AZZA
AZZA
أعمدة

«مدق الحناء».. تعزف على أوتار أحلام الشعوب المحتلة

13 مارس 2019
13 مارس 2019

د.عزة القصابي -

يتصالح العمل الفني مع عناصره الفنية، عندما يستطيع التعبير عن قضيته، عبر معادل موضوعي قوامه الاستشعار بأهمية الدراما في رصد القضايا الإنسانية كالحرية، التضحية، والدفاع عن الوطن والتنديد بالحاكم المستبد.. وغيرها من الموضوعات التي يمكن أن تطرح في نصوص المسرح والدراما والأدب.

قدم المخرج يوسف البلوشي تصورا إخراجيا لمسرحية «أم الخير» للكاتب السعودي عباس الحايك، وذلك بدءا من استبدال عنوان المسرحية بآخر جديد هو «مدق الحناء». صانعا من النص دراما إنسانية تفوح منها رائحة الحناء العماني عبر طقس تراثي غنائي، يمزج بين شجون وآلام وأحلام الشعوب المحتلة، وأملها في انبثاق الحرية والسلام من جديد.

تتمحور القضية الأساسية في هذه المسرحية حول النضال ضد المحتل (رسلان) مع رجاله حول الاستيلاء على السفينة(الوطن)، التي صنعها أهالي البلاد، والذين كانوا يعملون ليل نهار على تشيدها وتصميم هيكلها قرب ساحل البحر.

ترمز شخصية رسلان للقوى الاحتلال أو الغرباء الذين يطمعون في مد نفوذهم إلى بلاد أخرى. ولقد أحضر رسلان جيشا من المرتزقة أطلق عليهم لقب (العبيد) للتأكيد بأنهم ليسوا جنودا، فهو يمتلك هؤلاء الجنود ويتحكم في أرزاقهم. واختار القائد رسلان الشاب هجرس من أهل البلاد المحتلة، ليكون عميلا له ويساعده في السيطرة على الشعب، وحماية مصالحه.

وساهم ارتفاع صوت مدق الحناء في تصعيد الحدث الدرامي، والعمل على زيادة حدة وتيرة الصراع حدة بين رسلان الذي كان يمارس القمع وأهالي المدينة، خاصة بعد أن استولى على السفينة، وأعلن نفسه قائدا.

استمر الشعب في نضالهم، وسعوا إلى تكوين حزب شعبي هدفه إزاحة المحتل، والانتفاضة بقيادة صقر بغية إسقاط القائد رسلان. ولقد استشعر رسلان بالخطر القادم من أهالي البلاد، لذلك سلط هجرس عميله لقتل صخر قائد الثورة الشعبية، حتى يتمكن من كبح جماح المقاومة وإخمادها.

ولما كان دوام الحال من المحال، فإنه كالعادة لا يستمر ظلم الظالم ونظام الحاكم المستبد، فالعدالة السماوية تتحقق بانتصار الشعب، فقد بدأت عقدة الدم المكبثية تطارد هجرس، وبدأ الناس ينتفضون ضد المحتل رسلان، وتمكنوا من تحرير السفينة (الوطن)، والإبحار بها بعيدا عن المحتل وجيشه من المرتزقة.

جميع ذلك تزامن مع صوت مدق الحناء لأم الخير، الذي كان حاضرا عبر الأهازيج الغنائية المأخوذة من التراث العماني الشعبي. وكان صوت المدق بمثابة الوسيط الذي يعمل على رفع أو خفض حدة الصراع الواقع بين القوتين المتضادتين، رسلان ورجاله، وأم الخير وأهالي البلاد.

ارتسمت على السينوغرافيا، مضامين النص الممزوجة بأصداء الأهازيج والرقصات الشعبية عبر تلاحم بصري، انسجم مع أحداث المسرحية وشخصياتها. كما أن جميع مفردات الصورة البصرية للعرض أكدت هوية وخصوصية المسرح العماني القادم من أرض الحضارة والأصالة.

أكدت مكونات الديكور في هذه المسرحية هوية التجربة الفنية المنبثقة من البيئة العمانية الحاضرة، حيث تقارب تصميم السفينة مع السفن العمانية التقليدية. وتوسطت السفينة خشبة المسرح، ما جعلها محورا مهما في وقوع الفعل الدرامي.. حتى عندما قُتِل صخر المناضل، فقد كانت واقعة القتل بمحاذاتها.

ساعدت طرقات مدق الحناء في الحفاظ على إيقاع العرض، وكانت أم الخير عندما تدق الحناء، فإنها تعلن بذلك انطلاقة الأحداث الدرامية، بمصاحبة إيقاع الطبول التي كان يحملها الراقصون الشعبيون.

أكدت خاتمة المسرحية انتصار الأهالي وتحرير السفينة(الوطن)، وكان ذلك بعد النيل من (هجرس) عميل رسلان وابن أم الخير الخائن. عبر أداء تعبيري مؤثر حيث كانت نهايته على صدى طرقات مدق رحى الحناء، وكان هجرس يئن ويتعذب بسبب خيانته، وتآمره مع الغريب على وطنه.

على مستوى التمثيل تفرد العرض بوجود المجموعات الراقصة الغنائية، والتي شكلت إيقاعا لحنيا، ساهم في تصعيد حبكة الأحداث نحو الذروة. إضافة إلى الأدوار البطولية، أهمها شخصية أم الخير التي قامت بها الفنانة زينب البلوشي، ودور رسلان الذي أداه الفنان العراقي عزيز خيون، ودور هجرس الذي أداه الفنان عبدالحكيم الصالحي، ودور صخر قام به الفنان القدير عبدالله مرعي الشنفري.

بالإضافة إلى نجوم آخرين من الشباب، هم بلقيس البلوشية وجمعة الجرادي، وغسان الرواحي، وعيسى الصبحي، وحاتم السعدي، وأحمد الشبيبي، وندى الزدجالية.

علما أن مسرحية «مدق الحناء» حازت على جائزة أفضل عرض مسرحي، إضافة إلى حصولها على جائزة الإضاءة، وذلك في مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي الأخير، بعد تنافسها مع أربع دول مشاركة، هي الإمارات والبحرين والسعودية والكويت.