1160405
1160405
المنوعات

العراقيون يتنفسون الثقافة كل جمعة في حدائق القشلة وما يجاورها

14 مارس 2019
14 مارس 2019

على أنغام الموسيقى وصوت الشعر.. ورائحة الورق -

بغداد- «د.ب.أ»: تكتظ حدائق مبنى القشلة أو ديوان الحكومة التاريخي كل يوم جمعة بالمئات من العراقيين لقضاء أوقات من المرح، والشعر، والغناء، والحوارات الأدبية والثقافية والسياسية، وبشكل ملفت يعكس حالة من انتعاش الأمن والاستقرار.

ويتوافد منذ ساعات الصباح كل يوم جمعة المئات من العراقيين بمختلف الأعمار ومن مختلف المناطق على حدائق قشلة بغداد، أو تسمى حديقة السراي، مقر الحكومة العراقية بعد عام 1851 خلال حقبة الحكم العثماني وبعدها الحكم البريطاني، ثم الحكم الملكي لقضاء ساعات من المرح والسعادة للاستماع إلى أغان عراقية قديمة يؤديها مطربون هواة من مختلف الأعمار وأشعار في مشهد آخذ في التزايد بعد استقرار الأوضاع الأمنية في العراق.

والقشلة هي مفردة من اللغة التركية تعني مقر الجنود أو الحصن شيدت في عهد الدولة العثمانية، وهناك عدة أماكن في العراق تحمل نفس الاسم وتتوسط حديقتها ساعة كبيرة كانت محط إعجاب البغداديين ترتفع عموديا بأربعة أوجه تعلوها منارة تضم مؤشرًا حديديا يوضح اتجاهات الرياح من أربعة أوجه وعمرها أكثر من قرن ونصف أعيد تشغيلها بعد تغيير النظام العراقي.

وإلى جانب هذه المشاهد يحرص رواد هذه الحديقة على ارتداء أزياء شعبية كتقليد لتاريخ بغداد وتجانس أبنائها، فضلًا عن أن بعضهم يحرص على اصطحاب عائلته للمشاركة والمشاهدة لهذه الأجواء التي تعكس استعادة بغداد لعافيتها وألقها.

وقال خلدون الطائي (‏53عاما)‏: «التواجد في حدائق القشلة أصبح تقليدًا أسبوعيًا يتم الإعداد له مبكرا من خلال الاتصال بالأصدقاء والمعارف وأحيانا العائلة لقضاء أوقات رائعة والتجوال بين أروقة المبنى والاستئناس بأجوائها الفنية والأدبية والثقافية والاستماع إلى أغاني الزمن الجميل بأصوات هواة بأعمار مختلفة».

وأضاف: «المنطقة المحيطة بمبنى وحدائق القشلة تجعلك تعيش في عالم جميل، فبإمكان الشخص قضاء أوقات على ساحل نهر دجلة، أو المقاهي القديمة، والجلسات الأدبية والثقافية أو زيارة المتحف وسوق الكتب وبشكل عام المكان ساحر ورائع».

ويحيط بمبنى القشلة سوق شارع المتنبي الشهير بتجارة الكتب التي أخذت بالاتساع، حيث تكتظ بعناوين لم تشهد لها البلاد مثيلا منذ عشرات السنين، حيث يتمتع رواد هذا السوق بالتجول حول الكتب المعروضة على طول الشارع.

كما تشهد المقاهي البغدادية التاريخية القريبة من القشلة وأبرزها مقهى الشابندر والزهاوي والبيت الثقافي البغدادي اكتظاظا كبيرًا وملتقى للمثقفين، والإعلاميين، ومسؤولين كبار ودبلوماسيين للاستماع إلى آراء الكتاب والمثقفين، والتوقيع على الإصدارات الجديدة فضلا عن الاحتفاء بشخصيات عراقية مؤثرة لها باع كبير في السياسة والأدب والشعر والفن.

وإلى جانب هذه الفعاليات الإبداعية تشهد أروقة حدائق القشلة وخارجها معارض شخصية لفنانين شباب تعرض فيها لوحات غاية في الإبداع وأخرى لرسوم الكاريكاتير تعكس هموم العراقيين وأسواق متفرقة لبيع منتجات شعبية ويدوية فيما يحرص عدد من الرسامين على استضافة زبائن لرسمهم أمام الجمهور، حيث تلقى هذه الفعاليات استحسان الجمهور ورغبتهم في المشاركة فيها.

وقالت مروة سلمان (‏48 عامًا)‏ وهي موظفة حكومية» زيارة مبنى القشلة والتجوال في سوق السراي والمتنبي أصبح تقليدًا نحرص عليه كل يوم جمعة وأصبح لنا أصدقاء ومعارف نحرص على الاجتماع بهم لقضاء أوقات غاية في الروعة».

وأضافت: «الملفت أن يوم الجمعة أصبح للكثير من العراقيين وأهالي بغداد يوما مخصصا لزيارة سوق المتنبي والتجوال في حدائق القشلة والاستماع إلى طروحات المثقفين والشعراء فضلا عن هموم المجتمع واستذكار كبار المثقفين والشعراء والكتاب والأكاديميين».

وتبدو بغداد غاية بالجمال وهي تشهد هذه الفعالية، حيث تحرص القوات الأمنية على فرض إجراءات أمنية مشددة تتيح للجمهور التجوال بحرية في شارع الرشيد الذي أعيد افتتاحه مؤخرًا أمام حركة السيارات بعد إغلاق دام سنوات بعد انهيار الوضع الأمني في بغداد.

ويحرص زوار بغداد من العرب والأجانب على التواجد في حدائق القشلة وشارع المتنبي والأبنية التاريخية المحيطة بها على ضفاف نهر دجلة التي تحمل عبق تاريخ بغداد فضلا عن الاستمتاع بالوصلات الغنائية التي يؤديها هواة بمختلف الأعمار على أنغام موسيقيين هواة متمرسين تحظى بقبول كبير وارتياح من الجمهور.

وقال محمد خليل (‏31عاما)‏ وهو طالب دراسات عليا «أحرص على أن أكون صبيحة كل يوم جمعة في منطقة سوق المتنبي ومبنى القشلة لاعتبارات كثيرة أبرزها أنها تضم عالما جميلا من الفن والرسم والأدب، وثقافة راقية يديرها مهتمون ومتخصصون دون رقابة وتعبير حقيقي لحرية الرأي في شتى المجالات... فأنت تشاهد شعراء وكتاب ومثقفين يطرحون آراءهم بمنتهى الحرية وبأجواء راقية بعضها تجذب تفاعلا من قبل الحضور، وتبادلا لوجهات النظر بطريقة حضارية».

ولا يختلف اثنان على أن حالة الفرح والابتهاج التي يعيشها البغداديون في حدائق مبنى القشلة تعكس شخصية العراقيين التواقين للعيش في أمن واستقرار بعيدا عن المشهد الدموي الذي الذي خلفته الأحداث بعد عام 2003، وما تبعها من أعمال عنف واقتتال عرقي.

ويقوم رواد حدائق القشلة بتوثيق ساعات تجوالهم التي تستمر لساعات، ومن ثم تبادلها عبر شبكات التواصل الاجتماعي عبر كاميرات أجهزة الموبايل أو الكاميرات الشخصية في ظل أجواء من البهجة والفرح تجذب تفاعلا، ومن ثم الاتفاق على زيارة المنطقة مجددا.