yesra
yesra
أعمدة

ربما: تدشينُ كتاب

06 مارس 2019
06 مارس 2019

د. يسرية آل جميل -

مدخل ( تكلّم .. حتى أراك )

لرائحة الورق ميزةٌ عجيبة، لا تجدها بين كل منصّات الزمن الإلكترونية، فلا الفيس بوك ولا تويتر أو الإنستجرام ولا حتى نصوص الواتس أب أو رسائله الصوتية يمكنها أن تكون بديلاً لكتاب تضعه بين يديك، تتنقل بين صفحاته، تسافر فوق أسطره إلى أبعد مدى، الورق يعني ذكريات لن تُنسى، يعني ذاكرة لن يأتي عليهـا الدهـر.

أسدل الستار على عرسٍ ثقافي شهدته السلطنة قبل أيام، تجّلى في أبهى صورة يمكن أن تظهر بها عروس، تظاهرة فخمة، ملكية، أنيقة، منظّمة، كانت هي الصفة السائدة على معرض مسقط الدولي الرابع والعشرين للكتاب، الأمر الذي يدفعني إلى أن أترك القلم الآن وأصفق للقائمين على هذا الحدث الذي ظهر في صورة نالت استحسان الجميع عن جدارة.

حفلات تدشين الكتب التي أقامها الكتّاب في معظم دور النشر التي شاركت بالمعرض من السلطنةِ وخارجهـا، كانت وفق ما ارتأى اكتشافاً لملكة التلقائية لدى الكاتب على مواجهة القراء وجها لوجه، واستشعار وجهة نظرهم فيمَ تقدّم لهم بشكل فوري، البعض نجحَ فيها بامتياز. حفلات التدشين هي أشبه ما تكون بعمل استقراء لأعمار من يقرأ لك ومدى تأثير ما تكتب عليهم. أذكر أنه قد جاءتني أم في يوم تدشيني لكتابي (بألمي) وكانت ابنتها مُصرة على شراء الكتاب، فسألتني: هل يناسب سنّها؟ فأجبتها بالرفض، لأن ابنة الثلاث عشرة أو أكبر بقليل أمامها وقت طويل لتستشعر معنى كلمة ألم، والمسألة ليست بيعا وشراء فقط، أنا أكتب وأنفق وأنشر بهدف القراءة والقراءة والقراءة. حضورٌ لافتٌ للملحقية الثقافية للمملكة العربية السعودية، التي شرفّتني بتكريم أنيق على هامش فعالياتها، إثر إهدائي نسخاً من إصداراتي لمكتبتهم الثرية، هذا أعلى ما يتمنى الكاتب، التقدير لكلمات أوجعته حين كان يخطها فوق الورق، وأكلت من أطراف قلبه الكثير، فشكراً لكم جداً.

أرسلتُ إلى الأصدقاء من الإعلاميين خبر تدشيني لكتابي الجديد، (التدريب الإلكتروني لمعلمي اللغة العربية)، في السلطنة وخارجها، لم تمض 24 ساعة إلا ووجدته متصدراً لصفحات عددٍ منها، مازالت للقلمِ قيمة، وللصحافة قامة، فشكراً بحجم السماء للجميع. من أجمل ما في حفل تدشين كتاب أن كل من جاءني أحاطني بحالة حب وهالة ضخمة من الطاقة الإيجابية التي لم أشعر بها قبل ذلك إلا معهم: أخواتي رغم أنهن يرددن على مسامعي دوماً بأننا (موحقين معرض كتاب) لاختلاف ميولهم عني، إلا أن حضورهم كان مميزاً حولي، شعرت بالسند الحقيقي، حين يتخلّى عنك الجميع ولا يبقى حولك إلا (أخ). حبيبي يوسف بن أشرف، ابني الذي لم تنجبه بطني، قارئي الصغير الذي لم يفارقني أبداً في أي معرض للكتاب، والذي أقرأ فيه ملامح كاتب وأديب قادم، فانتظروه.

قبل التدشين بأيام رافقتني إلى دار النشر للاطمئنان على كل شيء حتى أظهر في ذلك اليوم بصورة أنيقة على عادتي، إنهـا سعاد الحسنية صديقة كل شيء لي في الحياة. بدرية، أو صديقتي بدرية كما تستحق أن أسميها، كانت كتفاً إلى كتف، صديقة بألف صديق، وامرأة عن ألف رجل، علّمتني أن العلاقات ليست بالمدة، وإنما بالعُمق.

أول توقيع للتدشين كان لها، قطعة السكر في حياتي، التي فاجأتني فيما بعد برغبتها في (عمل كتاب) لها، تحكي فيه قصة على حد قولهـا! نوف، الشمرّية النايفة، التي سيكون لها ما تريد، بإذن الله، أعدك بذلك. من العين، لم تنسَ هذا اليوم، رغم انشغالي عن تذكيرها به، لم تتعذر بعدم استطاعة الحضور، فأنابت عنها من يستلم نسختها المُهداة بخط قلمي، صديقة الحكايا والفضفضة والسر والأسرار هدى النعيمية. صديقتي ابتسام جاءت من مسندم تلبية لدعوتي لها بالحضور على الرغم من بعد المسافة والطيران وتكلفة السفر، وصعوبة الأجواء. الدكتورة خديجة البلوشية، خرجت من باب المطار مُسرعةً إلى معرض الكتاب لتلحق بحفل التدشين، فور وصول رحلتها مطار مسقط الدولي. فايزة العلوية سبقتني بالورود والدعوات إلى مقر الدار لاستقبال زوّاري إن تأخرت.

ناجية الكعبية رغم ظروفها خلعت ثوب المرض وكانت أول الوجوه التي استقبلتني بضحكتها الناعمة وغمازتها الأجمل. فاطمة المخينية رغم انقطاع لقاءاتنا منذ سنوات، إلا أنها لم تنس يوم التدشين وبادرتني بقولها أنت لك معزّة خاصة بقلبي، وحضوري واجب وحق. صديقة طفولتي أسماء الغيلانية لم تتمكن من الحضور فأرسلت لي عينيها (غيداء وشهلا) للوقوف بجانبي وإشعاري بعدم وجود فراغ كبير وعوضاني مكان الأم. أختي وفاء لم تقصر معي أبداً وأشعرتني بالسند الذي يُعتمد عليه في وقت الأزمات. سعادة الدكتور سالم الكحالي، عضو مجلس الشورى، رغم كل ارتباطاته، جاءني من ولاية صحم، ليشاركني التدشين. فاطمة الكلبانية، التي انتظرت وانتظرت وانتظرت لتكون صاحبة أول توقيع لها على الكتاب، وقد كان.

أعمامي عوض وصالح آل جميل، أمي حبيبتي، خالاتي الأجّلاء، خالتي روحية، سارة، تهاني، حورية، إخواني المسافرون، أهلي بمحافظة ظفار، خوالي بجمهورية مصر العربية، صديقاتي اللواتي لم يتمكّن من الحضور، زملائي في العمل، تلاميذي من كل مكان، قرّاء قلمي المميزون، لم أذكر أن أحدهم كان غائباً، الكل كان من حولي بالدعاء، والابتسامة، بمكالمة هاتفية، برسالةٍ نصية، بتسجيلٍ صوتي، غمرتموني جميعكم بسعادة تفوق الوصف، أسعد الله قلوبكم كما فعلتم بي، وجعلني دائماً عند حسن ظنكم، ابنة بارة، أختا كريمة، أما مثالية، وصديقة صدوقة.

- إليه حيثما كان:

‏العين التي تمتلئ بك

لن تنظر لغيرك حاضراً كنت أو غائبا.