Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ :الكلمات .. دلالات ومعان

15 مارس 2019
15 مارس 2019

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

تداول الـ «واتس أبيون» قبل يومين «إنفوجرافيك» مقارنة بين عدد كلمات اللغة العربية واللغات الأخرى، حيث بلغ عدد كلمات اللغة العربية (12.302.912) كلمة، وجاءت في المرتبة الثانية اللغة الإنجليزية، فبلغت كلماتها ((600.000) كلمة، وفي المرتبة الثالثة اللغة الفرنسية، وبلغت كلماتها (150.000) كلمة، بينما احتلت اللغة الروسية المرتبة الرابعة بعدد كلمات بلغت ((130.000) كلمة، ومرفق مع هذا الإنفوجرافيك أقوال مجموعة من المستشرقين، مثل المستشرق الفرنسي ريجي بلاشير، الذي قال عن اللغة العربية: «إن من أهم خصائص اللغة العربية قدرتها على التعبير عن معان ثانوية لا تعرف الشعوب الغربية كيف تعبر عنها»- انتهى النص -.

وهذا كله يدل على عظمة هذه اللغة التي احتوت آيات القرآن الكريم: (إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون) – الآية (2) من سورة يوسف –، والحديث هنا ليس عن أهمية اللغة العربية، فهذا أمر مفروغ منه، بصورة مطلقة، وإنما مقاربة جميلة والوقوف مع بعض الكلمات التي يتداولها الناس، وفيها ما فيها من الحكم، والأمثال، والتشبيهات، والاستعارات، والإسقاطات التي يأخذ بها الناس لتحقيق الهدف في المناسبات المختلفة التي تقال في لحظتها، وتكون بهذا التوظيف الآني لخصوص المناسبة، لا بعموم السبب الذي قيلت فيه منذ ذلك الزمن البعيد، فكل الأمثال والحكم التي قيلت، يصعب استحضار مناسبتها، فهي متسلسلة عبر حقب التاريخ، وظلت حاضرة في الذاكرة الجمعية لدى الناس؛ بحكم ترديدها في المناسبات والمواقف المتوافقة مع الموضوع، ومن أمثلة ذلك يقال: فلان قلبه أبيض، ويقال عن آخر فلان قلبه أسود، فهذه كلها كنايات، فلا القلب أبيض ولا أسود، ولكن كمية الطيب والخلق الرفيع؛ نعتت صاحبها بأنه يحمل قلبا أبيض، لشدة صفاء روحه، بينما نعت الآخر بالسواد، من فرط من يبديه من سلوكيات معوجة، ومصادمة مبالغ فيها للطرف الآخر، حتى أنزل هذه المنزلة البغيضة، أو المتشائمة.

ويقال عن آخر، وخاصة في شأن النساء، تبدو كالقمر، في صفائها وجمالها، وكأنها الغزال في امتشاق قدها، وفي (حور) عينيها، كما توصف الأسنان الناصعة البياض بالبرد، والمباسم أو الشفاه بلون العنب المحمر المختلط بالسواد، كما جاء في قول الشاعر: «وأمطرت لؤلؤا من نرجس وسقت: وردا وعضت على العناب بالبرد» ويقال إن هذه القصيدة هي للخليفة الأموي يزيد بن معاوية - حسب المصدر - كما يأتي على اللسان أيضا القول: «مهزول القطيع» وهذه كناية تدل على الكرم، حيث لا يستطيع القطيع من الغنم والماعز والجمال أن تبقى للتسمين، من كثرة الضيوف عند صاحبها، كما يطلق عليه أيضا «جبان الكلب» فمن كثرة الضيوف لم يعد الكلب الموكول إليه حراسة بيت صاحبه نباح القادمين إلى المنزل لكثرتهم، وتعدد مأواهم إلى البيت.

وتذهب الصورة أكثر وأعمق في بعدها الدلالي في حملها المعاني الكبيرة، كالقول: «أبدى الزبد عن المخض» وهذا يقال عندما يذهب الفرد إلى إنجاز مهمة ما، فينجح في ذلك نجاحا مبهرا، والزبد معروف، وهو الناتج المتحقق من مخض الحليب، حيث ينفصل الزبد عن اللبن، وهكذا تتسلسل الكثير من المقولات والحكم، وهي لا تعد ولا تحصى، من كثرتها، لكثرة المناسبات التي قالها أصحابها فيها، فغدت مقولات متوارثة، تحمل دلالاتها ولا تتقادم مع مرور الأزمان، وتغير المواقف والأدوات، وهذا بدوره يعظم أهمية اللغة العربية، ويجعل منتسبيها يعضون عليها بالنواجذ في استخدامها، واعتمادها لغة التخاطب الرسمية، وإن كان الواقع مرتبكا إلى حد بعيد في هذا الجانب، فكثير من أبناء اللغة العربية، لا تمثل لهم الكثير من الأهمية، ويذهبون سريعا إلى حيث الاعتماد على اللغات الأخرى، وليس في ذلك من عيب، ولكن العيب، أن تجد اللغة العربية من كثير من أبنائها الجفاء المطلق.