما يبدي القطاع الخاص، مع التحول في التوقعات، إشارات على التكيف. ففي العام الماضي تم إغلاق حوالى 20 منجم فحم. ويحث مديرو الصناديق المالية الشركات على اتخاذ المزيد من الخطوات لحماية المناخ. ويخصص وارن بوفيت 30 بليون دولار للطاقة النظيفة فيما يخطط إيلون ماسك لملء الطرق الأمريكية السريعة بالسيارات الكهربائية.

لكن وسط الجلبة ثمة حقيقة مزعجة. فالطلب على النفط في ارتفاع ولإشباعه تخطط صناعة الطاقة في أمريكا وأيضا عالميا لاستثمارات بقيمة تريليونات الدولارات. لا توجد شركة تجسد هذه الإستراتيجية أفضل من إكسون موبيل العملاقة التي يعجب بها منافسوها ويحب ناشطو حماية البيئة «أن يكرهوها». فهي تخطط لزيادة إنتاجها من النفط والغاز في 2025 بحوالي 25% قياسا بحجم إنتاجها عام 2017. وإذا سعت بقية شركات صناعة النفط لتحقيق نمو ولو متواضع في إنتاجها قد تكون النتيجة كارثية للمناخ.

تظهر حالة إكسون أن السوق لا يمكنها بنفسها حل مشكلة التغير المناخي. وأن الفعل الحكومي القوي مطلوب. لكن بعكس مخاوف العديد من الجمهوريين (وآمال بعض الديمقراطيين) لا يلزم أن يتطلب ذلك تعظيم دور الدولة.

لقد تمتعت الشركات الكبرى الخمس (شيفرون وإكسون موبيل ورويال دتش شل وبي بي وتوتال في معظم القرن العشرين بنفوذ يفوق نفوذ بعض البلدان الصغيرة. وعلى الرغم من أن قوة هذه الشركات ضعفت إلا أنها تسهم بحوالي 10% من الإنتاج العالمي من النفط والغاز و16% من استثمارات الشق الأعلى بهذا القطاع. وهي تضبط النغمة لشركات الطاقة الخاصة الأصغر (التي تسيطر على ربع الاستثمار). ويعتمد الملايين من المتقاعدين والمدخرين الآخرين على أرباحها. فمن بين الـ 20 شركة التي توزع أكبر أرباح في أوروبا وأمريكا توجد أربعة شركات نفط كبرى.

في عام 2000 وعدت شركة بي بي بالاستثمار في غير النفط. لقد تغيرت الشركات الكبرى ظاهريا حقا. فكلها تقول أنها تؤيد اتفاق باريس لمكافحة التغير المناخي وكلها تستثمر في الموارد المتجددة مثل الطاقة الشمسية. ومؤخرا وعدت شل بأنها ستضع قيودا على الانبعاثات من منتجاتها. لكن في النهاية سيرتكز الحكم على الشركات بما تفعله وليس ما تقوله.

حسب إكسون موبيل سيرتفع الطلب العالمي على النفط والغاز بنسبة 13% بحلول 2030. ويتوقع من كل الشركات الكبرى وليس فقط إكسون موبيل التوسع في إنتاجها. فصناعة النفط أبعد من أن تغلق حقول نفطها وغازها. بل هي تستثمر في مشروعات الشق الأعلى بما في ذلك في النفط الصخري في تكساس وآبار المياه العميقة ذات التقنية الرفيعة.

وتضغط شركات النفط مباشرة وعبر المجموعات التجارية ضد اتخاذ قرارات تحدد حجم الانبعاثات. لكن المشكلة هي، حسب تقديرات اللجنة الدولية للتغير المناخي، لزوم أن يهبط حجم إنتاج النفط والغاز بنسبة 20% في عام 2030 وحوالى 55% في 2050 من أجل منع ارتفاع حرارة الأرض بأكثر من 1.5% درجة مئوية فوق مستوى ما قبل الحقبة الصناعية. لذلك من الخطأ استنتاج وجوب أن تكون شركات الطاقة شريرة. فهي تستجيب لحوافز يضعها المجتمع. فالعائدات المالية من النفط أعلى من عائدات الموارد المتجددة.

في الوقت الحاضر ينمو الطلب على النفط حول العالم بنسبة 1% إلى 2% سنويا. وهي نسبة شبيهة بمتوسط نموه خلال العقود الخمسة الأخيرة. وتستمد شركات النفط الكبرى حصة أقلية من قيمتها السوقية (في سوق الأسهم) من الأرباح التي ستحققها عام 2030. لكن مهما اشتد الذم والتنديد بالشركات الكبرى من جانب ناشطي المناخ الذين يقود العديد منهم سيارات ويسافرون بالطائرات فإن سعيها لتعظيم أرباحها ليس قانونيا فقط ولكنه أيضا مطلب يمكن أن يفرضه عليها حملة أسهمها.

يأمل البعض في أن تتخذ شركات النفط تدريجيا وجهة جديدة. لكن ذلك يبدو إفراطا في التفاؤل. وسيكون من العجلة الاعتماد على ابتكارات ذكية لإنقاذ الموقف. فالاستثمار العالمي في الموارد المتجددة بحوالي 300 بليون دولار يتقزم أمام حجم الاستثمار في الوقود الأحفوري. وحتى في صناعة السيارات حيث يجري تدشين عشرات الموديلات الكهربائية لا يزال من المتوقع أن تستخدم 85% من السيارات محركات الاحتراق الداخلي في عام 2030.

من التسرع كذلك الاعتماد على الاستثمار الأخلاقي. لقد انضمت صناديق بأصول تصل قيمتها إلى 32 تريليون دولار لحملة الضغط على الشركات الأكثر تلويثا للهواء في العالم. فمديرو الصناديق الذين يواجهون انهيارا في نشاطهم التقليدي يسعدهم بيع المنتجات الخضراء (الصديقة للبيئة) التي تجلب لهم أيضا رسوما أعلى. لكن قلة قليلة من المجموعات الاستثمارية الكبيرة هي التي تخلصت من أسهمها في شركات الطاقة الكبيرة. وعلى الرغم من الترويج الدعائي الكبير، لا تزال الالتزامات التي أعلنتها الشركات النفطية للمستثمرين «الخضر» متواضعة.

كما يجب عدم توقع الكثير من المحاكم. فالمحامون يطلقون موجة من القضايا التي يتهمون فيها شركات النفط بكل شيء من تضليل الجمهور إلى المسؤولية عن ارتفاع مستويات البحار. ويعتقد البعض أن الشركات النفطية ستعاني نفس مصير شركات التبغ التي واجهت تسويات بمبالغ ضخمة في أعوام التسعينات. لكن هؤلاء ينسون أن الشركات الكبرى منها لا تزال تعمل. وفي يونيو قضي قاض فدرالي في كاليفورنيا بأن التغير المناخي موضوع يخص الكونجرس والدبلوماسية وليس القضاة.

ستكون الأعوام الـ 15 القادمة بالغة الأهمية بالنسبة للتغير المناخي. فإذا لم يكن بمقدور المبتكرين والمستثمرين والمحاكم والشركات الحد من الوقود الأحفوري سيقع العبء حينها على النظام السياسي. في عام 2017 قالت أمريكا أنها ستنسحب من اتفاق باريس. كما حاولت إدارة ترامب إحياء صناعة الفحم. رغم ذلك يمكن أن يتحول المناخ إلى قضية سياسية رئيسية تجتذب إليها ساسة كلا الحزبين. وتشير استطلاعات الرأي العام أن الجمهوريين المعتدلين والأصغر سنا يهتمون بالمناخ. كما كان إعلان العشرات من علماء الاقتصاد المرموقين التزامهم تجاه المناخ يتجاوز الانقسام الحزبي.

سيتمثل العامل الأساسي في إفهام الناخبين الوسطيين أن خفض الانبعاثات شيء عملي وأنه لن يجعل وضعهم الاقتصادي أسوأ كثيرا. وعلى الرغم من أن «الصفقة الجديدة الخضراء» التي ينادي بها الديمقراطيون ترفع من الوعي لكن من المؤكد تقريبا أنها تفشل في هذا الاختبار بالنظر إلى ارتكازها على التوسع الكبير في الإنفاق الحكومي والتخطيط المركزي.

إن أفضل سياسة في أمريكا وسواها هي فرض ضريبة على انبعاثات الكربون وتؤيدها إكسون موبيل. لكن حركة السترات الصفراء في فرنسا توضح صعوبة تطبيقها. وسيلزم العمل على تصميم سياسات يمكن أن تحصل على الدعم الشعبي بإعادة الأموال المجمعة إلى الناس في شكل تخفيضات ضريبية تعويضية. سيتقلص حجم صناعة الوقود الأحفوري ولن تتضخم الحكومة وستكون الشركات، بما في ذلك إكسون موبيل، حرة في تكييف أمورها على النحو الذي يناسبها.