أفكار وآراء

الحسابات الصينية في مواجهة الجارة النووية

09 مارس 2019
09 مارس 2019

مروى محمد إبراهيم -

لم يتوقع أحد أن تفشل قمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، التي استضافتها العاصمة الفيتنامية هانوي، بهذه السرعة. وأثار هذا الفشل الكثير من التساؤلات حول الموقف الإقليمي من انهيار اللقاء الذي بعث الآمال حول قرب التوصل لاتفاق مع بيونج يانج يضع حدا للمخاوف النووية في المنطقة.

وعلى الرغم من الخلافات التي تعاني منها القوى الكبرى في المنطقة، متمثلة في اليابان وكوريا الجنوبية، مع الصين التي تعتبر قوة إقليمية واقتصادية لا يستهان بها، إلا أنهم جميعا يتفقون على شيء واحد وهو الرغبة في تخليص المنطقة من الخطر المحدق الذي يهدد المنطقة بالدمار الوشيك. خاصة، وأن كوريا الشمالية كانت بالنسبة لهم أشبه بقنبلة موقوتة من الصعب توقع موعد انفجارها. ولكن التوافق على الهدف لا يعني الاتفاق في الوسيلة.

تاريخيا، ظلت شبه الجزيرة الكورية في نزاع مطول منذ عام 1950، عندما غزت القوات الشيوعية الكورية الشمالية كوريا الجنوبية. ومع تحول كوريا الشمالية إلى قوة نووية خطيرة بعد انسحابها من معاهدة حظر الانتشار النووي الخاصة بالأسلحة النووية في عام 1985، أصبحت في عزلة عن جيرانها، وشكلت خطرا على اليابان وكوريا الجنوبية المجاورتين حليفتا الولايات المتحدة الأقوياء والداعمين الرئيسيين لمفاوضات ترامب - كيم. ولكن هذا لا يمنع أيضا دعم الصين للمفاوضات.

وبالطبع تعتبر الصين هي العامل الخفي والرئيسي في هذه المفاوضات الصعبة، فهي تشكل 90% من التجارة الخارجية لكوريا الشمالية، وربما تكون «الصديقة» الحقيقية الوحيدة لنظام كيم جونج أون. كما أنها أيضا عملاق اقتصادي بطموحاتها الخاصة للهيمنة العالمية. وعلى الرغم من تأكيد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لو كانج للولايات المتحدة أن الصين تدعم «واشنطن وبيونج يانج في السعي الحثيث للتوصل إلى تسوية سياسية لقضية شبه الجزيرة الكورية» وأنها «ملتزمة بتحقيق نزع السلاح النووي».

على أرض الواقع، يعتقد المراقبون أن الصين تخشى من أن يؤدي التفاوض الناجح بين ترامب وكيم إلى استبدال الصين كحليف رئيسي لكوريا الشمالية. وأشار ريتشارد مكجريجور الخبير الاسترالي في الشؤون الأسيوية إلى أن حكومتها «لا تريد دولة كورية موحدة تدين لواشنطن بالولاء، وتجلس على الجانب الآخر من حدودها». وبالتالي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة هو ما هو موقف حكومة الصين فعليًا من إخلاء كوريا الشمالية من الأسلحة النووية؟.

في سعيها للإجابة على هذا السؤال، سعت بعض المواقع الإخبارية إلى تحليل ما يوازي عاما كاملا من التغطية الإخبارية الصينية، والتعليق على نزع السلاح النووي في كوريا الشمالية، وقمتي كيم- ترامب. وأرجعوا هذه الوسيلة إلى أن الصحافة الصينية تخضع لسيطرة الدولة بشكل كبير، ثم فإن وسائل الإعلام الصينية تسلط الضوء على المواقف الحكومية التي قد لا تكون علنية كسياسة رسمية.

وأشارت هذه المواقع إلى أن قراءتها لموقف الصين من مفاوضات ترامب وكيم بأنها متوازنة بدقة بين الدفاع عن حليفها الكوري، بينما تشير إلى احترامها للمجتمع الدولي. وهو ما تحرص وسائل الإعلام الصينية على توصيل هذه الرسالة إلى الجانب الكوري الشمالي من هذه الحجة، حيث تدعم بشكل ضمني حاجة كيم جونج أون إلى الأمن بينما تشكك في النوايا الأمريكية في المنطقة الأسيوية. فقد أكدت وكالة أنباء شينخوا الصينية في أكتوبر 2017 أن «كيم برر تطوير البرامج النووية والصاروخية من قبل كوريا الشمالية باعتبارها الطريقة الوحيدة للدفاع عن نفسها في مواجهة» التهديدات النووية طويلة الأمد «من قبل الولايات المتحدة».

على مدار التاريخ المعاصر تم وصف العلاقة بين الصين وكوريا الشمالية بأنها قريبة مثل «القرب بين الشفاه والأسنان». وفي ظل الدعم الصيني المتواصل لبيونج يانج بالرغم من سياساتها المثيرة للجدل والعدائية لدول الجوار، خاصة كوريا الجنوبية التي تناصبها العداء تليها اليابان. وهو ما أسهم في تصعيد العداء والشقاق بين بكين واليابان وكوريا الجنوبية. ولكن يبدو أنه وفقا للحسابات الصينية، فإن بكين تعتبر أن هذه الأزمات هينة مقارنة باحتمال أو خطر انهيار النظام في كوريا الشمالية، الأمر الذي سيؤدي إلى دخول عدد كبير من اللاجئين إلى شمال الصين، واحتمال إعادة توحيد شبه الجزيرة الكورية تحت سيطرة كوريا الجنوبية الحليفة المقربة من الولايات المتحدة. وهو ما يعني أن حليفا وتابعا أمينا للولايات المتحدة سيكون الجار الأول أو المباشر للصين، وربما ستكون قوات أمريكية على حدودها، وهو ما يمكن اعتباره أسوأ كابوس بالنسبة لبكين. بالطبع لا يمكن أن نتجاهل أن ذكريات الغزو الياباني للصين عبر شبه الجزيرة الكورية تسيطر إلى حد كبير على صانعي السياسة الصينيين، وأن المخاوف بشأن الضعف الإقليمي تسيطر على الصين وجميع دول المنطقة. ولكن يبدو أن سياسة الصين تركز الآن على التجارة والاستثمار في كوريا الشمالية، على أمل أن يعزز ذلك ازدهار النظام واستقراره، والحد من أي حافز لابتزاز المعونات عن طريق الاستفزاز العسكري، وتعمل أيضا على تشجيع بيونج يانج على اتباع مسار ما بعد 1979 في الصين نحو الإصلاح الاقتصادي، وأخيرا تحقيق أقصى قدر من النفوذ الصيني. وكما قال فيكتور تشا، المدير السابق للشئون الآسيوية في مجلس الأمن القومي، فإن الصين وكوريا الشمالية «عالقتان في علاقة رهينة متبادلة» الشمال يحتاج إلى مساعدة صينية لبقائه، والصينيون بحاجة إلى الشمال كي لا ينهار. ويبدو أن هذا الاحتمال كان كافياً لردع الصين ومنعها من استغلال نفوذها الاقتصادي والدبلوماسي بالكامل في بيونج يانج.

لكن هذه المعادلة قد لا تصمد، عندما يتعلق الأمر بتسريب المواد النووية من كوريا الشمالية. فلدى الصين مصلحة ورغبة حقيقية في التقليل من الأخطار النووية التي يمكن أن تنطلق من كوريا الشمالية، وخاصة خطر بيع بيونج يانج الأسلحة أو المواد النووية المتعمد إلى جهات غير مضمونة أو آمنة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق البيع إلى دول أخرى سواء أكانت معادية لها أم لا. وهناك أيضا خطر تسرب الأسلحة أو المواد النووية في حالة انهيار نظام كيم أو تفتيته. علاوة على ذلك، يمكنها أن تفعل ذلك دون التسبب في تدهور خطير في العلاقات مع بيونج يانج. إذا كان للأسلحة النووية أو المواد النووية أن تجد طريقها إلى أيدي جهات غير تابعة للدولة ، فإن الضرر الذي يلحق بالمصالح الصينية سوف يفوق بكثير ما تسببه من انهيار النظام.الوضع أبسط بالنسبة لكوريا الجنبية، فسول تسعى للتهدئة بكل السبل. فليس من مصلحتها أن تعاني بيونج يانج أو أن يعاني هذا الشعب الشقيق بأي شكل من الأشكال. وبالتالي، فإن ترويض النظام الكوري الشمالي واستقطابه وإدخاله في قلب المنظومة الدولية هو الهدف الرئيسي لسول. فهي تخشى من قوة الشطر الشمالي النووية، ولكنها لن تضيع أي فرصة محتملة لترويضه. أما اليابان، فسياساتها السلمية تدفعها لبذل كل جهد ممكن لتأمين المنطقة وإخلائها من أسلحة الدمار الشامل، فهي لن تسمح بتكرار مأساة هيروشيما وناكازاكي مرة أخرى، وبالتالي فإن استمرار وجود هذا السلاح داخل أراضي مجاورة يعيد إلى الأذهان أشباح الماضي. ويدفعها لبذل كل جهد ممكن للقضاء على هذا الخطر النووي المجاور.