adil
adil
أعمدة

مقال: أفلام التذكير بالأحلام

03 مارس 2019
03 مارس 2019

بقلم: عادل محمود -

«هناك ثلاث طرق لتنفيذ الأمور: طريقة خاطئة، وطريقة صحيحة و... طريقتي أنا»

روبيرت دو نيرو

يرى الفن عموما والسينما خصوصا ما لا يراه الآخرون. وبهذا المبدأ الإشكالي والبسيط، في آن معا، يعمل دائما المخرج السوري عبد اللطيف عبد الحميد.

في أفلامه كلها توجد أنواع مختلفة من قصص الحب. ولكنها كلها حب حقيقي تعيقه ظروف قاهرة، وتشوهات بيئة، ومصادفات قاسية. الحب بوصفه أحد أهم وسائل العافية البشرية.

فيلمه الأخير «عزف منفرد» رؤية، ودعوة مباشرة إلى العودة الفورية إلى واجب الإنسان الأخلاقي، بوصفه إنسان، في مؤازرة إنسان آخر في مأزق، بوصفه إنسان أيضا.

المساعدة، إذا لم يقدمها أحد لأحد، في ظروف الحرب، قد تجد عذرا للتقاعس. ولكن دعوة عبد اللطيف إلى المساعدة تعني امتحانا نهائيا للضمير، وصونا له، واختبارا لمكوناته.

ويمثل هذا البيت، المعيار المتطرف غير المنقوص، لفكرة العطاء الطبيعي وليس السخاء الاستعراضي.

ليس العطاء من الفضول سماحة

حتى تجود وما لديك قليل

أفلام الحرب في سوريا ركزت على القسوة والعنف والنتائج المدمرة ليس فقط للمدن والبيوت والممتلكات، وإنما للأخلاق ومنظوماتها، للضمائر ومكوناتها. وأرتنا بعض هذه الأفلام عبث الحروب حين يكون المنتصر يساوي المهزوم، وحين النصر مجرد رقص على القبور.

فيلم «عزف منفرد» ـ وقد نال في المغرب جائزة الجمهور، وهي استفتاء على فيلم، ومعنوياً جائزة محترمة ـ يعيد هذا الفيلم الاعتبار إلى قيمة بسيطة موجودة في عالم المجتمعات ومنظومات القيم وهي «المساعدة بصرف النظر عن الفائدة». قيمة انخفضت، للأسف، قيمتها، وتكاد تكون مدمرة كلها، هذه الأيام، بسبب الحرب.

الفيلم يقدم نموذجا يكاد يكون افتراضيا، نموذج الحد الأقصى، ولكنه الطبيعي، للتعاطف والحنان والمؤازرة والاستهداء بقيم المبادرة إلى العون في الشدائد.

كل شخصيات الفيلم تنتمي إلى عالم الصعوبات اليومية في سبيل العيش، وكل شخصيات الفيلم تتطوع للمساعدة، عند طلب المساعدة. ومن ناحية الوظيفة التفاعلية مع الحياة، كلهم موسيقيون ومن أبناء محنة الظروف القاهرة. ومع ذلك يعيدون بناء القيمة القديمة ويضحّون في سبيلها، وفيما هم يعملون ليلا في المطاعم، لكسب العيش، يصنعون الفرح في قلب الظلام.

قبل عشرين عاماً كتبت عن عبد اللطيف:

«يحاول عبد اللطيف تجميل كارثة البطولة. يحاول تجميل الطريق إلى هدف لا يتحقق. يحاول إيصال الموت إلى حافة الضحك، ويعطي للجنائز، الموجودة في معظم أفلامه، جمالاً تستحقه الحياة، بدلاً من رهبة يبثها الموت.

«لكي لا نعاني من التعاطف مع مآزق أبطاله....فإنه يقدمهم خفيفي دم، فكاهيين يضحكون من أنفسهم، فيخلق من «ليلى» نكتة على دمعتها. ويحوّل «قيس» إلى راقص في جنازته. وهكذا يضحك الجمهور على ما يُبكي، ويحزن على ما يُضحك».

ثمة أقوال جميلة تعبر عن حالة عبد اللطيف، أنشر بعضاً منها:

«دافعي لصنع الأفلام هو لمساعدة الناس على الحياة، وهم أحياناً في منتهى البؤس» ـ تاركوفسكي

السينما هي الخدعة الأجمل في التاريخ ـ جان لوك غودار

السينما الجيدة هي التي تستطيع تصديقها ـ عباس كورستامي.