1158715
1158715
المنوعات

حضر المتحدثون وغاب «المتضررون» من مأزق الصحافة الورقية

12 مارس 2019
12 مارس 2019

اعتبروها ليست أزمة وإنما استحقاقات تحول حتمية -

كتب ـ عاصم الشيدي :-

طرحت ندوة «تحديات الصحافة الورقية» التي نظمتها جمعية الصحفيين العمانية على مدى يومين في النادي الثقافي سؤالا جوهريا في يومها الثاني إثر غياب أصحاب الشأن من ملاك الصحف ومن الصحفيين أنفسهم.. هل فعلا الصحافة الورقية في السلطنة تمر بمأزق حقيقي؟ أم أن الخبراء ومن يستشعرون الأزمة يروجون لأزمة غير حقيقية وغير موجودة أصلا؟ وهل لدى الصحف توجهات حقيقية للتحول الطبيعي من الورقي إلى الرقمي وفق ما يحدث في العالم كله؟ وإذا كانت الأزمة حقيقية فلماذا غاب الجميع؟ وإذا كان ملاك الصحف لا يستشعرون الخطر أفلا يستشعره الصحفيون الذين تشكل الصحافة مصدر رزقهم الوحيد؟

ولم يحضر في اليوم الثاني من أيام الندوة من رؤساء تحرير الصحف الورقية إلا رئيس تحرير جريدة عمان سيف المحروقي، رئيس تحرير الصحيفة التي يفترض أنها الأقل ضررا على اعتبار أنها صحيفة الدولة.

حضرت تلك الأسئلة وغيرها الكثير على مائدة النقاش رغم أنها لم تهيمن على كل مجريات الندوة وعمقها، التي ورغم الغياب طرحت الكثير من تجارب التحول في العالم. وشارك في الندوة في يومها الثاني الدكتور عبدالله بن خميس الكندي أستاذ الصحافة المشارك بقسم الإعلام بكلية الآداب بجامعة السلطان قابوس والدكتور عبدالوهاب بوخنوفة أستاذ الصحافة والنشر الإلكتروني في القسم والجامعة نفسها.

لا أزمة.. مجرد تحول

ولم يتحدث أساتذة قسم الإعلام بالجامعة عن أزمة وإنما كان حديثهم عن تحول جار على كل الصحف في العالم من الورقي إلى الإلكتروني، بل إنهم رأوا إن الأزمة الحقيقية تتمثل في التأخر الكبير لهذا التحول الذي كان يفترض أن يحدث قبل عقدين من الزمان عندما بدأت الصحف في العالم تواكب المتغيرات الرقمية.

وطرح الدكتور عبد الوهاب الذي قدم ورقة بعنوان «التطورات التكنولوجية والتوجهات الكبرى الراهنة في مجال الصحافة» نماذج عالمية كثيرة لحركة التحول التي تشهدها المؤسسات الصحفية والإعلامية في العالم وتوجهات تلك المؤسسات، رغم أنه وضع محددا منذ بداية حديثه بالقول إن التحولات مرتبطة بسياقات معينة وبالتالي نجاح تجربة في بلد ما أو مؤسسة ما لا يعني استنساخه لكل الدول والمؤسسات فكل دولة لها سياقها التنظيمي. وتحدث بوخنوفة عن التغيرات التي حدثت في مفهوم اقتصاديات صناعة الإعلام، وتغير مفاهيم الأخبار، ومفاهيم الجمهور والتفاعلية والمنافسة الإعلامية، وعن تحول الإعلام إلى صناعة محتوى مدمج من الأخبار والترفيه، كذلك تغير مفهوم الجمهور.

نهاية المجاني

وفي مجال رصد وتحليل التوجهات الراهنة في مجال الصحافة وصناعة الأخبار طرح الدكتور أن التوجهات الجديدة تذهب عالميا مع فكرة الاندماج، ونهاية «المجاني» مما تقدمه وسائل الإعلام والذهاب نحو الإعلام مدفوع التكلفة. وتحدث كذلك عن وكالات الأنباء التي تتحول من شريك لوسائل الإعلام إلى منافس الجمهور من خلال فتح خدمات اشتراك عبر الهواتف للأفراد، كذلك تحول شكل ومضمون المواد الإخبارية، والتغير في الإخراج والتصميم، وبشكل عام تغير في مفهوم العمل الصحفي.

وقال بوخنوفة إن عملية الاندماج الكامل بين وسائل الإعلام المختلفة تتطلب إعداد صحفيين بمواصفات جديدة ومهارات مختلفة، والاعتماد على برامج وتطبيقات حاسوبية حديثة ومتطورة، كذلك تطلب غرف أخبار مدمجة ومتطورة. وقال الدكتور عبد الوهاب بوخنوفة إن صحيفة نيويورك تايمز ووكالة رويترز تدربان كوادرهما على الكتابة للوسائط المتعددة سواء المسموعة أو المرئية أو المقروءة ما يعني إتقانها فكرة الاندماج.

الانتصار لأسلوب السرد

وحول التغيرات التي شملت توجهات في مضمون الأخبار عالميا قال بوخنوفة: إن مفهوم الأخبار تغير في العالم وأصبح أكثر تخصصا وأكثر توجها نحو الخدمات وصار أقل مؤسسية، ورأى إن فكرة القصص الإخبارية الطويلة عادت مرة أخرى للصحافة بعد أن كانت قد تراجعت لصالح القصص القصيرة لكن الناس صارت تفضل قالب الرواية والسرد بدلا من القالب التقليدي في صياغة الأخبار وخاصة ذات الطابع المسلي والترفيهي منها.

وتحدث عن أن الوضع العالمي تزداد فيه أرقام التوزيع كلما كانت هناك قصص إخبارية تستحق القراءة وذات طابع إنساني وتكون مكتوبة بلغة شيقة وذات جاذبية. وحسب توجهات القراء في العالم فإن الباحث أكد أنهم الآن يهتمون بالموضوعات والقضايا غير الجادة مثل قضايا الحياة والمجتمع والرياضة والفن والقصص الإنسانية والترفيه والتسلية أكثر من القضايا الجادة.

تأخرنا عقدين

أما الدكتور عبدالله الكندي فرأى أن التحول والاندماج في الصحافة العمانية متأخر عقدين من الزمان. وقال: لا توجد أزمة ولكن يوجد تحول، والحديث عن الأزمات مختلف عن الحديث عن التحول، مشيرا إلى أن الصحفيين ليسوا ضحايا مرحلة بل هم مسؤولون عن التحول في صحفهم أما إذا أعجبتهم فكرة أن يكونوا الضحية فيمكن حينها أن يتحدثوا عن أزمة. وقال الكندي إن المؤسسات المأزومة تبحث عن حلول من الخارج كأن تطالب الحكومة بإنقاذ ما يمكن إنقاذه معتبرا أن مثل هذا التفكير يعتبر عودة إلى مربع الصفر في هذا الفاصل التاريخي من عمر الصحافة العمانية.

وتحدث الكندي أن الصحف العمانية اليوم أمام فرصة تاريخية للتحول إن أدركوا كيف يتحولوا أما إن لم يدركوا فإنهم باقون رهن مساعدات الدولة ورهن مضمونها الإعلامي. ووصف الدكتور الكندي إعلان جريدة الوطن توقفها عن الصدور ليومين في الأسبوع علاج، ولكن بطريقة عاطفية لكنه قال علينا أن لا ننظر للأمر على أنه «مفزع للأمن الفكري» في عمان، وفكرة إذا لم تدعموا فإننا سنتوقف لن تصلح الأمر أبدا.

الأزمة كامنة

وأكد الدكتور الكندي أن الأزمة في الصحافة العمانية كامنة ولكن أظهرتها الأزمة المالية ولذلك استشعر أصحاب الصحف الخطر ولولا ذلك لم يكونوا لينتبهوا أن العالم يتحول من حولهم.

وقال إن حالة الانتقال من الورقي إلى الرقمي تأخذ وقتا طويلا ولكن التصرفات الحالية تجعل الوقت يطول أكثر وهذا ليس في صالح الصحف مشيرا إلى أنه حتى لو انتهت الأزمة الاقتصادية وعادت الإعلانات بشكل جيد فإن التحول الرقمي لا مناص منه وسوف يحصل اليوم أو غدا.

هل المضمون جاذب؟

لكن الدكتور الكندي تحدث عن مرحلة مهمة وهي ما بعد التحول الرقمي من خلال طرح سؤال جوهري ومهم.. لو انتقلنا هل المضمون الحالي جاذب؟ هل في الصحف ما يمكن قراءته؟

متحدثا عن أهمية أن يتحول الإعلام من قوة تابعة إلى قوة مستقلة، يتحول الإعلام خلال ذلك من إعلام حكومة إلى إعلام دولة لا يسيطر فيه الجهاز التنفيذي على مضامين الإعلام. وأن الانتقال التقني لا بد أن يصاحبه انتقال وتحول في المضمون والرسالة وإلا ما الفائدة من التحول أصلا لأن جودة المضمون وقوته شرط أساسي لوجود قراء سواء في الصحافة الورقية أم في الإلكترونية. داعيا إلى أهمية فتح مساحة الاختلاف والنقد وأن الإصرار على نموذج القوة التابعة لا يساعد الصحافة على فكرة التحول التدريجي.

وقال الكندي: إن الصحافة في سبيل ذلك تحتاج إلى رصد الظواهر المجتمعية التي تحتاج إلى تسليط الضوء لأن الصحافة بدون معلومات لا تستطيع أن تقدم مضمونا مختلفا، وأن القصص الإخبارية لا يمكن أن تكتب على شكل ردات فعل فقط.

وطالب الدكتور عبدالله الكندي من موقعه كباحث ومهتم بالعمل الصحفي والإعلامي الصحف أن تبدأ عمليات التحول فورا وأن تضع خططا للتحول وتشكل فرق عمل فعلية.

مساحة حرية

وعقّب رئيس تحرير جريدة عمان سيف المحروقي على المداخلات التي ألقيت في الندوة بالقول نريد مساحة جيدة من الحرية ويمكن بعد ذلك أن نأتي بالجمهور لمتابعة صحفنا وقراءة القصص الإخبارية التي نكتبها، لكنه عاد ليقول نحتاج أن يطور الصحفيون أيضا من إمكانياتهم وأن يبدعوا في عملهم ويقدموا مبادرات حقيقية.. لا بد أن يطور الصحفي من نفسه ومن أسلوبه وأدواته.

كما تحدث، الصحفي السابق بجريدة عمان، علي الراشدي عن الندوة بالقول: القضية ليست قضية تحديات هناك متطلبات تحول لابد أن تأخذ بها الصحف فلا يعقل أن يعود زبون البنك ليصف طابورا أمام المحاسب فيما يوجد أمام البنك عدة أجهزة سحب إلكترونية معتبرا أن الصحف كذلك لا يمكن للقارئ أن يقطع مسافة طويلة لشراء صحيفة ورقية فيما تصله الصحيفة بكل أخبارها إلى هاتفه.

وبدا مع ختام الندوة وحضورها والنقاشات التي شهدتها أن أكثر المتفاعلين معها وحضورها هم إما من المهتمين بالشأن الصحفي أو من المتعاملين معه أمثال موظفي العلاقات العامة أو الصحفيين فكان حضورهم خجولا جدا بل إن البعض اعتبره معدوما أبدا، الأمر الذي طرح الكثير من أسئلة الغياب وأسبابها وإلى متى يمكن للآذان أن تبقى مغلقة.