أفكار وآراء

الهند وباكستان الحرب الممنوعة

05 مارس 2019
05 مارس 2019

عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي -

قد يمثل انحسار الصراع في أفغانستان مقدمة لإنهاء التوترات الأخرى سواء في كشمير أو الانتهاء من الصراع العربي-الإسرائيلي بشكل عادل ومنصف وعلى ضوء القرارات الدولية لأن انتهاء تلك الصراعات سوف يمهد لمناخ جديد يسوده التعاون والاستقرار ومنظومة تعاون اقتصادية متكاملة.

منذ الانسحاب البريطاني من الهند وقيام جمهورية باكستان الإسلامية عام 1947 والتوتر والحروب قائمة علي جانبي الحدود خاصة بعد حرب عام 1949 والتي انتهت بتقسيم إقليم كشمير بين البلدين لتواجه الأمم المتحدة بعد سنوات من قيامها بمشكلة سياسية وحدودية كبيرة، كما هو الحال مع نكبة فلسطين عام 1948 ومن هنا فإن الحروب بين الجارتين الهند وباكستان تواصلت لتندلع الحرب الثانية عام 1965 والتي لم تغير من الوضع الخاص بكشمير رغم الجهود التي بذلتها الأمم المتحدة لإيجاد صيغة توافقية بين نيودلهي وإسلام آباد في ذلك الوقت.

في حين كانت الحرب الثالثة عام 1971 ذات تأثير كبير على باكستان حيث نتج عنها انفصال جزء مهم من باكستان ليتحول إلى دولة بنجلاديش الحالية، ومن هنا وعلى ضوء تلك الحروب الثلاث استمر التوتر وعدم الاستقرار في شبه القارة الهندية واستمر التصعيد على الحدود خاصة في إقليم كشمير.

وجاء تقسيم كشمير ليضفي على المشهد السياسي مزيدا من التوتر حيث تخضع جامو وكشمير للسيطرة الهندية في حين تسيطر باكستان على أزاد كشمير أي كشمير الحرة.

وقد كان الحدث الأبرز للتوازن بين الدولتين هو التفجيرات النووية التجريبية التي أعلنت بموجبها الهند وباكستان دولتين نوويتين وهو الحدث الذي أوجد ما يسمى سياسيا بتوازن الرعب والذي أضفى على الإقليم نوعا من التردد في شن أي حرب محتملة خاصة وأن العالم أظهر قلقا بالغا عند حدوث التصعيد المحدود الأخير بين البلدين.

توازن الرعب

الحروب الثلاث التقليدية بين البلدين التي تمت الإشارة إليها نتج عنها تغييرات جغرافية وظهور جمهورية بنجلاديش الإسلامية، كما ان وضع كشمير لم يتغير رغم طرح هذا الموضوع في القمم الإسلامية واجتماعات الأمم المتحدة، وهناك بالطبع تعاطف إسلامي مع الطرح الباكستاني، ومع مرور الزمن أصبحت قضية كشمير تراوح مكانها حتى تم التفجير المتبادل بين البلدين عام 1998 وهو الأمر الذي أوجد حالة من توازن الرعب لأنه كان من المستحيل ان تبقى الهند أو باكستان دون سلاح نووي ومن هنا جاء التفجير النووي المزدوج ليعيد الى الأذهان واحدة من أهم القضايا الدولية وهي خطورة الانتشار النووي في العالم.

ونحن نتحدث عن توازن الرعب بين الهند وباكستان فإن العرب وبعد ان تم تسريب تقارير دولية بأن الكيان الإسرائيلي أصبح لديه سلاح نووي فإن العرب تعايشوا مع هذا الرعب النووي بسبب عدم وجود إرادة سياسية لمواجهة هذا الخطر المحدق بمقدرات الأمة العربية بل ومصيرها الوجودي ومن هنا فإن التفجير الهندي النووي لم يصمد سوى بضعة أيام لتقوم إسلام آباد بالرد بتفجير نووي اعتبر الأقوى على ضوء تقارير الاستخبارات الأمريكية والتي رصدت التفجيرات النووية للبلدين.

وقد سبب هذا التوازن النووي الى تحسن العلاقات الهندية – الباكستانية وحدثت زيارات متبادلة على مستويات رفيعة وتم إطلاق قطار الصداقة بين الجزء الهندي والباكستاني من كشمير الى داخل الأراضي الهندية.

وكانت هناك مساع دبلوماسية لإيجاد حل توافقي لموضوع كشمير وكان من بينها إجراء استفتاء شعبي على غرار ما جرى في عدة مناطق وكان آخرها إقليم تيمور الشرقية والذي أدى إلى قيام كيان مستقل تعرف الآن باسم دولة تيمور الشرقية والتي كانت لسنوات طويلة جزءا من الأراضي الإندونيسية.

ولعل الإشكال في كشمير ينطلق من قضايا ديموغرافية ودينية فإقليم كشمير تبلغ مساحته 242 ألف كيلومتر مربع وهذه المساحة تعادل مساحة عدة دول في المنطقة العربية ويقدر عدد سكانها بـ 15 مليون نسمة حسب تقديرات عام 2000 وتقدر نسبة المسلمين فيها بالأغلبية حيث تشكل أكثر من 95 في المائة، وتعد كشمير منطقة جغرافية تقع شمال غرب شبه القارة الهندية وباكستان والصين في وسط آسيا.

تجدد الصراع

حبس العالم أنفاسه بعد التصعيد الأخير بين الدولتين النوويتين خاصة بعد إسقاط القوات الباكستانية طائرتين من سلاح الجو الهندي وأسر أحد طياريها ومع ذلك فقد ظهرت اتصالات من القوى الدولية المختلفة ومن الدول في الإقليم ذات العلاقة المميزة مع نيودلهي وإسلام أباد على اعتبار ان التصعيد واستمراره قد يقود إلى حرب ثالثة سوف تكون مدمرة على الأرجح وتثير الرعب في العالم على ضوء امتلاك البلدين للسلاح النووي، ومن هنا فإن الخطوة الباكستانية بإعادة الطيار الهندي الى بلده تعد خطوة حكيمة ومقدرة من باكستان وكان لها ردود فعل إيجابية حتى من الجانب الهندي أما استمرار المناوشات على جانبي الحدود فهي أمر طبيعي بعد انتهاء التوتر الأكبر ومن هنا فإن قضية كشمير لابد من إيجاد حل توافقي لها لأن عدم وجود حل سياسي قد ينذر بمخاطر في المستقبل في ظل المشكلات في الإقليم خاصة في أفغانستان.

موضوع الاستفتاء رفض من قبل الهند لأسباب ديموغرافية ومع ذلك فإن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لابد ان يضع حلا عادلا ومنصفا لقضية كشمير المتواصلة منذ اكثر من نصف قرن لأن بقاء القضية دون حل قد يتسبب في مواجهات جديدة من الصعب التنبؤ بمسارها.

ان الهند وباكستان دولتان جارتان ويجمع بينهما تاريخ طويل وعادات وثقافة مشتركة ومصالح اقتصادية كبيرة ومن مصلحة البلدين والشعبين الصديقين البحث بجدية عن حل توافقي لقضية كشمير وأن الحل التوافقي في النهاية هو الحل الأمثل الذي سوف يؤدي الى علاقات حيوية بين بلدين يملكان إمكانات هائلة من الموارد البشرية والطبيعية وأن الحروب والمواجهات سوف تضر بمصالح الشعبين الصديقين، ومن هنا فإن التحرك السياسي لتركيا وإيران وحتى الصين يعد من التحركات المهمة لأسباب تتعلق بالعلاقات والتوازنات في الإقليم وأيضا وجود علاقات إيجابية بين تلك الدول.

الصراع الذي حدث كان خطيرا لأن أي مواجهة عسكرية قد تخرج عن السيطرة مع وجود جيوش كبيرة للبلدين وقبل ذلك وجود أسلحة نووية في غاية الخطورة، ونحن نرى الجهود المتواصلة في شبه الجزيرة الكورية لإيجاد حل سياسي يبعد شبح الحرب مجددا بين الكوريتين، كما ان إسرائيل تعد كيانا خارجا عن القانون من خلال وجود أسلحة نووية تهدد المنطقة العربية والشرق الأوسط.

ومع الجهود السياسية التي تبذل الآن لإيجاد السلام الشامل والعادل في الشرق الأوسط فإن موضوع السلاح النووي الإسرائيلي لابد ان يكون حاضرا من خلال نزع هذا السلاح والذي لا يجعل المنطقة في مأمن بل قد يشجع دولا أخرى على امتلاك السلاح النووي وهي محاولات جرت في الماضي وقد تتواصل مجددا لأن الأمن القومي للدول لا يمكن المساومة عليه من قبل كيان محتل، وعلى ضوء المشهد الهندي – الباكستاني كنموذج للصراع المحتمل فإن التحرك الدولي كان يمثل القلق الكبير من انحراف تلك المواجهة المحدودة الى ما هو أكبر وأخطر فالوضع في شبه القارة الهندية لا يختلف عن الوضع في شبه الجزيرة الكورية عن الوضع في منطقة الشرق الأوسط وهناك دعوات عالمية تتحدث عن أهمية جعل المنطقة خالية من السلاح النووي والذي يهدد الأجيال وطموحات الشعوب بمناخ يسوده السلام والاستقرار.

مسار السلام

وعلى ضوء ما حدث مؤخرا بين الهند وباكستان فإن المسؤولية تحتم على المجتمع الدولي بذل مزيد من الجهود لإيجاد حل توافقي كما ان منظمة التعاون الإسلامي عليها دور مهم لإيجاد حل سياسي لقضية كشمير والدول الإسلامية ترتبط بعلاقات إيجابية مع الهند، ومن هنا فإن مسار السلام في شبه القارة الهندية وباكستان يعد على قدر كبير من الأهمية في ظل أزمات متعددة يشهدها الإقليم الآسيوي خاصة في أفغانستان والتي يمثل الصراع فيها بؤرة تهدد السلام وقد تمتد جغرافيا الى مناطق أخرى ومن هنا فإن جهود السلام الحالية بين حركة طالبان والولايات المتحدة تهدف إلى إنهاء الصراع المسلح في أفغانستان وانسحاب القوات الغربية من أفغانستان وهذا يعطي مؤشرا لإنهاء الصراع في هذا الجزء الاستراتيجي من آسيا.

وقد يمثل انحسار الصراع في أفغانستان مقدمة لإنهاء التوترات الأخرى سواء في كشمير أو الانتهاء من الصراع العربي-الإسرائيلي بشكل عادل ومنصف وعلى ضوء القرارات الدولية لأن انتهاء تلك الصراعات سوف يمهد لمناخ جديد يسوده التعاون والاستقرار ومنظومة تعاون اقتصادية متكاملة. الأمل كبير في استقرار الإقليم وأن تشهد العلاقات الباكستانية – الهندية مزيدا من الانفراج السياسي والعودة الى الحوار بعيدا عن التصعيد وتبقى الخطوة الباكستانية في عودة الطيار الهندي إلى بلده خطوة مهمة وحكيمة تحسب للقيادة في إسلام آباد لأنها نزعت فتيل مواجهة كبرى محتملة.