الملف السياسي

العرب وأوروبا.. تحديات مشتركة ومصالح متبادلة

04 مارس 2019
04 مارس 2019

د. أحمد سيد أحمد -

شكلت القمة العربية الأوروبية التي عقدت للمرة الأولى في شرم الشيخ بمصر مرحلة جديدة في مسار العلاقات العربية الأوروبية ترتكز على وجود إطار مؤسسي تمثله القمة التي ستعقد بشكل دوري كل ثلاث سنوات .

وتكون آلية للتفاهم والحوار المباشر بين قادة المنطقتين حول التحديات والتهديدات وسبل تفعيل وتطوير العلاقات بينهما في مختلف المجالات.

نبعت أهمية القمة العربية الأوروبية الأولى من عدة نواح:

أولا: حجم المشاركة الكبيرة للجانبين في القمة التي ضمت ما يقارب خمسين دولة، 28 دولة أوروبية و22 دولة عربية، بما يوازي ربع عدد دول العالم، كما أن سكان المنطقتين يمثلون ما يقارب 16% من عدد السكان، كذلك حجم مستوى التمثيل المرتفع في القمة والتي شهد حضور ملوك ورؤساء ورؤساء حكومة وممثلين لهذه الدول جميعها، وأعطاها ثقلا كبيرا، إضافة إلى حجم الاهتمام العالمي إعلاميا وسياسيا بالقمة. ثانيا: أبرزت كلمات مختلف الوفود في القمة أن هناك قواسم مشتركة بينها تتمثل في ضرورة تكاتف الجانب العربي والأوروبي في مواجهة التحديات المشتركة والتي لا يمكن لدولة بمفردها أن تواجهها وتحتاج إلى تكاتف وتعاون جميع الدول، أي أن المخاطر المتزايدة والمشكلات والتحديات التي تواجه أوروبا والعرب تدفع إلى حتمية التقارب والتعاون وتطوير آليات شفافة ومحددة وبلورة الرؤى والمواقف المشتركة إزاء تلك المخاطر. وبالطبع تتجسد أبرز التحديات في خطر الإرهاب والهجرة غير المشروعة إلى أوروبا واستمرار الصراعات والنزاعات في المنطقة، ولا شك أن تلك التحديات مترابطة ببعضها البعض، فاستمرار الصراعات والحروب والأزمات في المنطقة كما هو الحال في سوريا وليبيا واليمن والعراق وغيرها، ساهم في انهيار الدولة الوطنية وانتشار الفوضى وتنامي خطر الإرهاب وهو ما تسبب بدوره في تزايد الهجرة غير المشروعة واللاجئين والنازحين والفارين من جحيم الحروب والإرهاب، ولذلك فإن المواجهة يجب أن تكون شاملة ومتكاملة، أي ضرورة تحقيق التسوية السياسية للأزمات والصراعات وفق حلول توافقية تستوعب الجميع، وترتكز على الحفاظ على الدولة الوطنية ومؤسساتها الشرعية خاصة أجهزة الأمن والجيش والمؤسسات الإدارية وضمان سيادة ووحدة هذه الدول واستقلالها، والعمل معا على مواجهة خطر الإرهاب وفق منظور شامل أيضا يقوم على المواجهة الفكرية والعسكرية والأمنية والاستخباراتية وتبادل المعلومات بين الدول الأوروبية والعرب لمنع تسلل الإرهابيين، خاصة بعد اندحار تنظيم داعش في العراق وسوريا ومساعيه للبحث عن حاضنات جديدة في مناطق رخوة مثل ليبيا ومناطق عديدة بأفريقيا، وهنا يبرز أهمية التنسيق والتعاون العربي الأوروبي سواء في العمل المشترك من اجل تسوية الأزمات في سوريا وليبيا واليمن، كذلك التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، وتجفيف مصادر تمويله، خاصة أن أوروبا والعرب كانوا على رأس ضحايا الإرهاب، حيث استهدفت تفجيرات التنظيمات الإرهابية العديد من الدول العربية والأوروبية خلال السنوات الماضية.

ثالثا: إن مواجهة مشكلة الهجرة غير المشروعة والتي تتمثل في عبور آلاف الشباب من الشرق الأوسط وأفريقيا للبحر المتوسط فرارا إلى أوروبا بسبب الهروب من الحروب أو من الفقر والبطالة، يتطلب أيضا المنظور الشامل في التعاطي من جانب أوروبا والعرب الذي يرتكز على معالجة أسباب تلك الظاهرة بشكل جذري، فبالإضافة إلى إطفاء الحرائق المشتعلة والحروب والصراعات لمنع تدفق المزيد من المهاجرين واللاجئين، تبرز أهمية المنظور التنموي أي تجفيف بيئة الفقر التي تدفع هؤلاء إلى الهجرة إلى أوروبا، وهنا يبرز أهمية التنسيق والتعاون العربي الأوروبي في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة في البلدان التي تشهد حروبا وأزمات وصراعات كذلك مساعدة الدول الفقيرة في أفريقيا والتي تشكل مصدرا للهجرة في تحقيق التنمية، وهنا يقع دور كبير على أوروبا في المساعدة لتلك الدول في تحقيق عملية تنموية شاملة واستغلال طاقات الشباب وتوظيف الموارد الطبيعية والبشرية الهائلة التي تتمتع بها منطقة الشرق الأوسط والقارة الأفريقية، وأن تتحول القارة السمراء من مصدر للمواد الخام وسوق لتصريف منتجات الدول الغربية والأوروبية، إلى منطقة مزدهرة اقتصاديا، وهذا يتطلب إقامة شراكة اقتصادية شاملة ومتكاملة بين العرب وأوروبا، في إطار من التعاون والتكامل الذي يقوم على الميزة النسبية لكل طرف، وليس منطق التنافس والاختلاف. ولا شك أن هناك قواسم وأرضية كبيرة لتحقيق المزيد من التعاون الاقتصادي والتنموي بين العرب وأوروبا، فالعلاقات التجارية بينهما تزيد على 300 مليار يورو سنويا، كما أن الاتحاد الأوروبي يعد الشريك التجاري الأول للعالم العربي، وهناك استثمارات ضخمة بين الجانبين، ومن هنا برزت أهمية القمة العربية الأوروبية في توضيح خريطة الفرص والاستثمارات التي يمكن تفعيلها بين الجانبين في كافة المجالات.

رابعا: تساهم القمة العربية الأوروبية وانعقادها بشكل دوري في إيجاد أليات مباشرة للحوار والتفاهم والتنسيق حول مواجهة المشكلات وسبل تفعيل وتطوير العلاقات وإزالة العقبات التي تعترضها بشكل فوري ومنتظم، وهو ما يضمن تحقيق التراكم والاستمرارية في تلك العلاقات سواء في مواجهة الأزمات أو في مجالات التعاون الاقتصادي والثقافي، كما أنها تساهم في تصحيح المفاهيم وإزالة الصور النمطية المغلوطة والمشوهة ومنها الربط بين الإرهاب وبين الإسلام والمسلمين والعرب، والتي تسببت فيها التنظيمات الإرهابية وعملياتها الإرهابية وقامت حركات اليمين المتطرف في أوروبا بتوظيفها وشن حملاتها الإعلامية على العرب والمسلمين والمهاجرين، وهو ما أدى إلى زيادة حالة الكراهية والاضطراب، ومن ثم تبدو أهمية مؤسسة القمة العربية الأوروبية في إزالة أوجه الاحتقان ونزع فتيل الكراهية ومواجهة التنظيمات الإرهابية وحركات اليمين المتطرف معا واللتان توتران العلاقات العربية الأوروبية.

وبالتالي ساهمت القمة العربية الأوروبية في وضع أسس جديدة لمسارات التعاون بين ضفتي المتوسط، أولها مسار التعاون والتكاتف في مواجهة التحديات والمشكلات التي تهدد كل الجانبين مثل الإرهاب والهجرة غير المشروعة والنزاعات والحروب، وضرورة بلورة صيغة للتعاون بينهما في تسوية تلك الأزمات وبالطبع على رأسها القضية الفلسطينية التي تمثل أم القضايا ومفتاح الأمن والاستقرار في المنطقة وبدون حلها بشكل عادل وشامل يضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وعلى رأسها حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود 1967 وحل عادل لمشكلة اللاجئين، ستظل المنطقة تدور في حلقة مفرغة، وتظل بيئة عدم الاستقرار التي تغذي الإرهاب والعنف في المنطقة، ولذا تبرز أهمية توظيف الدور الأوروبي الإيجابي في التعامل مع القضية الفلسطينية والذي تبلور في التأكيد على ضرورة حل الدولتين ورفض أية حلول انفرادية للسلام لا تحقق السلام العادل والشامل، كما اعترفت الكثير من البرلمانات الأوروبية بالدولة الفلسطينية، لكن تظل هناك حاجة إلى تفعيل الدور الأوروبي في عملية السلام لإخراجها من حالة الجمود التي تعيشها منذ سنوات بسبب التعنت الإسرائيلي والانحياز الأمريكي، والعمل من أجل الضغط على الأطراف المختلفة لإعادة إحياء تلك العملية وتحقيق السلام العادل والشامل وفق المرجعيات الدولية. وثانيها المسار التنموي والذي يرتكز على تفعيل التعاون الاقتصادي والتنموي وزيادة الاستثمارات المشتركة خاصة في مجالات الطاقة المتجددة وتكنولوجيا المعلومات والأمن الغذائي وأن يكون لأوروبا دور فاعل في إعادة إعمار المناطق التي دمرتها الحروب في بعض الدول العربية والمساعدة على إعادة اللاجئين والنازحين والمهاجرين إلى مناطقهم وبلدانهم، وكل هذا يمثل مجالات واسعة للتعاون العربي الأوروبي.

ولا شك أن القمة العربية الأوروبية ليست نهاية المطاف، لكنها على الأقل وضعت أسسا جديدة للتعاون بين الجانبين تتطلب توافر الإرادة السياسية وتوسيع مجالات التعاون، وأن يعرف كل طرف ماذا يريد من الطرف الأخر وماذا يستفيد منه، وهو ما يعني أن المصالح والمنافع المتبادلة بينهما تدفع في طريق التعاون كما أن التحديات المشتركة تدفعها لحتمية التلاقي.