أفكار وآراء

محركات النمو للمستقبل .. القدرة على تسويق الفرص المتاحة والأفكار الرائدة 5

16 مارس 2019
16 مارس 2019

يوسف بن حمد البلوشي -

[email protected] -

يعتبر التسويق (Marketing) قضية ذات أهمية بالغة لإحداث تغييرات إيجابية في المجتمع، بدءًا من تسويق الأفكار الإيجابية والمنتجات والأدوار. وقد يعزى ذلك، إلى جانب أسباب أخرى، إلى ثقافة المجتمع والميل إلى العمل بشكل أحادي أو في مجموعات صغيرة. ولا يخفى أن التسويق يحتاج إلى مهارات خاصة وصبر ونفس طويل للاستماع وقدرة على الإقناع. ولقد اعتادت المجتمعات النامية على فكرة تسويق المنتجات والخدمات وباستخدام وسائل التسويق التقليدية. أما تسويق الأفكار (Marketing of Ideas) فهو شيء مختلف. والجدير بالإشارة الى أن الفكرة (The Concept Idea) وإن كانت خاصة لا يمكن امتلاكها. فالفكرة مِلك لمن استطاع أن يطبقها ويقنع بها الآخرين،ثم يتعين على المرء أن يحاول تطبيق فكرته أولًا، ثم بعد ذلك يحاول أن يقنع بها الآخرين. ولكي يستطيع تحقيق ذلك عليه أن يقوم بتسويق أفكاره. وعند تسويق الأفكار والفرص المتاحة سواء للمجتمع أو لأغراض جذب المستثمرين والممولين، فإنه يتعين تقديم الفكرة بدقة وبساطة وإيجاز. وكذلك بيان كيفية البدء في تنفيذ الفكرة وتحديد الأهداف الرئيسية منها. وينبغي عدم التركيز على التفاصيل، ولكن على ما يهم الأطراف المعنية معرفته مثل فكرة المشروع وتكاليفه وهدفه وتقدير الأرباح، ويتعين عرض المشاكل المتوقعة وبيان كيفية التعامل معها. ومن جانب آخر، تلعب شخصية من يعرض الفكرة ومدى إلمامه بها وثقته بنفسه دورًا مهمًّا في عملية الإقناع (Persuation). وأخذًا في الاعتبار المنافسة الشرسة بين العديد من دول العالم لجذب المستثمرين، فإن السلطنة في حاجة ماسة إلى فريق يمتلك قدرات خاصة على إدارة التحول الاقتصادي (Managing Economic Transformation) من خلال عقد الصفقات وجذب المستثمرين، وأن يكون لأعضاء هذا الفريق جاذبية (Charisma) وأن يكونوا قادرين على بناء الثقة والإقناع والمتابعة لضمان تحقيق الهدف المنشود.

ويتحمل الدور الأكبر في ذلك رجال الأعمال «المنتجون» الذين يؤدون دورًا مهمًّا في صناعة السوق وبناء الاقتصاد، حيث إن سعيهم الدائم لزيادة الإنتاج يتوقف إلى حد كبير على زيادة الطلب، سواء عن طريق: أولًا التصدير وضرورة البحث عن منتجات جديدة تكون مطلوبة أو أسوق جديدة، وثانيًا عن طريق زيادة الاستهلاك المحلي. فزيادة الاستهلاك تشجع على زيادة الإنتاج، وزيادة الإنتاج تحفز الاستثمار، ومن شأن ذلك أن يشجع على الادخار لتمويل جزء من هذا الاستثمار محليًّا، ثم السعي للحصول على الاستثمار الأجنبي المباشر لسد الفجوة بين الاستثمار والادخار، وهكذا.

العمل بروح الفريق

لماذا يعتبر العمل بروح الفريق أمرًا في غاية الأهمية لضمان تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة للمجتمعات؟. هناك حاجة ماسة لتعزيز قنوات الاتصال بين الحكومة والقطاع الخاص (مؤسسات الأعمال) والمجتمع، وفيما بين هذه الأقطاب الثلاثة. ويرى البعض أن الفريق الذي لا يعمل معًا يكون غير قادر على الفوز واقتناص الفرص. وبالتالي، مهما كانت الفرص والبدائل متاحة، فإن العمل بروح الفريق والتنسيق المستمر هو مفتاح تجاوز الأزمة وإيجاد مجتمع مستقر، ويفتح الباب للتقدم والازدهار. ولقد أصبح نموذج العمل الجماعي مطلبًا حضاريًّا ومعاصرًا للتغلب على التحديات التي أصبحت بطبيعتها متعددة الأبعاد، وتحتاج إلى حلول متعددة الأبعاد لا تتحقق إلا من خلال العمل كفريق. بيد أن هذا المطلب الحضاري المعاصر يستلزم بالضرورة تهيئة وإعداد من النواحي الفكرية والعملية والتدريبية على حد سواء، ويقصد بالإعداد الفكري تكوين المعرفة اللازمة عن «العمل الجماعي» (Teamwork)، وإيجاد قاعدة المعرفة المولّدة للإيمان به كمنهج سلوكي عملي.

أما الإطار العملي (Practical Setup) فيقصد به اختيار المجالات والأنشطة والمهام التي تناسب «جماعية العمل» أو روح الجماعة. أما الإعداد التدريبي (Training Setup) فهو المران والاعتياد على كيفية التطبيق وأدواته وطرقه حتى تصبح الفكرة سلوكًا عمليًّا ومهارة مكتسبة. وعليه، يرى علماء الإدارة أن الرؤية المشتركة إبداع. إن كثيرًا من الاختراعات الحديثة والإبداعات والابتكارات في عالم اليوم عمل جماعي، فمثلًا الكومبيوتر ابتكار جماعي والأقمار الصناعية عمل جماعي، وهكذا. بل أن العمل الجماعي الآن يتجه نحو العالمية. ولذلك أصبح العمل الجماعي يحتاج إلى فن في الإدارة والتنظيم والهندسة مما يجعل منه علمًا وفرعًا من فروع المعرفة الإنسانية.

وهناك عدد من العناصر يجب مراعاتها لضمان نجاح العمل بروح الفريق، وتتمثل هذه العناصر في ضرورة وجود هدف أو مهمة لتحقيق نسبة نمو معينة للناتج المحلي الإجمالي. وأن يتم العمل وفق صلاحيات معينة وخطة عمل واضحة، وفي إطار زمني محدد، ووفق ميزانية محددة. ومن المهم وجود قائد لقيادة العمل الجماعي، إن ثمار العمل الجماعي وفوائده عديدة، نذكر أهمها أنها تمكن الأفراد وبالتالي المجتمعات. فالمجتمع الذي ترى أفراده مجتمعين متوحدين هو أكثر المجتمعات القادرة على البذل والعطاء والعمل على تحويل نقاط الضعف إلى فرص ومزيد من الابتكارات.