أفكار وآراء

هل العالم مقبل على أزمة اقتصادية ؟

15 مارس 2019
15 مارس 2019

إميل أمين - كاتب مصري -

[email protected] -

هل يتجه النظام المالي والاقتصادي العالمي في العام الجاري إلى جهة أزمة مالية كبيرة؟ وإذا كان ذلك كذلك فمن المسؤول عنها؟ وما هي التبعات التي ستخلفها من ورائها؟ وهل ستتوقف الأضرار عند قطاع جغرافي معين حول العالم، أم ستمتد الخسائر إلى بقية أرجاء العالم؟

قبل الجواب ربما يتعين علينا تنشيط الذاكرة بالإشارة إلى آخر أزمة اقتصادية كبرى عرفها العالم تلك التي جرت بها المقادير في العام 2008 وكانت الولايات المتحدة الأمريكية هي السبب الرئيسي وراءها، وبتدقيق اشد نشير إلى إشكالية «التوريق»، أي تقدير أسعار الممتلكات بقيمة ورقية لا قيمة حقيقية، الأمر الذي أدى إلى انهيار عدد من كبار البنوك الأمريكية، مثل بنك ليمان براذر، وأدى إلى تأثر العالم كله شرقا وغربا.

وعودة إلى السؤال المتقدم، إذ يرى الاقتصاديون أن سبب الأزمة القادمة ربما يكون موصولا بطبيعة النظام الاقتصادي العالمي بالفعل، بمعنى انه في أعقاب النمو، لابد من أن يحدث ركود تلقائي، فالدورة الاقتصادية شأن اعتيادي يقر به رجالات الاقتصاد حول العالم، سيما وان هذه الدورة عادة ما تمضي بشكل منتظم وتتمثل في أربع دورات ازدهار، ثم ذروة، ثم ركود، ثم القاع، وهذه المراحل قد لا يشعر الكثيرون بها، كما يصعب التنبؤ بها أيضا، لكن غالبا بعد خروج الاقتصاد من القاع إلى مرحلة الازدهار، يكون الجميع في حالة من التحفظ والخوف من المخاطرة، بسبب الوضع السابق.

لا يتوقف المشهد عند الخطوات السابقة ذلك انه بعد مرور الوقت تندمج الأسواق مرة جديدة في حالة الازدهار، وتبدأ اقتصادات العالم في تحقيق معدلات نمو قوية، وسرعان ما تصل الاقتصادات الدولية إلى الذروة، ثم يظهر التحفظ، فالركود، ومن هنا تبدأ الأسواق في أعمال المناعة الداخلية لها، ويظن البعض وقتها انه ركود مؤقت، لكن الحقيقة انه يمتد ويشتد، ويصل لاحقا إلى القاع، ليمثل الأمر المرحلة الرابعة من دورة الاقتصاد العالمي التقليدية.

في أوائل شهر مارس الجاري نشرت صحيفة«لوفيغارو» الفرنسية تقريرا للخبير الاقتصادي « ديفيد كايلا»، تحدث فيه عما ينتظر العالم في السنة المالية الجديدة، وقال كايلا: انه على الرغم من الإجراءات التي قام بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وساعدت على تنظيم القطاع المالي في أمريكا وتخفيف العبء الضريبي، إلا أن مؤشرات الأسواق المالية الأمريكية أطهرت انخفاضا سريعا، الأمر الذي ينذر بحدوث أزمة اقتصادية.

هل يعني ذلك أن واشنطن ستكون ومن جديد السبب الرئيسي وراء نشوء وارتقاء أزمة مالية عالمية؟

بحسب الخبير الأمريكي فإن السياسة الأمريكية والقوانين والتشريعات التي وصفها بأنها غير متزنة التي قام عليها الرئيس ترامب ويقوم بين الحين والآخر، من رفع الرسوم على الدول الأوروبية والتخلي عنها لاحقا بالإضافة إلى الحرب الاقتصادية مع الصين، قد تدفع العالم نحو المجهول.

يخشى المسؤولون الاقتصاديون حول العالم من توجهات الرئيس ترامب المتغيرة يوما تلو الآخر، سيما وان ملامحه ومعالمه حتى الساعة تميل إلى كونه رجل اقتصاد وأعمال بأكثر منه رجل يتعاطى مع حقائق وطبائع الشؤون السياسية الدولية، ولهذا يخشى الكثيرون من أن تستمر حالة الاضطراب التي تشوب الولايات المتحدة.

ولعل القول إن الولايات المتحدة هي قاطرة العالم الاقتصادي، هو قول حقيقي وغير مغال فيه، فإذا أصيبت أمريكا بالبرد، ارتعش العالم برمته من جراء ما أصابها، والأمر نفسه ينسحب على الوضع الاقتصادي، ومؤخرا ظهر العجز الواضح في الموازنة السنوية الأمريكية، والذي يصل إلى نحو تريليوني دولار، أما الرقم المريع فهو مقدار الديون الخارجية الأمريكية والذي وصل إلى نحو 22 تريليون دولار، ما يعني أنها اكبر دولة مدينة حول العالم...

هل هذه الديون تسبب قلقا حقيقيا للاقتصادات العالمية؟

يبدو أن إشكالية الديون العالمية لا تتوقف عند الولايات المتحدة الأمريكية بنوع خاص، بل تمتد كذلك إلى بقية اجراءات العالم الأمر الذي اظهره تقرير حديث صادر عن معهد التمويل الدولي، والذي أشار إلى ارتفاع إجمالي الديون في العالم إلى اكثر من ثلاثة أمثال إجمالي حجم الناتج المحلي للاقتصاد العالمي.

وبحسب التقرير السنوي الصادر عن المعهد، فقد وصل إجمالي الديون العالمية خلال الربع الثالث من العام الماضي إلى 244 تريليون دولار، بزيادة نسبتها 12% عن مستوياته في عام 2016، ويعني هذا وصول معدل الدين العالمي إلى 318% من إجمالي الناتج المحلي لدول العالم، وهو ما يقل عن مستواه التاريخي في الربع الثالث من 2016 حيث كان 320 في المائة.

ماذا يعني الكلام المتقدم؟

باختصار غير مخل يشير إلى تعاظم المخاوف الموجودة منذ سنوات لدى خبراء الاقتصاد حول العالم من جراء تلك الديون وتأثيراتها على حركة الاقتصاد العالمي، سيما وان بيانات المعهد قد أظهرت زيادة طفيفة في ديون الدول المتقدمة، بما في ذلك ديون الشركات والحكومات والأسر، غير أن الزيادة الكبرى كانت في الأسواق الصاعدة التي قال المحللون الاقتصاديون إنها كانت الهاجس الأكبر خصوصا مع حجم الديون المستحقة السداد خلال عام 2019.

ولعله قد لا يستقيم الحديث هذه الأيام عن أحوال الاقتصاد العالمي من دون التوقف أمام مآلات اقتصاد الصين والتي يتوقع الجميع أن تسبق الاقتصاد الأمريكي خلال عقدين على أقصى تقدير.. ماذا عن تلك الأوضاع وهل تساهم في زيادة أبعاد الأزمة الاقتصادية أم تيسر إيجاد حلول لها ؟ يرى الخبير الاقتصادي « سيامون رابينوفيتش» أن الخطر الأبرز الذي سيواجه الاقتصاد الصيني في عام 2015 يتمثل في الرسوم الجمركية، حيث تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية زيادة الروسم الجمركية على الواردات الصينية من 10% إلى 25%، وإذا كان بعض مستشاري الرئيس ترامب يعتقدون أن انهيار الاقتصاد الصيني نتيجة لزيادة هذه الرسوم، إلا أن الأثر الأبرز لذلك هو حدوث انخفاض في نمو الاقتصاد الصيني من 7% إلى اقل من 6%.

هذه الحرب التجارية بين الدولتين ستجبر الصين على تغيير سياستها الاقتصادية، مثل تثبيت مستوى الديون، واتخاذ مزيد من اجراءات التقشف، وتخفيض الضرائب على الشركات، واتباع سياسات مختلفة لإدارة العجز المالي، ومن الممكن أن تقود تلك الإجراءات إلى تخفيف حدة ضعف الصادرات الصينية، وسيكون على الصين أيضا أن تحارب من أجل دعم عملتها « اليوان»، فإذا أرادت أن يكون اليوان عملة دولية فإنه يجب عليها تعزيزها، خاصة في ظل تقلص الفائض التجاري الصيني في عام 2019.

مشكلة الصين في واقع الحال لا تكمن في الديون فقط، إذ أن التنين الصيني الذي كان بمثابة قاطرة النمو الاقتصادي العالمي خلال عقدين يواجه تراجعا حادا في النمو، وهو ما سيكون تأثيره مضاعفا في الاقتصاد العالمي، فازدهار الصين الذي كان صمام أمان في مواجهة أحوال الاقتصاد العالمي المضطرب مرجح للتباطؤ بشكل غير مسبوق ما يجعل العالم برمته أمام تحد أساسي في مواجهة العوامل المعاكسة المتصلة بالتجارة، ومواصلة جهود الحد من المخاطر المالية في الوقت نفسه، بينما سيؤثر التباطؤ العالمي وزيادة الرسوم الجمركية الأمريكية في صادرات بكين.

في اكثر من مقال سابق اشرنا إلى الارتباط الكبير بين الاقتصادين الصيني والأمريكي، وفي كل الأحوال يمكن القطع بأن ما يجري في الداخل الأمريكي يؤثر بدرجة كبيرة على مسارات ومدارات الاقتصاد الصيني، وقد بدا الصينيون بالفعل في إبداء مخاوف عريضة من ارتفاع ديون الشركات الأمريكية غير المالية والتي بلغت نحو 6 تريليونات دولار، بما فيها نحو 4 تريليونات دولار تستحق على مدار السنوات الخمس المقبلة.

هل لهذا يمكن أن يسحب الصينيون استثماراتهم وودائعهم من البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي؟

مثل هذه الخطوة في واقع الأمر ستعقد من أوضاع الاقتصاد الداخلي الأمريكي، وستعاظم من مخاوف المستثمرين الأمريكيين من جراء ديون الشركات الأمريكية، وعلى سبيل المثال في أوائل يناير الماضي ارتفعت تلك المخاوف إلى عنان السماء عندما هبطت أسواق الأسهم العالمية بشكل حاد بقيادة وول ستريت، وذلك بصورة مفاجئة مما أثار الرعب داخل أسواق المال، إلا أن تفسيرات المحللين أكدت أن هذا الهبوط جاء بردة فعل على ارتفاع العوائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل خمس سنوات من اثنين وأربعة من عشرة في المائة إلى ثلاثة في المائة.

إلى أين تتجه أنظار البنك الدولي في بقية العام الجاري من حيث الأوضاع الاقتصادية العالمية، وهل يتوقع خبراؤه نفس الأزمة أم الوضع مختلف ولو قليلا؟

يبدو أن تلك المؤسسة المالية الدولية بدورها تتوقع أن يتباطأ الاقتصاد العالمي إلى اثنين وتسعة من عشرة قياسا بثلاثة وثلاثة من عشرة في المائة عام 2018، ومرد ذلك تصاعد التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والصين، وضعف حركة التجارة العالمية.

في تقرير لها بعنوان «آفاق الاقتصاد العالمي» تقول الرئيسة التنفيذية للبنك الدولي «كريستينا جورجينا»، انه في بداية العام 2018 كان الاقتصاد العالمي يعمل بكامل طاقته لكنه فقد القوة الدافعة خلال العام بل إن الطريق قد يصبح اكثر وعورة في 2019.

ووفقا للتقرير فإن آفاق الاقتصاد العالمي لعام 2019 قاتمة، حيث إن التجارة والاستثمار يشهدان تراجعا على الصعيد العالمي، ومازالت التوترات التجارية مرتفعة.

ورجح البنك الدولي أن يتباطأ الاقتصاد الأمريكي إلى اثنين ونصف في المائة هذا العام من اثنين وتسعة من عشرة في 2018، فيما يتوقع أن ينخفض نمو الاقتصاد الصيني إلى ستة واثنين من عشرة مقارنة بستة ونصف في 2018.

ويبقى السؤال المهم والحيوي قبل الانصراف: «هل لدى العالم العربي خطط استشرافية لملاقاة تلك الأزمة القادمة حال حدوثها، وحتى لا تتكرر ماسي وأخطاء الأزمة السابقة؟

يتمنى المرء أن تكون هناك حالة عالية وواعية من الوعي، تجنب الوقوع في دائرة الأخطار السابقة، وربما كانت المخاوف القادمة دافعا إيجابيا لتعظيم التعاون الاقتصادي والاستثماري العربي المشترك، وحتى تتحول الأزمة الآتية حال حدوثها إلى فرصة مستقبلية قبل وقوع الخطر مرة ثانية.