sharifa
sharifa
أعمدة

وتر: باغيين أي شيء !

06 مارس 2019
06 مارس 2019

شريفة بنت علي التوبية -

بعد سنوات من الدراسة التي درستها إحدى الطالبات في مجال الخدمة الاجتماعية، والذي سعت بإصرار لأن تتخصص فيه دون غيره من التخصصات الأخرى المطروحة، وبعد انتظار للحظة التخرج التي يعقبها التوظيف في مجال يتيح لها ممارسة العمل الاجتماعي، أخبرتني أنها قدّمت أوراقها وشهادتها للعمل بأحد البنوك، أكاد لا أصدق ما أخبرتني به، وعلى سبيل المزاح الثقيل سألتها عن نوع الخدمة الاجتماعية التي ستقدمها هناك، وهل ستقوم بعمل دراسة للحالات غير القادرة على سداد ديونها البنكية المتراكمة مثلا، فقالت لي بخذلان كبير (أنا وصلت لمرحلة أني باغية أي شيء)، تلك العبارة التي كسرت أشرعة لسفن كانت تعبر بحر الحياة بثقة، وزرعت اليأس في نفوس شباب لم يحصلوا على عمل يناسب تخصصاتهم التي أحبوها ودرسوها، فالشاب الذي لا يملك ريالا واحدا في جيبه سيريد أي شيء من أجل أن يعيش، والحياة تتطلب التضحية بكل شيء، من أجل أي شيء.

فمع هذا الغلاء الذي يجتاح العالم أصبح الإنسان كل ما يفكر فيه هو توفير لقمة العيش لنفسه ولأبنائه، وكل ما عدا ذلك ترف لا تقبله الحياة، فلم تعد الوظيفة اختيارًا، قدر ما هي إشغالًا للشاغر والمتوفر، هذا إذا كان هناك ما هو متوفر، حتى أصبحت المشكلة أكثر عمقا وتعقيدا من مجرد تكدّس وتزايد أعداد الباحثين عن عمل، إنها العشوائية في التوظيف، فالتخصصات كما يبدو لا تناسب سوق العمل أو الدرجات المالية المطروحة، وإذا تم التشغيل فلن يكون سوى حل مشكلة بمشكلة أخرى، وهي تكدس أيدٍ عاملة تعمل في غير اختصاصها، وشعور بالإحباط لدارس متخصص فقد سنوات دراسته، وطامح وشغوف، فقد شغفه ومتعته، وأصبح ليس أكثر من ترس في آلة.

ونحن لسنا بحاجة لذلك، نحن بحاجة للإنسان وللفكرة التي تصنع الآلة وتحركها، نحن بحاجة إلى جيل يعرف ما يريد، جيل يمضي بمحبة ووعي لخدمة وطنه، فالمشكلة ليس توفير العمل ولكن نوع العمل وعدم وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب، لذا علينا أن نسعى لتجاوز ما قد نصل إليه من عشوائية في موضوع التشغيل، حتى وإن أدى ذلك إلى تغيير أو إضافة بعض التخصصات في الجامعات والكليات، وأن تكون لدينا كافة التخصصات حتى البسيطة منها والتي يشغلها الوافد حاليا، والتي يعتقد البعض أن ابن البلد لن يقبل عليها ولن يشتغلها، لأن ابن البلد الذي درس بجهد من أجل وطنه سيعمل بإخلاص من أجل وطنه أيضا.