1152503
1152503
إشراقات

خطبة الجمعة: المرأة بحاجة إلى التفرغ لإدارة شؤون ممـلكتها العظيمة

07 مارس 2019
07 مارس 2019

تعهّد الأم تربية أبنائها إلى عاملات المنازل عواقبه وخيمة على صحتهم وتربيتهم -

حتى لا ينشأ جيل لا يعرف من الرعاية والاهـتمام سوى القليل -

تتحدث خطبة الجمعة لهذا اليوم عن دور الـمرأة في تـربــية الأجيال داعية إياها إلى التفرغ لإدارة شؤون ممـلكتها العظيمة، وتربية الأبناء على الصلاح والاسـتقامة، ومكارم الأخلاق، وغرس القيم والفضائل، حتى ينمو الولد في دوحة الطهر والفضيلة، خاليا من كل سيئة ورذيلة، مبينة أن هناك من المآسي ما ينفطر لها الفؤاد حينما تعهد الأم تربية أبنائها والعناية بهم إلى عاملات المنازل، فهذه عاملة تقسو في معاملتهم، وأخرى تصب جام غضبها عليهم، وثالثة تطعمهم ما يمرضهم، وأصبح دور الأم لا يعدو دور الأب، تخرج أول النهار وتعود إلى المنزل في آخره، فالعاملة هي التي ينظرون إلى وجهها إذا أصـبحوا وآخر ما يودعونه من يومهم إذا رقدوا. وهنا نص الخطبة كاملا:

الحمد لله الذي رفع قدر النساء في شريعته، وجعل لهن مقاما عظيما في خليقته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريـك له، الرحيم الرحمن، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله، أشرف مخلوق وأكرم إنسان، صلوات الله الكاملة وسلامه التام عليه، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم إلى يوم الدين بإخلاص وإحسان.

أما بعد، فيا عباد الله:

أوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فإنها مفتاح رضا الملك العلام، واعـلموا أن مكانة المرأة عظيمة في شرعة الإسلام، وكيف لا تكون كذلك؟ وهي صانعة الأبطال، ومربية الأجيال، والحضن الدافئ لكل شريف مفضال، فعطاؤها جم، وخيرها عم، فكم من أنبياء ومرسلين، وكم من أخيار مصـلحين، وعظماء ومربين، وكم من أجيال من عباد الله الصالحين، درجوا بين أيدي الصالحات من النساء، اللواتي عرفن مهمتهن العظمى في هذه الحياة، وأدركن بأنها ليست مهمة يسيرة هينة، ليست مجرد حمل ووضع، بل مع ذلك هي تربية على الصلاح والاسـتقامة، وتنشئة على معاني الأمور، وتعويد على مكارم الأخلاق، وتهذيب على جميل الطباع، وغرس للقيم والفضائل، وإعلاء للشيم الحميدة والمكارم، وتقويم للاعوجاج، وإصلاح للفساد، وتعليم وإرشاد، وتثقيف واجـتهاد، حتى ينمو الولد في دوحة الطهر والفضيلة، خاليا من كل سيئة ورذيلة، ومسـتعدا للتحلي بكل حسنة وشيمة نبيلة، يحمله طموحه المحمود على العطاء المتواصل لمجـتمعه وأمـته ووطنه.

أيها المسلمون:

إن المرأة تسـتطيع أداء مهمـتها ووظيفتها الطبيعية هذه متى ما نشأت في بيئة فاضلة، وربيت على الفضيلة والطهر والعفاف، ولذا جاء في الكتاب العزيز الوصية بالأهـلين، وتربية البنات والبنين، على ما يرضي رب العالمين؛ يقول الملك الحق المبين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، وقد أوصى المولى تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)، ونبّه سبحانه على حرص خيرة خلقه من النبيين والمرسلين على تربية ذريتهم على الصلاح والاسـتقامة؛ فها هو يقول عن إسماعيل عليه السلام: (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا)، وأتى بمشهد رائع من مشاهد التربية المتقدمة لدى بعض من فضلهن من الأسر الصالحة عندما قال: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)، فقد كانت حريصة على تحصين ذريتها من كيد الشيطان، ولذلك لم تغفل عن دعاء الله تعالى، حتى وهي في أحرج الأوقات.

أيها المؤمنون:

ها هو الكتاب العزيز يبيّن أهمـية عمل المرأة في صناعة الأبطال حينما يقص علينا قصة سيدنا موسى عليه السلام، وقد ولد في وقت عصيب، في زمن يئد فيه فرعون كل مولود ذكر، فيوحي الله تعالى إلى أم موسى بجعـله في صندوق ورميه في اليم، فتمتثل لذلك، فإذا به يصل إلى قصر الطاغية فرعون، ويهيئ الله تعالى من الأسباب ما يجعل آل فرعون يعيدون موسى إلى أمه، حتى يرضع من لبنها، وينشأ تحت سمعها وبصرها، وبذلك يتهيأ لمهمـته العظيمة في الحياة، تلكم المهمة التي أعده الله تعالى لها الإعداد الذي يخبر عنه تبارك وتعالى بقوله: (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي)، وبقوله: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)، فصناعته على عين الله اقتضت أن يرجع إلى أمه، إذ لا يقوم مقام الأم أحد، في حنانها وصبرها، وفي برها بأولادها، وفي قيامها على مصالحهم.

عباد الله:

ما من أمر من الأوامر التكليفية إلا وقد توجه الخطاب فيه إلى المرأة مثلما توجه الخطاب منه إلى الرجل، اللهم إلا ما اختصت به النساء مما يتعلق بطبيعتهن وما فطرن عليه (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى)، وها هو نبينا عليه الصلاة والسلام يأخذ على النساء من البيعة على طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ما أخذ على الرجال، ففي الكتاب العزيز: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، فتنبهي أيتها المرأة المسلمة لشروط هذه البيعة التي متى ما وفيت بها كنت من أهـل الوفاء، وكنت حقيقة بالدخول ضمن من شملهن اسـتغفاره عليه الصلاة والسلام.

أيها المسلمون:

متى ندرك أهمـية إنشاء الأجيال، وأنها مسؤولية عظيمة؟ ومتى يكون لنا الشأن المرموق بين الأمم إذا ما خلت الأسرة من دور المرأة المهم؟ أما بلغنا أن وراء العظماء نساء؟ أما سمعـنا أن خلف كل عظيم امرأة عظيمة؟ هذه أم أنس بن مالك الأنصارية رضي الله عنها وعن ابنها تأتي بابنها أنس بن مالك رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صبي صغير لا يتجاوز العاشرة من عمره فتقول للنبي صلى الله عليه وسلم: «خويدمك أنس يا رسول الله»، فتربطه بسيد الخلق وحبيب الحق عليه الصلاة والسلام وتصله بالمعلم الأول حتى ينهل من علمه وخلقه ما يجعله سيدا من سادات المسلمين الكبار، تشد إليه مطايا العلماء حتى يأخذوا عنه ما أخذه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول أنس رضي الله عنه: (خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال لي لشيء تركته: لم تركته، ولا لشيء فعلته: لم فعلته، ولا ضربني بيده الشريفة قط)، فكانت تربيته عليه الصلاة والسلام خير مثال يتأسى به كل مرب ومربية في تربية أفلاذ الأكباد، حتى يحققوا الهدف المراد.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

*** *** ***

الحمد لله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا رسول الله، وعلى آله وصحـبه ومن والاه.

أما بعد، فيا عباد الله:

لا ريب أن المرأة حتى تتهيأ لتربية أبنائها تربية تصنع العظماء بحاجة إلى التفرغ لإدارة شؤون ممـلكتها العظيمة، لكن الحاصل عند بعض النساء أنهن يؤثرن السعي خارج المنزل لتحسين دخل الأسرة ورفع مسـتوى معيشتها، مما أحوج كثيرا من الأسر إلى عاملات المنازل وإلى مربيات الأطفال وإلى دور الحضانة لينشأ بسبب ذلك جيل لا يعرف من أمه من الرعاية والاهـتمام سوى القليل، مع أنها أقرب الناس إلى فلذات أكبادها، وأولاهم باللطف والرحمة والحنان، فمن ذا يقوم مقامها الكبير؟ ومن ذا يتولى شأنها الجليل؟ أتقوم به امرأة أجنبية سيقت من أقاصي الأرض، لا يدري عن سيرتها وأخلاقها إلا ما يروج له تجاريا كل ساع إلى الربح من وراء عملها، فجفاف في التعامل، وبرودة في تعاطي المواقف، هذا إن لم تكن خشنة المعاملة، سيئة المزاج، تنوي الشر والإزعاج، والأولى في مثل هذه الحالة أن تأخذ مقام الأم إحدى القريبات من جدة الأطفال أو عمة أو خالة وقد ورد: (إن الخالة بمنزلة الأم) وفي القرآن الكريم (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ).

فيا عباد الله:

اتقوا الله تعالى في أبنائكم فإنهم أمانة بين أيديكم، وإن الله تعالى سائلكم عنهم، ألسـتم تحبون الاجتماع بهم في دار الكرامة؟ يقول جل وعلا: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ)، فأبناؤكم امتداد أعماركم، وذكركم من بعدكم، والجيل الذي يخلفكم، ربوهم أجمل تربية، ونشؤوهم أحسن تنشئة، هم المشروع الكبير الذي توجه إليه الطاقات، فما بال بعض الأسر تذرهم بأيدي غيرها لينشأوا والعلاقة بهم فاترة، وليشبوا على عادات غير عاداتهم، وطبائع مختلفة عن طبائعهم، فإن الأم ليست التي تضع بل التي تربي. وكم سمعـنا ولا نزال نسمع عن مآس ينفطر لها الفؤاد بسبب أن تعهد الأم الفاضلة تربية أبنائها والعناية بهم إلى عاملات المنازل، فهذه عاملة تقسو في معاملتهم، وأخرى تصب جام غضبها عليهم، وثالثة تطعمهم ما يمرضهم، وغيرها ما يقتلهم، وأصبح دور الأم لا يعدو دور الأب، تخرج أول النهار وتعود إلى المنزل في آخره، وقد نام أطفالها أو شارفوا على المنام، فالعاملة هي التي ينظرون إلى وجهها إذا أصـبحوا وآخر ما يودعونه من يومهم إذا رقدوا.

فاتقوا الله -أيها المسلمون-، واحرصوا على تربية أبنائكم تربية حسنة تجـنون ثمارها في العاجل قبـل الآجل، وخذوا بأيدي أهـليكم وأبنائكم إلى ما ترضون به ربكم ويرضى به عنكم من صالح القول والعمل. (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين، وقائد الغر المحجلين، فقد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه في محكم كتابه حيث قال عز قائلا عليما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ووحد اللهم صفوفهم، وأجمع كلمتهم على الحق، واكسر شوكة الظالمين، واكتب السلام والأمن لعبادك أجمعين.

اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت سبحانك بك نستجير، وبرحمتك نستغيث ألا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر، وأصلح لنا شأننا كله يا مصلح شأن الصالحين.

اللهم ربنا احفظ أوطاننا وأعز سلطاننا وأيده بالحق وأيد به الحق يا رب العالمين، اللهم أسبغ عليه نعمتك، وأيده بنور حكمتك، وسدده بتوفيقك، واحفظه بعين رعايتك.

اللهم أنزل علينا من بركات السماء وأخرج لنا من خيرات الأرض، وبارك لنا في ثمارنا وزروعنا وكل أرزاقنا يا ذا الجلال والإكرام. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعاء.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).