1158463
1158463
إشراقات

عبدالله القنوبي: الأخلاق ترجمان العقيدة الراسخة تسوس حياتنا وتوجهنا التوجيه الرشيد

14 مارس 2019
14 مارس 2019

علينا أن لا نأخذها من واقع التنظير وإنما من واقع التطبيق والعمل -

متابعة : سالم بن حمدان الحسيني -

الأخلاق هي التي تسوس حياتنا وتنظم منهجنا وتوجهنا التوجيه الرشيد، وهي ترجمان العقيدة الراسخة والعبادة الخالصة، فمن رسخت عقيدته لن يصدر منه إلا كل خلق فاضل.. والغاية الأسمى من هذه المنظومة الأخلاقية التي دعا إليها ديننا الإسلامي الحنيف تطبيقها في واقع حياة المسلم.. ذلك ما أوضحه الشيخ عبدالله بن سعيد القنوبي إمام وخطيب جامع السلطان قابوس بالسويق.

وأكد في محاضرة له أن المنظومة الأخلاقية التي أرشد إليها الإسلام إن تمسكنا بها كانت لنا العزة والتمكين في الأرض، وان تخلينا عنها ضاعت قيمنا ومبادئنا، فعلينا أن لا نأخذها من واقع التنظير وإنما من واقع التطبيق والعمل، مؤكدا على وجوب صلة الأرحام، وإن حد القربى هم ما دون خمسة آباء حسبما ورد عند الشيخ الجيطالي، مؤكدا أن من أحق الواجبات على الأهل مع الزيارة السؤال عن حالهم وصحتهم وإعانتهم إن احتاجوا وتهنئتهم في الفرح ومواساتهم في الأحزان وأن يقدم لهم النصيحة الخالصة، وهنا الجزء الأول من هذه المحاضرة القيمة..

لا شك أننا جميعا بحاجة إلى الأخلاق فهي التي تسوس حياتنا وتنظم منهجنا وتوجهنا التوجيه الرشيد، بل هي الترجمان لديننا، فإذا كان ديننا مكونا من عقيدة وعبادة فإن الأخلاق هي ترجمة للعقيدة الراسخة وللعبادة الخالصة، فمن رسخت عقيدته لن يصدر منه إلا كل خلق فاضل، ومن حسنت عبادته وخلصت لله، فلن يخرج من أثر هذه العبادة إلا كل خلق نبيل، ولذلك إذا كانت المدنية الغربية قدمت للإنسانية كل ما تحتاج إليه في المادة التي يستخدمها الإنسان من أصغر شيء إلى أكبر شيء فإنه يجب أن يقدم الإسلام المعنوية أي الجانب الروحاني والخلقي والمعنوي ولذلك في مقابلة أجريت لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة - حفظه الله - سأله المذيع: إن الحضارة الغربية أعطتنا كل شيء، فما الذي يمكننا نحن أن نعطي الحضارة الغربية؟ أجاب قائلا: نعطيهم الأخلاق.

وأوضح القنوبي أن الحضارة المادية إذا لم تربط وتضبط بالأخلاق لا فائدة منها، إنما هي ضائعة، موضحا: أن كياننا وديننا الإسلامي الحنيف يقوم على الأخلاق، وهذا لا يعني أن نترك التصنيع والإبداع في المادة، وإنما يعني أن الكنز المدفون في ديننا هو الخلق الفاضل، وأشار إلى أن أحد فلاسفة الغرب عندما تطرق إلى مشكلات العالم الغربي قال: لو أن محمدا بعث من جديد لحل مشكلات العالم في جلسة واحدة، لأنه جاء بالأخلاق النبيلة التي تضع لكل مشكلة حلا، وبيّن في ثنايا حديثه أن القرآن الكريم تطرق إلى مجموعة من الأخلاق النبيلة الفاضلة في فاتحة سورة الإسراء في الآيات الأولى في قوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) إلى قوله تعالى: (ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ)، ذكر فيها منظومة أخلاق رائعة جدا في آيات لا تتجاوز 30 آية، لو وضعت على مشكلات الأرض والدنيا والناس لحلتها جميعا، فقد ذكرت عبادة الله وبر الوالدين والإحسان إلى ذوي القربى، وذكرت النفقة والاقتصاد في التوسط بين التقتير والتبذير، وذكرت حرمة الاقتراب من الفواحش، وحرمة قتل النفس البريئة وإزهاق النفوس الطاهرة وإسالة الدماء وذكرت الميزان وعدم التطفيف وذكرت الجانب الخلقي، عدم الاختيال والتكبر والتبختر في الأرض.

وأوضح في محاضرته أن من عظمة ديننا بأن الذي قال لنا: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ) هو الذي قال لنا: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا)، ولقمان عندما وصى ابنه: (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) هو الذي وصاه في قوله: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ).. فإذا الدين جزء لا يتجزأ فهو منظومة واحدة فأي عبادة لله لا ترشدك إلى الأخلاق لا فائدة فيها، وأي توحيد وتوجه إلى الله لا يرشدك إلى المعاملة الحسنة لا فائدة منها، فكيف بإنسان يصلي ويزكي ويحج ومع ذلك فهو سيء الأخلاق، سيء المعاملة إلى والديه، ومعاملته لأهله وأولاده، ومعاملته لجيرانه، وفي بيعه وشرائه، وفي أخذه وعطائه، فهو إذن لم يفهم العبادة الصحيحة التي من نتيجتها المنظومة الفاضلة في الإسلام.

وأضاف قائلا: انه عندما كتب كل من الفلاسفة الإسلاميين وغيرهم عما يسمى بالمدينة الفاضلة في تصورهم وهي المدينة التي يجتمع فيها كمال الأخلاق، وكمال التنظيم عدوها لا تتجاوز مما جاء به الإسلام والقرآن الكريم، فهم وضعوا خطوطا عريضة لتلك المنظمة الأخلاقية حلموا بتطبيقها في مدينتهم فهي موجودة لكنها غير مطبقة، ولكن عندما ينزلها الناس في واقع الحياة فإن ذلك يعني أن الإسلام قد طبق، فالأخلاق إذا وضعت كما توضع الأشياء على الطاولة، فعندما نتحدث عن الصدق والأمانة والإتقان والتواضع ولا نجدها في الحياة فهي مفقودة عند الناس ولم يعمل بها في واقع الحياة تصبح لا فائدة منها، فلا يمكن أن تساس هذه الحياة عندما يدعي الصدق اكذب الكاذبين والذي يأمر بالأمانة اكثر الخائنين، وذلك الذي يرشد إلى التواضع هو واحد من المتكبرين، مبينا: انه عندما نجلس في مجالسنا نتطرق إلى هذه الأخلاق الفاضلة لكن عندما يذهب بعضنا للتعامل مع الحياة نجد انه يبتعد عن الأخلاق، لأننا أخذنا هذه المنظومة الأخلاقية من واقع التنظير وليس من واقع التطبيق والعمل، وأما صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم أخذوا منظومة الأخلاق من واقع العمل، قبل أن يكون من واقع التنظير، أو تقعيد القواعد، فهم يقرأون القرآن ويطبقونه في حياتهم حرفا حرفا، تقول السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها عندما نزلت آية الحجاب في سورة النور: «انقلب الصحابة إلى زوجاتهم في البيوت يأمرونهن بالحجاب بما أمرهن الله عز وجل ويتلون عليهن آيات الله، فقمن إلى مروطهن - أي إلى ثيابهن الموجودة في بيوتهن - فشققنها - أي قطعنهن إلى قطع واعتجرن بها، أي لبسنها فأصبحن كالغربان لا يُرى منهن شيء».. مبينا: أن هذه التعاليم هي منظومة أخلاق أرشد إليها ديننا الحنيف إن تمسكنا بها كانت لنا العزة والتمكين في الأرض، وان تخلينا عنها ضاعت قيمنا ومبادئنا، موضحا: أن أي قيم ومبادئ لا تحترم من قبل المسلمين لا يحترمها غيرهم، فلا يمكن عندما لا نحترم تلك القيام والمبادئ التي ارشد إلينا ديننا ونرشد الغير ممن لا يؤمن بهذه المبادئ أن يحترمها، مبينا: أن المسلم عندما يتخلى عن دينه يذل لعدوه فيصبح لا قيمة له.

وأشار القنوبي إلى أنه في هذه المحاضرة نتناول مجموعة من الأخلاقيات وهي معلومة لدى الجميع لكن نريد أن نصل إلى الغاية الأسمى وهي كيف نطبقها في الحياة وكيف وضع لها العلماء القواعد المتينة ففي كتاب قواعد الإسلام للشيخ إسماعيل بن موسى الجيطالي - رحمه الله - المتكون من جزأين وهو في الأخلاق والعبادات يقول في الفصل الأول من حقوق القربات: يقول الحق سبحانه: (وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا).. ففرض الحق سبحانه وتعالى حق القرابة والأرحام فقال: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ) فالله سبحانه وتعالى يذكر هنا القربى بعد أمره بعبادته، وبر الوالدين، مبينا: أن القرابة في المفهوم العام يشمل كل قريب، والقريب هو كل من يقرب منك جسدا وروحا، أو بيتا، وقد عظم الله القربى والرحم، فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم عن رب العز والجلال في الحديث القدسي: «أنا الرحمان خلقت الرحم، واشتققت لها اسما من اسمي فمن وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته»، ويقول سبحانه: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) فقط ربط سبحانه بين الإفساد في الأرض وتقطيع الرحم، وتعجب أن الله سبحانه لعن أولئك، حيث اتبع الحق ذلك بقوله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ، أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)، ومع ذلك فهناك أشخاص يقطعون أرحامهم ربما بعضهم لم يصل رحمه أكثر من عشرين سنة، وليس بينهم إلا حطام الدنيا الفاني، أو خصومة عابرة، أليس ذلك قطيعة ورحم وفساد في الأرض، فلذلك يعظّم الله سبحانه وتعالى شأن القربى والرحم ويلعن من يقطعها كما أن الله يصل من وصلها.

وقال: إن الشيخ إسماعيل الجيطالي - رحمه الله- يقول: وأنفذ الوعيد الشديد في قاطعهما فقال: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)، وفي موضع آخر يقول سبحانه: (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)، واجمع الناس - أي العلماء - على وجوب حق القربات واختلفوا في حدها، فقال قوم: هم ما دون خمسة آباء، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا نزلت عليه: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) دعا من دعا من بطون قريش فأنذرهم، ويقال اتخذ طعاما فدعا إلى اربع درجات، أي اربع درجات من القربى، واختلفوا في الخامس، وجعل الله تعالى لقرابته صلى الله عليه وسلم في الخمس نصيبا فخص من ذلك بني هاشم وبني المطلب دون عبد شمس ونوفل، وقال قوم: القرابة ما دون سبعة آباء ـ وقيل ما دون الشرك، والله أعلم.

وورد في الكتاب: إن من جملة حقوق الأقارب أن يواسيهم الإنسان بنفسه وماله إن كانوا محتاجين، ويحضر لفرحهم وحزنهم ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، وبيّن القنوبي: أن صلة هذه القربة تكون معنوية وتكون مادية فالمعنوية أن تحبهم بقلبك وأن تفرح لفرحهم، وأن تتألم لألمهم، ثم بعد ذلك الجانب المادي، مبينا: أن العداوات بين الأقربين تنشأ من عدم الزيارة وعدم السؤال وعدم السلام، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: «وخيرهما الذي يبدأ بالسلام»، كما أن الإسلام قنن جوانب كثيرة ومن ذلك أن الصغير يسلم على الكبير، والجاهل على العالم، والأبناء على الآباء، والبنات على الأمهات، وهكذا، مشيرا إلى ما يحدث في الوقت الحالي أن كثيرا من الآباء هم الذين يأتون للسلام على الأبناء الذين استقلوا بحياتهم الزوجية، والأبناء لا يسألون عن آبائهم وأمهاتهم إلا نادرا، مؤكدا: أن ذلك مخالف لمنظومة الأخلاق الإسلامية.

وأضاف: إن الجانب الثاني الذي أشار إليه الشيخ الجيطالي مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلم تكن مسألة الوصل ضحكات وهدايا فحسب بل مسألة إصلاح، ونصيحة وأمر بمعروف ونهي عن المنكر، حيث إن الدين النصيحة، كما جاء في الحديث الشريف، قالها ثلاثا: قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ورسوله وكتابه، ولأئمة المسلمين وعامتهم، فمن يزور أقاربه أن رآهم على خير يشجعهم عليه، وان يراهم على خطأ أو معصية ينصحهم ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، مشيرا إلى أن من أحق الواجبات على الأهل مع الزيارة السؤال عن حالهم وصحتهم وإعانتهم أن احتاجوا وتهنئتهم في الفرح ومواساتهم في الأحزان وان يأمرهم بالمعروف وأن ينهاهم عن المنكر ويقدم لهم النصيحة الخالصة، ولذلك عندما جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله إن لي جيرة أصلهم ويقطعونني، وأحسن اليهم ويسيئون إليّ، فقال صلى الله عليه وسلم له: إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملّ»، وهنا النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر ذلك الرجل أن يقطع رحمه أو جيرنه، ومعنى يسفهم الملّ أن بإحسانه ذلك إليهم وإساءتهم له فكأنه يلقمهم الرماد الحار، ومعنى ذلك أن إساءتهم راجعة اليهم ولا تضره شيئا، وعليه أن يواصل إحسانه وصلته بهم.

وقال: كما ورد عند الجيطالي قوله: وان منعه الخوف عن زيارتهم فليواصلهم ولو بالسلام في الكتاب ولا يقطعهم إن قطعوه، وليعطي لهم حقهم وان حرموه، وفي الحديث: «أفضل الصدقة صدقة على ذي الرحم الكاشح»، والكتاب هنا بمعنى: الرسالة، أو بالاتصال إلى غير ذلك من وسائل التواصل، والكاشح هو الذي ليس عنده شيء، وأشار القنوبي إلى أن المتصدق على قريبه المحتاج له أجران اجر الصدق وأجر صلى القربى، مضيفا: ومن الغريب أننا نجد بعض الناس تكون أخلاقه عالية مع الناس البعيدين سواء كان في العمل أو في الدراسة ومع الزملاء أو الأصدقاء بعكس معاملته مع أهله يعاملهم معاملة سيئة، متناسيا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» مبينا: انه من ليس فيه خير لأهله فليس فيه خير لباقي الناس. كما ورد عند الجيطالي: ويقال: إن عمر رحمه الله أمر الأقارب أن يتزاوروا لا يتجاوروا، وإنما فعل ذلك لأن التجاور يوجب التزاحم على الحقوق فربما يؤدي إلى الوحشة، وقطيعة الرحم، والله أعلم.

وورد في الكتاب: والذي يبدو لي والله أعلم أن هناك فرقا بين الأقربين والأقارب وذوي القربى، فالأقربون لصيغة التفضل دلالتها هم الذين يجمعهم الجد الرابع، ويدل على ذلك أن الله سبحانه لما أنزله قوله: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) جمع عليه الصلاة والسلام أبناء عبد مناف، وهاشم والمطلب ونوفل وعبد شمس أي اربع بطون من آبائه، ليدعوهم إلى الإسلام، فبدأ دعوته صلى الله عليه وسلم بأقربائهم تنفيذا لأمر الله سبحانه، حيث عمل لهم مائدة وخصهم بتبليغ الإسلام قبل الناس، مضيفا: انه من المعلوم أن هؤلاء يجمعهم الجد الرابع، بخلاف الأقارب - جمع قريب - وهم الذين يجمعهم الجد السابع، والدليل على هذا أن أبا طلحة الأنصاري رضي الله تعالى عنه تصدق بأرضه «بيرحاء» فقال له صلى الله عليه وسلم: اجعلها لفقراء أقاربك، فجعلها لحسان بن ثابت، وأبيّ بن كعب اللذين يجمعهما به عمر بن مالك من بني النجار، وهو الجد السابع الجامع، فكان أبو طلحة لما نزل قوله تعالى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)، قال: يا رسول الله جعلتها لله ولرسوله، فقال صلى الله عليه وسلم: بخ بخ، ذلك مال رابح، وفي رواية: ذلك مال رائح، أي يروح بصاحبه إلى الجنة. ثم صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة: إني أرى أن تضعها في أقربائك، فرده صلى الله عليه وسلم أن يهب هذا البستان الجميل لأقربائه فمنحها لحسان بن ثابت وأبي بن كعب اللذين يجتمعان بأبي طلحة في جده السابع. فهي صدقة وقربى وصلة رحم.