أفكار وآراء

الشورى وضوابط الإعلام الجديد

03 مارس 2019
03 مارس 2019

أ.د. حسني نصر -

بدعوة كريمة من لجنة الإعلام والثقافة بمجلس الشورى، شاركت وعدد من الزملاء الأكاديميين بقسم الإعلام بجامعة السلطان قابوس الثلاثاء الماضي في اللقاء الذي عقدته اللجنة برئاسة سعادة علي بن أحمد المعشني في إطار الدراسة التي تقوم بها حول الضوابط المهنية والأخلاقية المنظمة للإعلام الجديد في السلطنة، وتستهدف التوصل إلى مجموعة من الضوابط والمعايير المهنية والأخلاقية لممارسات وسائل الإعلام الجديدة، من الضروري الإشارة إلى النقاش الثرى الذي شهدته الجلسة، ووضع النقاط على الحروف، وأزال اللبس حول العديد من المسلمات في هذه القضية الشائكة.

أول وربما أهم هذه المسلمات هي تلك التي أكد عليها سعادة خالد المعولي رئيس مجلس الشورى، بأن المجلس حريص كل الحرص على تعزيز حرية الرأي والتعبير عبر كل منصات النشر الإلكترونية الجديدة، وأن دوره في هذا الإطار لا يتضمن وضع ضوابط للإعلام الجديد بخلاف تلك القائمة في القوانين الحالية. وفي ضوء أدوار المجلس المعروفة في التشريع والرقابة فإن فكرة وضع ضوابط ومعايير مهنية وأخلاقية لهذا الإعلام خارج الإطار التشريعي لا تتوافق وهذه الأدوار، خاصة وأن لدى السلطنة قانون قائم بالفعل للمطبوعات والنشر منذ عام 1984، وقانون جديد يجري إعداده، كما أن لديها ميثاق شرف مهني وأخلاقي للإعلام صدر العام الماضي عن جمعية الصحفيين العمانية، تغطي مبادئه وما تضمنه من مسؤوليات وواجبات وحقوق وضوابط مساحات واسعة من الإعلام الجديد.

الواقع أن هذا التأكيد من جانب رئيس المجلس جاء متوافقا ربما إلى حد التطابق مع المداخلات الأكاديمية، التي دارت في مجملها حول عدد من القضايا المفصلية سواء في الدراسة الجارية، أو في واقع التنظيم القانوني والأخلاقي للإعلام الجديد في السلطنة. أول هذه القضايا تتعلق بضرورة التفرقة بين الإعلام الإلكتروني الذي تمثله المواقع الإخبارية التابعة لمؤسسات إعلامية احترافية وبين منصات الإعلام الجديدة التي تعتمد على مشاركات المواطنين الصحفيين مثل شبكات التواصل الاجتماعي. فالأولى، أي المواقع الإعلامية، تخضع للتنظيم القانوني المتمثل في قانون المطبوعات والنشر لعام 1984 بعد تعديل المادة 26 منه في عام 2011 لتشمل كل صور النشر بما في ذلك البث من خلال استخدام الشبكة المعلوماتية أو وسيلة من وسائل تقنية المعلومات. وينطبق على العاملين بهذه المواقع ما ينطبق على العاملين بالمؤسسات الإعلامية التقليدية فيما يتعلق بمحظورات النشر الواردة بالفصل الرابع من القانون مثل عدم الإضرار بالنظام العام، والدعوة إلى اعتناق أو ترويج ما يتعارض مع مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، وعدم جواز نشر ما من شأنه المساس بسلامة الدولة أو أمنها الداخلي أو الخارجي، وعدم المساس بالأخلاق والآداب العامة والديانات السماوية، وحماية أسرار الحياة الخاصة، وعدم التحريض على ارتكاب الجرائم أو إثارة البغضاء أو إشاعة الفحشاء أو بث روح الشقاق بين أفراد المجتمع.

وإذا كان من المتوقع إصدار قانون جديد للإعلام في المستقبل فإنه من المتوقع أن يتضمن فصلا ينظم الإعلام الإلكتروني من حيث إصدار التراخيص وشروطها والجهات الخاصة به ومسؤولية القائمين عليه. على نفس المنوال فإن التنظيم الذاتي للإعلام العماني المتمثل في ميثاق الشرف الذي أشرنا إليه يغطي ممارسات الإعلاميين في المواقع الإلكترونية إلى حد كبير. وعلى هذا الأساس فإن التنظيم القانوني وكذلك التنظيم الذاتي للإعلام الإلكتروني قائم بالفعل، ومن ثم لا يحتاج الأمر إلى البحث عن المزيد من الضوابط القانونية والأخلاقية.

واقع الأمر أن الحديث عن قيام مجلس الشورى بوضع ضوابط لممارسات مستخدمي صحافة المواطنين مثل المدونات وشبكات التواصل الاجتماعي، لا يندرج ضمن مهام ومسؤوليات مجلس الشورى من جانب، ولا يتوافق مع طبيعة وخصائص هذه المنصات التي من الصعب متابعتها ومراقبة المنشورات عليها طول الوقت من جانب آخر. فضلا عن ذلك فإن قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 12 لسنة 2011 يعالج هذه الممارسات، خاصة وان المادة الثانية منه وسعت نطاق أحكامه لتسري على «جرائم تقنية المعلومات متى أضرت بإحدى مصالحها أو إذا تحققت النتيجة الإجرامية في إقليمها أو كان يراد لها أن تتحقق فيه ولو لم تتحقق». ويتضمن القانون فصلا كاملا (الفصل الخامس) لجرائم المحتوى تنطبق مواده على ممارسات الأفراد على منصات الإعلام الجديد، وتجرم على سبيل المثال وليس الحصر استخدام الشبكة أو وسائل تقنية المعلومات في إنتاج أو عرض أو توزيع المواد الإباحية، والتحريض على الفجور، والاعتداء على حرمة الحياة الخاصة، والتعدي على الغير بالسب أو القذف، والمساس بالآداب العامة، والتهديد والابتزاز، والمساس بالقيم الدينية أو النظام العام، ونشر أفكار إرهابية.

في ضوء ما سبق يتضح أن تنظيم الإعلام الجديد في السلطنة، لا يحتاج إلى مزيد من الضوابط القانونية والمهنية والأخلاقية، بقدر ما يحتاج إلى تفعيل القائم من هذه الضوابط، إلى جانب توعية المستخدمين الأفراد بهذه الضوابط، ونشر الثقافة الإعلامية، وتعليم النشء مبادئ وأخلاقيات التعامل مع هذه الوسائل، وهو ما يمكن لمجلس الشورى المساهمة فيه سواء من خلال دراسة واقتراح آليات التفعيل الممكنة، أو من خلال قيادة حملات توعوية بالتعاون مع وزارة الإعلام، وحث وزارة التربية على تبني منهاج مبسط في التربية الإعلامية.