أفكار وآراء

الضريبة الانتقائية لمكافحة السلع الضارة

16 مارس 2019
16 مارس 2019

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

صدر مؤخرا المرسوم السلطاني السامي رقم ٢٣ /‏‏ ٢٠١٩ بإصدار قانون الضريبة الانتقائية بعد ما تم عرضه على مجلس عمان المكون من (مجلسي الدولة والشورى)، على أن يقوم الوزير المسؤول عن الشؤون المالية بإصدار اللائحة التنفيذية للقانون المرفق خلال مدة لا تزيد على (٦) ستة أشهر من تاريخ العمل به.

وكما هو معروف فإن الضريبة يتم فرضها لمصلحة المجتمع من خلال حصول الحكومات على الأموال لضخها في الخزينة العامة للدولة، لتكون أداة إنفاق على الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية التي تضطلع بها الحكومات في مجال دعم مشاريع التعليم والصحة والإسكان والأمن والدفاع وتأسيس البنية الأساسية، بالإضافة إلى مكافحة بعض القضايا الاجتماعية والصحية التي تضر الدول كما هو وارد في سياق الضريبة الانتقائية. وتشمل الضريبة الانتقائية في السلطنة جميع أنواع التبغ ومشتقاته والمشروبات الغازية ومشروبات الطاقة، حيث تستهدف هذه الضريبة الحد من استهلاك بعض السلع الضارة كالدخان والمشروبات الغازية من خلال فرض رسوم كبيرة عليها تصل حتى 100%. وتستند الضريبة الانتقائية، إلى قرار المجلس الأعلى لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في دورته الـ36، التي عقدت في العاصمة السعودية - الرياض في عام 2015، حيث تم صدور القرار في خمس دول خليجية باستثناء دولة الكويت والتي من المتوقع أن تصدره في الفترة القادمة. وقد أجازت الاتفاقية الموحدة للضريبة الانتقائية لدول مجلس التعاون الدول الأعضاء بفرض الضريبة الانتقائية على السلع التي يفترض أن تشكل ضررا على الصحة و/‏‏ أو البيئة بالإضافة الى السلع الكمالية.

والضرائب في أية دولة متنوعة ومتعددة كما هو معمول به في السلطنة، إلا ان السلطنة تستثني العاملين في القطاع الحكومي أوالخاص من فرض ضريبة الدخل، كما تستثني الوافدين من والمؤسسات والشركات من ضريبة تحويل الأموال والأرباح إلى الخارج. وهناك احتمالات كبيرة بفرض ضريبة القيمة المضافة على السلع والخدمات خلال الفترة المقبلة، حيث نوقشت هذه الضريبة من جوانب عديدة في مؤسسات الدولة ، وتم فرضها في بعض دول مجلس التعاون خلال الفترة الماضية، فيما نرى أن ضريبة بيع الأصول أو ما يطلق عليه ضريبة الأرباح الرأسمالية يتم العمل بها تتمثل في الحصول على الضريبة من بيع أصول العقارات والأوراق المالية والضرائب على أرباح الشركات والمؤسسات وغيرها من الضرائب المفروضة على تقديم الخدمات الحكومية الأخرى في الشرطة والجمارك والإسكان والبريد وغيرها من القطاعات الأخرى. وأموال الضرائب يتم توفيرها من أجل دعم الإنفاق على قطاعات التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية، وتمكين أصحاب الدخل المتدني من العيش حياة كريمة من خلال إنشاء المساكن لهم ومساعدة الأسر الفقيرة ودعمها ماديا ومعنويا. ورغم إيجابيات الضرائب، إلا أنها تعمل أحيانا على هروب الاستثمارات الداخلية والخارجية، حيث يتم نقل أعمال المؤسسات والشركات إلى الخارج بسبب التكلفة العالية للخدمات، الأمر الذي يؤدي إلى تعطيل التوظيف والاستثمار داخل البلد. كما تحتفظ الشركات والمؤسسات الوطنية أحيانا بأرباحها خارج وطنها.

إن صدور قانون الضريبة الانتقائية جاء بعد ما تم مناقشته في عدد من مؤسسات الدولة، وكان من المتوقع أن تقوم السلطنة بفرض الضريبة الانتقائية في يونيو من العام الماضي 2018، إلا أنه تم تأجيله لبداية العام الحالي لكي تشمل الضريبة الكحول ولحم الخنزير بالإضافة الى المشروبات الغازية ومشروبات الطاقة و منتجات التبغ. ومع مرور الوقت يتوقع أن تمتد هذه الضريبة الى بعض أنواع السلع الكمالية الأخرى التي تؤدي إلى استغلال مدخرات الأفراد مثل السيارات والمواد الإلكترونية والكهربائية وغيرها. وقد سبق لوزارة المالية أن قامت بعقد ندوات توعوية للتحدث حول تطبيق هذه الضرائب (القيمة المضافة والضريبة الانتقائية) لضمان الانتقال السلس الى النظام الضريبي المعمول به في البلاد، الأمر الذي يتطلب من المؤسسات والشركات الانتهاء من إعداد استراتيجيات تطبيق هذه الضرائب. ومما لا شك فيه فإن هذا النوع من الضرائب لها تأثير فوري ومباشر على سلوك المستهلك والعمل على حماية الناس والمحافظة على صحتهم من الأمراض المرتبطة بها من خلال التقليل أو الحد من تناولها بصورة مستمرة.

لقد لقي مشروع «قانون الضريبة على السلع الانتقائية» نقاشا في مجلسي الدولة والشورى قبل رفعه إلى المقام السامي لاعتماده، وذلك بعد أن تم حسم مواد التباين في وجهات النظر بين المجلسين والتوافق على المواد والتعديلات الضرورية بما يخدم المصلحة العامة للمجتمع العماني. فهذا القانون له عدة جوانب وآثار إيجابية، ويؤدي إلى رفع مستوى الصحة العامة لأفراد المجتمع العماني والحفاظ على الإنسان الذي يمثّل أهم مقوم في البيئة. كما أنه سيعمل على ترشيد الأنماط الاستهلاكية التي تضر بالصحة، ويرفع مستوى التوفير لدى الأفراد، بالإضافة إلى خفض فاتورة العلاج السنوي للذين يصابون من جراء تناول تلك السلع والمنتجات، بجانب رفع مستوى الصحة العامة بين السكان. ويرى بعض المسؤولين في مجلس الشورى أن تطبيق هذا القانون سوف يخفض الاستهلاك على تلك السلع والمنتجات ما بين 15 إلى 20% تقريبا خلال السنة الأولى، وربما يزداد حجم التخفيض لمستوى الاستهلاك لاحقا، بجانب ما يمكن تحقيقه من إيرادات جديدة للموازنة العامة للدولة، متوقعين أن يكون العائد من هذه الضريبة في حدود 100 مليون ريال عماني قد يزيد أو ينقص بناءً على طبيعة الاستهلاك، الأمر الذي يؤدي إلى تحسين الميزان التجاري ويدفع الآخرين نحو التوفير من تلك المبالغ لاحقا، وكذلك انخفاض الاستهلاك على تلك السلع، الأمر الذي يعني نجاح تحقيق القانون لأحد أهدافه الرئيسة وهو تخفيض استهلاك لبعض الأنواع الضارة من هذه السلع.

إن فرض الضريبة الانتقائية على تلك السلع تسعى إلى تحقيق مجموعة من الأهداف منها تعزيز أنماط الحياة الصحية، ومعالجة الظواهر والممارسات السلبية في المجتمع عبر تعديل النمط الاستهلاكي للأفراد، وتوجيه العائدات المالية عنها في تقديم المزيد من الخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية وغيرها. ووزارة الصحة سبق لها أن كشفت في مسحها الوطني الصحي للأمراض غير المعدية عن بعض العوامل الخطيرة التي تؤثر على صحة الإنسان والمجتمع، إذ أشارت إلى أن نسب المصابين بالسمنة في السلطنة تجاوزت 66% ، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة المصابين بالسكري خلال عشر سنوات (الفترة من 2008م إلى 2018م) إلى أكثر من 3%، بجانب إشارتها لوجود أكثر من 7500 مريض سكري في السلطنة سنويا. كما كشف المسح أن 8.5% من البالغين من عمر 18 سنة فأكثر يستخدمون أو يدخنون التبغ حاليا، وترتفع النسبة لدى الذكور العمانيين بنسبة 14%، كما إن 38.6% من العمانيين يتعرضون للتدخين السلبي سواء في المنزل أو مكان العمل. فالقانون الذي تمَّ إقراره مؤخرا هدفه الرئيسي التقليل والحد من استهلاك تلك السلع والمنتجات الضارة التي أدت إلى دخول الشباب وغيرهم المستشفيات والمراكز الصحية بسبب التناول المستمر لها، ناهيك عن الملايين التي تصرف على توفير العلاج اللازم لهم من جراء استخدامهم لتلك السلع. والأمر الأخير الذي نشير إليه بأن قانون الضريبة الانتقائية سوف يتضمن عقوبات للمُخالفين في عدم الالتزام بها، منها السجن على التهرب الضريبي المتعمد، وجزاءات، وغرامات إدارية وفق تصريحات بعض المسؤولين في وزارة المالية.