oman-logo-new
oman-logo-new
كلمة عمان

التراث البحري ووحدة العالم الإنساني

16 مارس 2019
16 مارس 2019

لا يحتاج المراقب لمسيرة النهضة العُمانية الحديثة أن يبحث عن الاستشهادات أو الأدلة المؤكدة على الدور المركزي والرئيسي الذي قاد به حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - هذه المسيرة ليضع عُمان في مصاف الدول الصاعدة وهي تبحث عن مكانتها التي تليق بها بين الأمم استنادًا إلى التاريخ العريق وكذلك المعطيات الموضوعية في الوقت الراهن.

وفي إطار الحديث عن التاريخ فمعروف أدوار العمانيين في البحار والمحيطات وعلاقتهم بهذا العباب الهادر، وكيف أنهم طوعوا هذه العلاقة لصالح الدبلوماسية الشعبية والتعايش مع الشعوب ونسج حبال التواصل الاقتصادي والتجاري، فشكلت عمان منذ القدم نموذجًا يحتذى به في هذا الإطار، وهو الدور الذي أكدت عليه الدولة الحديثة وفق النهج السامي لجلالة السلطان وتركيزه على استحضار قيم الأمس الخالدة في صميم البناء الحديث للحضارة الإنسانية بشكل عام، انطلاقًا من مقومات التراث العماني الأصيل.

في هذا الباب فإن «جائزة القيادة المتميزة» التي قدمها مؤتمر الكونجرس العالمي الأول للتراث البحري المنعقد نهاية الأسبوع الماضي في سنغافورة، تقديرًا لجلالة السلطان المعظم - أبقاه الله -، تأتي هذه الجائزة لتضيف إلى ما هو مؤكد سلفًا من الأدوار الرائدة التي اضطلع بها جلالته في إطار الاهتمام السامي بتراث السلطنة البحري، وتعزيز مكانتها البحرية على الخارطة الدولية؛ حتى غدت السلطنة نقطة وصل بين الدول والشعوب، وفق ما أشار الكونجرس؛ كذلك يأتي ذلك التقدير المهم اعترافًا بإسهامات جلالة السلطان في تشكيل فهم عالمي لأهمية التراث البحري في عالم اليوم.

إن تأمل هذه المعاني بدلالة عميقة، سوف يقود إلى استكشاف الحكمة الكبيرة التي تتدثر وراء الكثير من المفاهيم والقيم العمانية والممارسات على صعيد الواقع العماني، إذ إن سياسة السلطنة تقوم على أصول وجذور ممتدة إلى المستقبل وفي الوقت نفسه يكون المرور عبر الحاضر استنادًا إلى أن قوة الذات دائما في هذا التوافق المدروس بين الأمس واليوم، بين الأصيل والمعاصر، بين التراث والتحديث.

فالاهتمام بالتراث البحري في الرؤية العُمانية لا يأتي بمعزل عن التصور العالمي لهذا المنظور الذي يقوم على الرؤى الكلية للأشياء والتكامل المطلوب في عالم اليوم، فالبحار هي فضاءات مشتركة عبرها يكون التعاون والإخاء ومدّ جسور الصداقات والمحبة بين الأمم والشعوب، وهذا ما رسخته التجربة العمانية منذ القدم، ثم جاء العهد الزاهر ليمضي فيه بالمزيد من البناء والتأصيل والعمل العصري الذي يواكب المتغيرات على المنظور الإنساني والكوكبي.

أخيرًا، يبقى التأكيد على أن منظور القيادة الحكيمة وسياسة السلطنة في النظرة الشاملة للأمور تصب كلها في المعيار الإنساني، بحيث إن كل الخطوات تصب في نهاية المطاف نحو تأكيد إنسانية الإنسان وتآلف البشر وقدرتهم على قيادة العالم نحو الأفضل، عندما تكون السياسة والدبلوماسية والتجارة كلها عناوين مشتركة تعمل لذات الهدف في حلقة واحدة متصلة.