أفكار وآراء

هل العالم على شفا انفجار نووي؟

01 مارس 2019
01 مارس 2019

إميل أمين - كاتب مصري -

[email protected] -

أحد أهم الأسئلة المثارة الآن لدى الباحثين في الشأن الدولي هو ذاك المتعلق بالصراع النووي عالميا، وهل هناك بالفعل احتمالات لانفجار نووي، ذاك الذي تجنب العالم حدوثه في القرن الماضي، وها هي الأيام تعيد التجربة مرة أخرى، ويخشى الجميع أن يجد الشتاء النووي طريقه إلى العالم بعدما قدر للبشرية تجنبه في القرن المنصرم.

ما الذي يدعونا إلى إعادة فتح هذا الملف المثير مرة أخرى هذه الأيام ؟ ربما يمكن للمرء البداية من عند إعلان الولايات المتحدة الأمريكية على لسان وزيرها مايك بومبيو مؤخرا الانسحاب من معاهدة القوى النووية مع روسيا والذي بدا بالفعل في 2 فبراير الماضي.

لم يتوقف المشهد الأمريكي عند تصريحات بومبيو، بل امتد إلى ما فاه به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من أن الولايات المتحدة الأمريكية ستطور خياراتها العسكرية الخاصة، وستعمل جنبا إلى جنب مع الناتو وحلفائها الآخرين، لمنع روسيا من استخدام أسلحتها بطريقة غير قانونية.

ترامب يذهب إلى أن روسيا قد خرقت معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى منذ عام 2014، وانه حان الوقت للرد عليها بالمثل...

هل توقف الرد ألأمريكي عند هذا الأفق والمستوى السلبي أم نحا إلى ما هو أصعب وأخطر؟

يبدو أن الخيار الثاني هو ما جرت وتجري به الأقدار، فقد بدأت الولايات المتحدة الأمريكية في ولاية تكساس بإنتاج الرؤوس الحربية منخفضة الطاقة، وهذا ما تم إعلانه من خلال إدارة الأمن النووي الوطنية الأمريكية، والتي أشارت إلى أن الرؤوس الحربية الجديدة ستدخل الخدمة في البحرية الأمريكية بنهاية العام المالي 2019.

لم يكن الإعلان النووي الأمريكي الأخير هو الأول من نوعه في الآونة المعاصرة، ففي العام الماضي أعلنت الولايات المتحدة أنها بدأت بتطوير أسلحة نووية واعدة منخفضة الطاقة، رغم أن أنصار حظر الأسلحة النووية وعدد من الديمقراطيين في الكونجرس يعارضون إنتاج مثل هذا النوع من الرؤوس النووية.

هل كان للجانب الروسي أن يصمت طويلا في مواجهة تطورات المشهد الأمريكي النووي على الأرض؟

الجواب يستدعي الرجوع إلى خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأيام القليلة الماضية أمام الجمعية الفيدرالية الروسية، ذاك الذي يشبه خطاب العرش في الدول الملكية، أو خطاب حالة الاتحاد في الولايات المتحدة الأمريكية الذي يلقيه الرئيس الأمريكي مرة كل عام في أواخر يناير. باختصار غير مخل تحدث بوتين عن أنواع أسلحة جديدة كفيلة بان تحيل سلام العالم إلى هلع وخوف كبيرين، جوا وبرا وبحرا، ومن أمثلة ذلك الصاروخ الجديد المسمى « افانغارد» الذي يهاجم ككرة من نار، ويمكنه الطيران بسرعة تزيد عن سرعة الصوت بعشرين مرة، كما يمكنه المناورة وتغيير اتجاهه بسرعة، واختراق كافة أنظمة الدفاع التي تحاول اعتراضه، والقادر على الوصول إلى أي مكان حول الكرة الأرضية، وفي أي وقت تشاء القيادة الروسية.

أسلحة روسيا النووية تنطلق الآن إلى ما هو أبعد، فقد تحدث بوتين أيضا عن الغواصة الروسية النووية الجديدة والتي تسمى «بوسيدون»، وستدخل الخدمة بالفعل مع أبريل المقبل.

الغواصة بوسيدون تسير من غير عنصر بشري وتحمل أعدادا كبيرة من الصواريخ النووية، لكن فكرة هذه الغواصة تتجاوز الغرض التقليدي من الغواصات، فهي مجهزة أمام الساحل الشرقي والغربي للولايات المتحدة الأمريكية من اجل إحداث تفجيرات تحت مياه المحيط وبأعماق كبيرة جدا، تفجيرات كهرومغناطيسية من خلال الصواريخ النووية، الأمر الذي يمكن أن ينجم عنه موجات عاتية من التسونامي والكفيلة بإغراق كبريات المدن الأمريكية على الجانبين الشرقي حيث المحيط الأطلسي والغربي حيث المحيط الهادي.

من السبب في هذا التوتر الجانب الروسي أم الأمريكي؟

تبدو حالة انعدام الثقة بين الجانبين هي سيدة الموقف، فالأمريكيون يسعون من جديد إلى بناء قوتهم الفضائية التي حلموا بها في ثمانينات القرن المنصرم، زمن رونالد ريغان، ذاك الذي آمن بان معركة هرمجدون الأسطورية لابد وان تحدث في زمانه مع الاتحاد السوفييتي، ويبدو أن ترامب يسير أيضا في ركابه، ولهذا يسعى جاهدا إلى استنهاض همة المجمع الصناعي العسكري الأمريكي لإدراك الهدف الجديد والمتمثل في إقامة مظلة من أشعة الليزر تحمي السماوات الأمريكية من الصواريخ الروسية أو الصينية، لكن يبدو أن الثعلب الروسي، يفكك ويفخخ تلك المنظومة على الأرض وفي الفضاء من جراء ما لديه من قناعات... عن تلك اليقينيات الروسية الثابتة تجاه الخصم الأمريكي ؟

مؤخرا تحدث الخبير العسكري الروسي «كونستانتين سيفكوف» بالإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت أنها بصدد تحقيق التفوق النووي على باقي العالم، ومن اجل ذلك تدرس إمكانية شن حروب صغيرة قد تكون بعضها نووية، على روسيا من الشرق الأدنى، ومنطقة البلطيق.

والشاهد أن مخاوف الجانب الروسي من الولايات المتحدة الأمريكية مثيرة للغاية وتتصل بالرئيس نفسه ربما بأكثر من اتصالها بالبنتاغون، وهذا ما تجلى مؤخرا في اعتزام بعض أعضاء الكونجرس تقييد حق الرئيس ترامب في استخدام الأسلحة النووية، على الرغم انه دستوريا القائد الأعلى للقوات المسلحة الأمريكية ولهذا يحق له اتخاذ قرارات الحرب، بما فيها استخدام الأسلحة النووية حول العالم.

قدم أعضاء الكونجرس من الجمهوريين والديمقراطيين، مشروعي قانونين بهذا الشأن، وإذا تم تبنيهما فإن السياسة الرسمية للولايات المتحدة ستكون رفض استخدام الأسلحة النووية، وسيكون من حق ترامب إصدار أمر باستخدامها فقط بعد موافقة الكونجرس على هذه الخطوة. أما السبب وراء ذلك فقد عبر عنه معارضو ترامب من قبل، حين اعتبروه مفتقر للأهلية، ويخشى من قراراته المتسرعة والمتهورة، والتي يمكن أن تشعل حربا نووية حول العالم في أي وقت كان. هل إشكالية الأسلحة النووية قاصرة على المواجهة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا فقط أم هناك أطراف أخرى حول العالم تعزز من المخاوف التي نحن بشأنها؟

يعلم القاصي والداني أن الصين ترتب أوراقها جيدا من أجل مشاركة الأقطاب الدولية نفوذها بحيث يضحى العالم ثلاثي الأقطاب، وليس ثنائيا فقط، وهي تدرك أن الطريق إلى هذا الغرض يمر من خلال مرحلتين:

الأولى هي الاستعداد الاقتصادي والانطلاقة الامبراطورية تجاريا حول العالم، ومن خلال الفوائض المالية الكبيرة، تجيئ الخطوة الثانية، وهي الامتداد الامبراطوري العسكري، وإنشاء القواعد العسكرية حول العالم.

هنا يبدو أن الصين قد أدركت الغرض الأول، وماضية في طريق الغرض الثاني العسكري، فعلى سبيل المثال ومن أجل حجز موقع وموضع لها على خارطة العالم المأزوم نوويا استعرض الجيش الصيني أقوى صواريخه الباليستية خلال أحد التدريبات العسكرية الأخيرة لفرقة « روكيت فورس»، في العاصمة بكين، مع تسارع وتيرة التطور في قدراتها العسكرية الجوية.

في هذا الاستعراض لم توفر الصين عرض صاروخ يبلغ مداه 7500 ميل على الأقل أي 12 ألف كيلومتر، ويمكن أن يحمل ما يصل إلى 10 رؤوس نووية، كما يتميز الصاروخ الخارق بسرعة جنونية، وقد تم عرض عدد من الصواريخ الموجهة قصيرة المدى في الاستعراض نفسه، بالإضافة إلى أخرى طويلة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية حربية، وضرب ما اسمته أهدافا مهمة على اليابسة والسفن المتوسطة إلى الكبيرة في البحر بدقة.

في هذا الإطار كان من الطبيعي أن لا تنضم الصين إلى معاهدة حظر الصواريخ النووية، وهذا ما اعلنه « يانج جيتشي» الممثل الأعلى للسياسة الخارجية الصينية، في كلمته أمام مؤتمر ميونيخ الأسبوعين الماضيين، حيث قال:« إن توجه بلاده في التسلح العسكري يسير وفقا للضرورات الدفاعية بصورة صارمة، وأضاف: نحن ضد تعدد أطراف معاهدة القوى النووية المتوسطة.

هل ما لدى الصين من صواريخ يزعج بقية أطراف العالم بالفعل؟

بحسب البيانات العسكرية حول العالم، فإن الصين تمتلك في الوقت الحاضر نحو 2000 صاروخ باليستي وصواريخ كروز من النوعيات التي تسري عليها المعاهدة، وهو رقم كفيل بجعل العالم يقلق من ناحية ثالثة بجانب موسكو وواشنطن.

الشيء الجديد في قصة الانفجار النووي التي نحن بصددها هذه المرة، بلغتنا أخباره من خلال دراسة حديثة أجراها الكونجرس الأمريكي عن عمل بعض الدول مثل روسيا والصين، على صنع قنابل نووية بمساعدة أقوى النبضات الكهرومغناطيسية، والتي يمكنها أن تعطل جميع الأجهزة الإلكترونية على مسافات بعيدة.

يقول التقرير:« إن الهجوم باستخدام الأسلحة الكهرومغناطيسية النووية هو جزء من العقائد العسكرية والخطط والتدريبات الخاصة بروسيا والصين وكوريا الشمالية، من اجل إحداث طريقة ثورية جديدة لشن الحرب. وتسمى هذه الطريقة الجديدة حرب الجيل السادس، وحرب عدم الاتصال، والحرب الإلكترونية، وحرب المعلومات الشاملة، والحرب النووية الإلكترونية، كما تسمى أيضا حرب الكسوف بسبب التأثير الكارثي على أي إلكترونيات.

هل هو انفجار نووي ضد الأجهزة وبعيدا عن البشر ؟

الأسلحة النووية الحديثة من هذا النوع سيتم استخدامها على ارتفاعات عالية جدا، ما يعني أن تأثيراتها بالفعل على الإلكترونيات سيكون مدمرا، ولا تشكل خطرا على الناس بطريق مباشر، لكنها تتسبب في قطع التيار الكهربائي، وانهيار البنية التحتية العسكرية والمدنية على حد سواء، الأمر الذي يجبر الخصم على الاستسلام للطرف المهاجم.

هذه الأسلحة لا تتطلب دقة الضرب، واستخدامها أسهل من استخدام الرؤوس الحربية النووية التقليدية التي تنفجر في الغلاف الجوي فوق الأهداف، علاوة على ذلك، يمكن نقل سلاح جديد إلى مكان الاستخدام بطرق متنوعة مثل الطائرات وأنواع مختلفة من الصواريخ، وحتى مجسات الأرصاد الجوية.

هل لهذه الأسباب أبقى العلماء عقارب الساعة المعروفة باسم « ساعة القيامة» عند حدود دقيقتين فقط قبل الوصول إلى الساعة الثانية عشرة أي قبل الانفجار النووي المحتوم ؟

تظهر الساعة الآن نفس الوقت الذي كان في العام 1953 أي بعد اختبارات القنبلة الهيدروجينية من الجانب الأمريكي، وهذا أمر معناه أن العالم بات مهددا بالفعل بنشوب صراع نووي، إلا ما رحم ربك في الحال والاستقبال.