الملف السياسي

قمة تفي بحاجة الشعوب العربية والأوروبية

04 مارس 2019
04 مارس 2019

طارق الحريري -

توجت القمة العربية الأوروبية التي انعقدت في شرم الشيخ خلال يومي 24 و25 فبراير 2019 جهود سنوات طويلة من العمل المشترك بين أغلبية البلدان العربية وكثير من الدول الأوروبية حيث فرضت ضرورات الجغرافيا وتفاعلات التاريخ على الطرفين دواعي متزايدة تتطلب التنسيق المستمر والتعاون الدائم لمصلحة الطرفين وإن كانت كفة هذه المصالح تميل في اتجاه أوروبا في الفترة الأخيرة بعد تفاقم قضايا الإرهاب والهجرة غير الشرعية وكلاهما ترسى موجاتهم شمالا قادمة من ضفة المتوسط الجنوبية.

وهذه هي القمة الأولى التي تجمع قادة الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية على مستوى رؤساء الدول والحكومات في منطقة حيوية تشكل 12% من سكان العالم بهدف تعزيز التعاون في مجالات عدة كالتجارة والاستثمار وتنظيم الهجرة والأمن ومشكلات تغير المناخ إلى جانب القضايا الملحة في المنطقة العربية مثل القضية الفلسطينية والعمل على عودة الاستقرار إلى كل من ليبيا وسوريا واليمن.

في واقع الأمر وجدت أوروبا نفسها مضطرة إلى فتح آفاق للتعاون مع الدول العربية لاسيما تلك المطلة على البحر الأبيض المتوسط حيث تتوافد بكثافة قوافل الهجرة غير الشرعية وعناصر من الإرهابيين أو تلك الداعمة للإرهاب، ويتمثل هذا التعاون في تعزيز قوات حرس السواحل وحرس الحدود والقوات البحرية حيث تأخذ المشاركة الأوروبية أشكال متعددة بتقديم الأسلحة المعدات التي تساعد هذه القوات على أداء مهامها ولاسيما أن هناك أجيالا جديدة من هذه الأسلحة والمعدات لدى الدول الأوربية قادرة على تقديم قدرات حديثة في الكشف المبكر لأي عمليات غير شرعية أو محاولات التسلل غير القانونية مما يوفر القدرة على الإحباط المبكر والضربات الاستباقية لعصابات الإتجار بالبشر والتهريب بصفة عامة.

وتعزيزا لهذه القدرات تقوم الدول الأوروبية المشاطئة للبحر الأبيض المتوسط بإجراء عمليات تدريب بحري مشترك مع القوات في الدول الواقعة جنوب المتوسط وفيها تتم تدريبات تتيح للأطراف من الجانبين تبادل الخبرات والوصول إلى ترتيبات تلتزم بها الأطراف تقوى المواقف العملية لتحقيق الأهداف التي يسعى إليها الجميع في الشمال والجنوب لمواجهة الأخطار التي تهدد كلا من الدول الأوروبية والعربية من مصر في الشمال حتى سلطنة عمان في أقصى الجنوب حيث تقدم عمان الكثير من الدعم الملموس في مواجهة الأخطار في المنطقة العربية بما تنعم به من استقرار وحيادية لافتين مما يجعل من السلطنة عنصرا مؤثرا عندما تتدخل لرأب الصدع بين الأشقاء العرب أو أن تكون ساحة مرحبا بها عندما تفتح أبوابها لمفاوضات تشارك فيها دول أوروبية أو من الغرب والشرق عموما.

جزء من المشكلات التي تواجه أوروبا يتمثل في دول جنوب المتوسط العربية ومن خلفها دول الساحل والصحراء وكلها تواجه مشكلات اقتصادية هيكلية تؤدي إلى الهجرات غير الشرعية هروبا من الفقر، وفى الواقع فإن أوروبا عصر الاستعمار الكلاسيكي تتحمل جزءا كبيرا للأوضاع الاقتصادية الحالية بسبب عمليات النهب التي تمت أثناء عصور الاحتلال وإذا كان هذا تاريخ مسكوت عنه في أجواء القمة العربية الأوربية إلا أنه كان حاضرا في الضمير الجمعي لدى أطراف القمة وإذا كان التعويض بأثر رجعي غير وارد في حسابات التعاون بين أوروبا ومستعمراتها السابقة فإن هذا التاريخ يبقى بدرجة نسبية عاملا مساعدا في حفز المساعدات الأوروبية للدول العربية التي تواجه أزمات اقتصادية.

في واقع الأمر فإن القارة العجوز أصبحت تعج بالمشكلات والمقصود هنا بالطبع الاتحاد الأوروبي الذي يواجه تحديات ضخمة جعلته كيانا منهكا مثقلا بالصعوبات والمعوقات الداخلية لكن شتان بين مشكلاتهم المتعلقة بالرفاه ومشكلات الدول العربية الواقعة تحت أزمات اقتصادية حادة ومشكلات أمنية عنيفة في كثير من الدول، لذلك تبدت الصيغة العملية والواقعية للتعاون بين الطرفين في القمة العربية الأوروبية في مجالات التجارة بل والطاقة أيضا (لصالح أوروبا) بما في ذلك أمن الطاقة والمجالات العلمية والتكنولوجيا والبحوث والسياحة وتطوير الزراعة ومصايد الأسماك وغيرها من المجالات ذات المنفعة المتبادلة التي من شأنها خلق الثروة وزيادة معدلات النمو والحد من البطالة من أجل الاستجابة بشكل غير مكلف لأوروبا يفي باحتياجات الشعوب من الطرفين.

عززت القمة العربية الأوروبية في المرحلة الحالية حسابات أوروبا الموضوعية لتوجيه بعض استثماراتها الخارجية في مجال الصناعة إلى الدول العربية المطلة على البحر الأبيض المتوسط بما يحقق مكاسب لكلا الطرفين، فالدول الأوروبية حينما تستثمر في هذه المنطقة من العالم تحقق وفرة في أيدي عاملة رخيصة تقلل من تكاليف عملية الإنتاج وتزيد من قيمة الأرباح كما أن الموقع الجغرافي المتميز يقلل أيضا في تكاليف شحن المنتجات إلى جميع أنحاء العالم وإضافة إلى هذا فإن الموقع العربي يساعد على تسهيل الأنشطة اللوجستية بدرجة لا تتوفر مع أي دول أخرى فقصر المسافة بين دول المنطقة العربية والأوروبية يساعد الأوربيين على الانتقال السريع لأدوات التكنولوجيا والكوادر الفنية والتكنولوجية.

ومن زاوية أخرى تبرز أهمية الممرات البحرية المفتوحة على كل الاتجاهات وبالمثل الممرات البرية أيضا التي تشكل مسارات حيوية نحو العمق الأفريقي والآسيوي لمنطقة تشكل قلب العالم.

وعربيا فإن النجاح في جذب الاستثمارات الأوروبية يمثل خطوة ضرورية نحو تطوير الصناعات المختلفة والحصول على خبرات تواكب احدث ما في تكنولوجيا العصر وحل مشكلات البطالة والبطالة المقنعة التي تعاني منها كثير من الدول العربية وهذا يساعد على تحسين الأوضاع الاقتصادية.

لم تغفل القمة البعد السياسي لأوضاع المنطقة العربية التي تعاني بعض دولها من مشكلات حادة وتعقيدات ضخمة تعيق مسارات الحلول والخروج من وهاد الأزمات المزمنة والمستجدات المتواصلة والطارئة والتي تستعصي على الحل ولهذا السبب كان على الكتلتين الأقرب لهذه الأزمات بحكم الجغرافيا وتداعيات الواقع المعيش عربيا وأوروبيا البحث عن بناء مواقف متقاربة تصنع مناخا مواتيا لتجاوز هذا الواقع من منظور استراتيجي لا يقفز على الحقائق ولا يمعن في التفاؤل غير المبني على أسس موضوعية، لذلك تم التشديد في البيان الختامي على حل الأزمات الإقليمية بالطرق السياسية طبقا للقانون الدولي بما يحتويه من قواعد في مجال حقوق الإنسان الدولية والعمل المشترك على إحلال السلام في الشرق الأوسط مع الأخذ في الاعتبار قضية القدس والمستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية الموجودة في الأراضي الفلسطينية المحتلة في إطار تحقيق سلام عادل وشامل بين الفلسطينيين والإسرائيليين وحل قضية القدس الشرقية من خلال المفاوضات التي من شأنها إنهاء الخلافات مع مراعاة الحفاظ على الوضع التاريخي للأماكن ذات القدسية في المدينة المقدسة وأهمية الاستمرار في دعم الأونروا سياسيا وماليا من أجل تواصل دور الأمم المتحدة في شأن مساعدة اللاجئين.

وفيما يتعلق بالدول التي تمثل بؤر صراع وأوضاعا ملتهبة وغير مستقرة اتفق المشاركون في القمة على أطر التعاون بينهم التي تشكل آفاقا مثمرة في الاتجاه نحو حل الأزمات الطاحنة في سوريا وليبيا واليمن من خلال إحراز تقدم نحو الحلول السياسية المستقرة بما يتماشى مع قرارات الأمم المتحدة وأهمية الحفاظ على وحدة وسيادة وسلامة أراضي واستقلال هذه الدول، ففي سوريا ارتأت الأطراف كافة ضرورة دعم الحل السياسي بما يتماشى مع قرارات مؤتمر جنيف الذي انعقد في عام 2012 وقرارات مجلس الأمن اللاحقة مع التأكيد على محاسبة المسؤولين عن أعمال الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان من قبل أي طرف من الأطراف المتورطة في الأزمة مع الاستمرار في دعم الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة في ليبيا وتنفيذ الاتفاق السياسي الليبي بالاستناد إلى قرارات مجلس الأمن أرقام 2216 و2451 و 2452 وفى إطار الرؤية المستقبلية ساندت الأطراف وثمنت اتفاق ستوكهولم لوقف إطلاق النار في الحديدة مع التعاون على تثبيت أجراءات الأمن وإيصال المساعدات الإنسانية لكل أبناء الشعب اليمني على وجه السرعة.