أفكار وآراء

العالم لايزال بحاجة إلى الناتو

15 مارس 2019
15 مارس 2019

أورسولا فون دير لايين - المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية -

ترجمة - قاسم مكي -

في أبريل القادم ستحتفل منظمة معاهدة شمال الأطلسي (حلف الناتو) بعيد ميلادها السبعين. لايزال هذا الحلف الذي تأسس في الأعوام المبكرة من حقبة الحرب الباردة (بين الغرب الرأسمالي والاتحاد السوفييتي الشيوعي) مفيدا بنفس القدر اليوم كما في السابق، حيث يشعر العديدون أن النظام العالمي يهتز مرة أخرى. وفي الحقيقة لو لم يكن الناتو موجودا لكان قد اخترعه أولئك الذين يفضلون العيش في عالم حر.

وفي حين أن الغرض الأساسي من الناتو يتمثل في ضمان أمن أعضائه إلا أنه لم يكن أبدا تحالفا عسكريا صرفا. فهو أيضا تحالف سياسي يرتكز على طموحات مشتركة لأعضائه الذين عقدوا العزم، حسبما تذكر معاهدة الناتو، على «حماية الحرية والإرث المشترك لشعوبه وحضارتهم القائمة على مبادئ الديمقراطية وحرية الفرد وحكم القانون». لكن هذه المبادئ تتعرض للهجوم. فالعدوان الروسي في أوروبا الشرقية وتعزيز الصين لوجودها في بحر الصين الجنوبي وتمدد إرهاب داعش من الشرق الأوسط إلى عواصم أوروبا والأنظمة الاستبدادية التي تعكف على تطوير أسلحة نووية كلها تحديات يجمعها خيط واحد رغم اختلافها وتباينها. ذلك أن مبعثها فاعلون يعارضون النظام العالمي. إنهم (أي هؤلاء الفاعلون) يحاولون تقويض أو حتى تبديل القواعد التي ظلت تحكم عصر الديمقراطية والازدهار منذ الحرب العالمية الثانية.

لذلك فديمقراطيات الناتو بحاجة إلى الوقوف معا للتغلب جماعيا على هذه التحديات. فنحن (حين نتصرف) معا أقوى من أقوى بلد منا (يتصرف) بمفرده.

بناء على هذا الأساس، ومنذ عام 2014 حين غزت روسيا أوكرانيا، تواءم الناتو مع الوضع الماثل كما سبق له أن فعل ذلك مرات عديدة في السابق. إن مثل هذه المواءمات تكون معقدة دائما بل وأحيانا فوضوية وسط 29 بلدا عضوا في الحلف يتمتع كل منها بالسيادة وأيضا بثقافة سياسية ووجهة نظر مختلفة. لكن قدرة الناتو على تغيير أولوياته واستراتيجياته تضمن بقاء هذا الحلف على مر الزمن. والنتائج محسوسة. فقد زاد كل أعضاء الناتو الأوروبيين من حجم إنفاقهم العسكري. مثلا ارتفعت الموازنة الدفاعية الألمانية اليوم بنسبة 36% مقارنة بحجمها عندما توليت وزارة الدفاع في أواخر عام 2013. ولايزال لدينا الكثير لنفعله من أجل الاقتسام المنصف للعبء داخل الحلف. ونحن على استعداد لفعل المزيد. لكننا أيضا نضع في بالنا أن اقتسام العبء لايتعلق فقط بالنقود (ببذل المال) ولكن أيضا بالقدرات والمساهمات. لذلك تعتز ألمانيا، باعتبارها ثاني أكبر مساهم بالجنود، بقيادة قوة المهام المشتركة فائقة الاستعداد في حلف الناتو.

كما زاد الناتو أيضا من حجم وجوده في أوروبا الشرقية ويلعب دورا نشطا في تدريب قوات الأمن العراقية ويساهم بالمراقبة في الحرب ضد داعش ويواصل دعم الحكومة الأفغانية ويطور شراكاته مع البلدان المشابهة له في توجهاته مثل استراليا واليابان هذا بالإضافة إلى أعمال أخرى كثيرة.

يشكل الناتو، من خلال الوفاء بمهامه الجوهرية الثلاثة وهي الدفاع الجماعي وإدارة الأزمات والشراكات، مدماك بناء لا بديل له في تشييد النظام العالمي الذي يحبذ الحرية والسلم. والأهم من كل شيء آخر أن الناتو ليس منظمة عبر أطلسية بالاسم فقط. فهو يمثل رابطة خاصة بل حتى عاطفية بين القارتين الأمريكية والأوروبية.

في نظر المواطن الألماني لا تنفصل صور سقوط حائط برلين عن صورة الحلف. ويشعر بلدي بالامتنان خصوصا تجاه الأمن والفرص التي ظل الناتو يقدمها على مدى عقود. لذلك (نقول): نعم للناتو قيمة في حد ذاته إلى جانب منافعه العملية المتجسدة في القواعد والهياكل والقوات. ربما تتمثل الفائدة الأساسية للناتو في أنه حلف يمكن الاعتماد عليه في عالم يفتقر إلى الاعتمادية والموثوقية. فالتزامنا الذي لا يتزعزع بالبند الرابع من معاهدة الناتو الذي ينص على الدفاع الجماعي يشكل ضمانا بأن أمننا المشترك غير قابل للانقسام حقا. ذلك أننا سنقف إلى جانب أضعف حليف من حلفائنا تماما كما حدث وأن وقفنا إلى جانب أقوى حليف لنا بتطبيق نص البند الخامس لأول وآخر مرة في تاريخ الناتو بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 (في الولايات المتحدة).

لذلك فأمر جيد أن الاتحاد الأوروبي يتخذ الآن خطوات مهمة لتعزيز قوته العسكرية.

وإذا نجح أعضاء الاتحاد في مواءمة خططهم الدفاعية ومشترياتهم العسكرية وكذلك تشبيك قواتهم المسلحة فسيشكل كل ذلك إضافة لقوة الناتو. وحين يكون حلف الناتو أقوى شكيمة سيخدم المصالح الأمنية لكل أعضائه.

والأهم أنه سيبعث برسالة واضحة لكل أولئك الذين يعارضون النظام العالمي «المرتكز على قواعد» بأننا نحن الحلفاء الغير- أطلسيين على استعداد وراغبون في الدفاع عن ترابنا وشعبنا وحريتنا.

* الكاتبة الوزيرة الفيدرالية للدفاع الألماني.