AZZA
AZZA
أعمدة

وقفة تأمل في معرض مسقط الدولي للكتاب

06 مارس 2019
06 مارس 2019

د.عزة القصابية -

تميز معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته الرابعة والعشرين، بتضمنه أكثر من نصف مليون عنوان عبر أجنحته الممتدة من أدنى المعرض حتى أقصاه. ويترقب الناس سنويا معرض الكتاب بشوق وفضول معرفي منقطع النظير، وما إن تفتح أبوابه حتى تتوافد فلول القادمين لتنهل من حقول الثقافة والإبداع.

لقد كانت انطلاقة هذا المعرض عام 1992م، وعندما نعود بالذاكرة إلى مقر المعرض بمقره القديم لنحو عشر سنوات. فإننا لا نجد إلا الكتب التي تكتظ بها الأرفف، وكان على الباحث أن يبذل مجهودا كبيرا، للوصول إلى موقع المعرض عبر شارع مزدحم بحركة السير، تتبعها رحلة البحث عن موقف حتى ولو على بعد أميال.

بعد أن يستقر الحال بزائري المعرض، فإنهم يمكن أن يتنفسوا الصعداء، لتبدأ الرحلة بالتجوال بين ردهات المعرض الضيقة التي تكتظ بالحضور من المهتمين والمثقفين وطالبي العلم الذين جاؤوا جميعا للاستفادة من المعرفة والفعاليات المصاحبة.

اليوم تغير الحال كثيرا في مركز عمان للمعارض والمؤتمرات، فقد حدث تطور ملحوظ في المشهد الثقافي على مستوى الكم والكيف. إذ أصبح هناك مبنى أنيق مصمم وفق طراز معماري حديث، يمكنه أن يستوعب مئات الزائرين، الذين يتدفقون عبر ممراته الواسعة، متجهين إلى مقاصدهم وغايتهم المعرفية.

وفي الدورة الرابعة والعشرين فتحت أبواب مركز عُمان للمؤتمرات والمعارض ليس فقط لبيع الكتب وتوزيعها، وإنما لتقديم الكثير من الفعاليات الثقافية والفنية والعلمية المتنوعة، منها الأنشطة المتعلقة بالأسرة والطفل ومسابقات المبادرات المجتمعية، بالإضافة إلى الدور الرائد الذي قام به ركن البريمي ضيف شرف المعرض لهذا العام، واستطاع أن يحقق حضورا ملموسا على كافة الأصعدة الثقافية والفنية.

غدا مركز عُمان للمؤتمرات والمعارض أكثر تحررا، فكرا ومكانا، ورؤى.. هناك أكثر من فعالية ترافق التظاهرة الكتابية؛ فقرات غنائية، وموسيقية، ومسرحية، وسينمائية، وتربوية، وأدبية، وعلمية. كما كان العمل التطوعي حاضرا.. حيث استقطب المعرض الكثير من المرشدين من الشباب الذين تطوعوا جميعا للعمل خلال أيام المعرض.

رغم التطور الثوري النوعي والكمي الحاصل في معرض مسقط الدولي للكتاب، إلا أن هناك تطلعات ورؤى نأمل أن نراها في خطة عمل المعرض مستقبلا، نوجزها في نقاط سريعة: - وضع خارطة توضيحية إلكترونية عند مدخل المعرض توضح مسارات الأجنحة للوصول إلى دور النشر وتسهيل عملية البحث عن الغايات المعرفية، ومساعدة القادمين على التجوال عبر أروقة المعرض بكل يسر وسهولة.

- تخصيص «شاشات كُبرى» للإعلان عن أهم الإصدارات الحديثة، والتعريف بالمؤلف وأهم إنجازاته بصورة بصرية، ويمكن بث مقابلة مع المؤلف، توضح مسيرته الأدبية وتسرد قصة إبداعه وتميزه.

-الحرص على تكثيف الإعلان عن مناشط المعرض والترويج لأفضل الإصدارات وأشهرها عبر منصات التواصل الاجتماعي. ولا يكتفى بالمعلومات الموجودة في الموقع الإلكتروني للمعرض، فوسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أكثر شيوعا، وسرعة للوصول إلى الناس في عقر دارهم. تخصيص ركن المعرض للمصادر والمراجع الإلكترونية، إذ أصبح «الكتاب الإلكتروني»، مصدرا معلوماتيا مهما، في محاولة لمسايرة التحول الإلكتروني والتحول اللا-ورقي في العالم.

- إطلاق جائزة أحسن إصدار في كل دورة، والتي يمكن أن تكون للمؤلف ودار النشر معا، تحت إشراف عدد من المحكمين الدوليين.

- الاحتفاء في كل دورة بمعرض الكتاب، بنخبة من الكُتُّاب المتألقين محليا وعالميا، الذين يكونون قد حققوا نجاحات ملموسة في منجزهم العلمي والأدبي.

- تقليص أعداد الطلبة الزائرين للمعرض، إذ أنه من الملاحظ كثرة الحافلات المزدحمة بالطالب الذين يزج بهم في ساحات المعرض بصورة عشوائية، دون أن تحديد الهدف من زيارتهم، فتجدهم وكأنهم جاؤوا للنزهة أو القيام برحلة ترفيهية.

والأجدى هو اختيار مجموعة حصرية من الطلبة المجيدين، وتعيين مرشد تطوعي من الجهة المنظمة للمعرض ليكون عونا لهم، ومساعدتهم في تحديد نوعية الكتب التي يرغبون في اقتنائها. أما في وقتنا الراهن يظهر المعلم المرافق غير قادر على السيطرة على الطلبة، وعلى الأغلب يقتصر دوره على جمع الطلاب في نهاية المطاف.

ختاما إن ما تحقق يحسب للجنة الثقافية المنظمة لفعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب، التي قطعت شوطا طويلا في التطوير والاستفادة من تجارب الآخرين في التخطيط للمعرض الحالي ليظهر بحلته الجديدة.

إن الوصول إلى النجاح غاية فُضلى، ولكن الحفاظ عليه أصعب ما يكون. ويحتاج دائما إلى مراجعة الأجندة السابقة، وسماع الرأي الآخر، ومعرفة الجوانب التي تحتاج إلى التطوير، وتحويلها إلى نقاط قوة... بذلك سنجد أنفسها نتغير ونتطور مع الزمن، ونستفيد من تجارب الآخرين، الذين يعملون حولنا بكل بقوة وسرعة تسابق الزمن.