أفكار وآراء

هل فشلت استراتيجية واشنطن في أفغانستان؟

27 فبراير 2019
27 فبراير 2019

سمير عواد -

كل يوم تطالعنا الأنباء والتقارير الواردة من أفغانستان بأرقام محزنة جديدة عن عدد ضحايا الهجمات التي تقوم بها الجماعات المسلحة ضد عناصر تابعة للجيش والشرطة في أفغانستان، بالإضافة إلى تفجيرات تستهدف مؤسسات الحكومة الأفغانية وما يُسمى بالأهداف الناعمة، مثل المساجد والأسواق والمنشآت الرياضية والفنادق والمطاعم، ليس في العاصمة «كابول» فحسب بل في مدن أخرى في أنحاء أفغانستان.

بحسب تصريحات المحلل الأفغاني المعروف عزيز رافعي إلى تلفزيون شمال ألمانيا، تواجه قوى الأمن الأفغانية صعوبات بالغة في تفادي وقوع هذه الهجمات وأن الدمار والموت الذي تخلفهما إضافة إلى ارتفاع عدد الضحايا بين عناصر الجيش والشرطة والمدنيين في المدن الكبرى، علامة واضحة على فشل قوى الأمن الأفغانية والاستخبارات الأفغانية في مواجهة الهجمات والسعي لاحتوائها.

واستناداً لتقديرات مجموعة النزاعات الدولية فقد وصل عدد ضحايا الهجمات الإرهابية خلال عام 2018 المنصرم أعلى مستوى مما يؤكد أن حركة طالبان تستعجل الحسم العسكري من جهة، ومن جهة ثانية تتفاوض مع ممثلي الإدارة الأمريكية، في إطار استراتيجية مزدوجة، رداً على استراتيجية مزدوجة مماثلة يمارسها الأمريكان في أفغانستان.

وبينما وصل عدد ضحايا الصدامات العسكرية والتفجيرات في عام 2017 إلى حوالي 19700 قتيل من الجانبين، فإن برنامج رصد النزاعات السويدي «أوبسالا» أكد أن عدد الضحايا خلال عام 2018 ارتفع إلى 20000 ضحية. ويُعتقد أن الأرقام الحقيقية أعلى لأن الحكومة الأفغانية تغض الطرف عن الكشف باستمرار عن عدد الضحايا في صفوف الجيش والشرطة. لكن لا أحد ينكر حدوث مواجهات بشكل يومي تستهدف نقاط التفتيش في كافة أرجاء أفغانستان تؤدي دائما إلى مقتل وجرح عناصر في قوى الأمن الأفغانية. وأحد أبرز أسباب تركيز طالبان على قتل عناصر الشرطة، كونهم ليسوا مدربين مثل عناصر الجيش على المواجهات المسلحة وليسوا مجهزين بأسلحة ورغم ذلك يتم استخدامهم في نقاط التفتيش وحماية المباني الحكومية. وقبل أشهر قليلة طلبت قيادة الشرطة الأفغانية إصلاح الاستراتيجية الأمنية عبر تحسين تسليح عناصر الشرطة وتجهيزهم بأسلحة حديثة وعربات عسكرية.

في الأشهر الماضية لم ينخفض عدد عناصر الأمن بسبب مقتل الكثيرين منهم أو الانضمام لصفوف طالبان، بل انخفضت أيضا معنوياتهم وعزيمتهم على مكافحة طالبان ويبلغ عددهم حاليا أقل من 350 ألف عنصر. لكن شبكة محللي الأوضاع في أفغانستان وهي مستقلة كشفت أخيرا أن الفساد يطال الأمن مما يؤثر سلباً على الأوضاع الأمنية. من الأمثلة على ذلك أن عدد عناصر الأمن أقل من الموجود في البيانات الورقية حيث هناك أسماء وهمية يتم صرف رواتب باسمها تنتهي في جيوب فاسدين وهذا يُضعف معنويات عناصر الشرطة والجيش وقال توماس روتيغ، أحد مؤسسي الشبكة التي تنشر أنباء تهدف لتقديم صورة حقيقية عن الأوضاع في أفغانستان: عندما يلاحظ عناصر في الشرطة والجيش أن مرؤوسيهم يحققون الغنى وراء على حسابهم، فإنهم لا يترددون في الانضمام لطالبان. وبحسب تقارير صحفية ألمانية، أصبحت حركة طالبان تسيطر على نصف الأراضي الأفغانية وباتت مدن كبيرة ومحافظات كاملة خاضعة لسيطرتهم. وبينما يؤكد حلف شمال الأطلسي «ناتو» الذي يقوم بمهمة تحمل اسم «الدعم الحازم» في أفغانستان، تسيطر طالبان على 14% من الأراضي لكن تقارير غير رسمية تؤكد قدرتهم على التنقل بحرية في 70% من الأراضي الأفغانية، ولهم مؤيدون في العاصمة «كابول» مثلما فيها أعداء لهم.

ومن أبرز أسباب ازدياد التأييد الشعبي لطالبان الذين حكموا أفغانستان في الفترة من 1996 - 2001، قدرتهم على إنشاء الإدارات وتأمين الرعاية الصحية للمواطنين ومكافحة الجريمة، وكل هذه أمور فشلت الحكومة الأفغانية في تأمينها للسكان طيلة السنوات الماضية. ولذلك لا يعارض الكثيرون في المناطق التي يسيطر عليها طالبان، عودتهم إلى السلطة رغم أن عهدهم لم يكن الأفضل لأنه كان يحرمهم من الحريات وكان رجعيا ومتشددا ومكروها خاصة من قبل النساء والفتيات لأنه كان يحرمهن من العمل والدراسة، حيث قام طالبان بإغلاق أكثر من ألف مدرسة. لكن طالبان كانوا بارعين في مكافحة الفساد وفي سعيهم لكسب تأييد السكان، ركزوا على فضح الفساد وفشل الحكومة في القيام بواجباتها ويدافعون ضد كل ذلك باسم الشعب ويعتبرون أنفسهم حماته في وجه السلطة الفاسدة على حد قولهم والغزاة الأمريكيين «الكفرة» حسب ما يروجون.

لكن مسؤولين أفغان كبار أكدوا أخيراً أن طالبان لن ينجحوا باستراتيجيتهم الحالية في كسب قلوب المواطنين الأفغان، وقالوا إن الشعب الأفغاني يؤيد قوى الأمن الأفغانية ولا يريد عودة طالبان إلى السلطة، ويكون أفضل لو تخلى طالبان عن استراتيجية القتل والتفجير وتخلوا عن ممارسة الإرهاب ويتحولون إلى حزب سياسي يشارك في العملية السياسية.

وفي هذه الأثناء أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية تؤيد الحوار السياسي مع طالبان، حيث استضافت مدينة «الدوحة» عاصمة دولة قطر أكثر من لقاء بين الجانبين حيث حرص كل طرف على عدم الكشف عن نقاطه ونتائجه، بل لم يرغبا في أن تتحدث عنه وسائل الإعلام العالمية لكن كون المفاوضات تمت بين العدوين اللدودين، دون إشراك الحكومة الأفغانية في المفاوضات، يرى بعض المحللين السياسيين أن واشنطن أصبحت تعمل بسياسة واقعية مع طالبان، وتريد التوصل إلى نتائج تؤدي لنهاية الحرب في أفغانستان، ليسهل لترامب تنفيذ وعده لمواطنيه بخفض عدد الجنود الأمريكيين في أفغانستان إلى النصف، علما أن عددهم يبلغ حاليا 14 ألف جندي، يليهم 1200 جندي ألماني. ويؤكد خبراء استراتيجيون ألمان أن تهديد ترامب بخفض عدد جنوده في الهندكوش إلى النصف، سوف يؤثر سلباً على أمن الجنود الدوليين المشاركين في مهمة «الدعم الحازم»، وهددت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بإعادة النظر في مهمة الجيش الألماني في أفغانستان إذا تمسك ترامب برأيه، بينما علت أصوات في برلين تطالب الحكومة الألمانية التي وافقت أخيرا على تمديد مهمة الجيش الألماني في الهندكوش عاما جديدا، أن يجري وضع استراتيجية للانسحاب من أفغانستان.

في جلسة عقدها أخيرا البرلمان الألماني «بوندستاغ» حول الأوضاع في أفغانستان، وجدت أورسولا فون دير لاين، وزيرة الدفاع الألمانية الكلمات المناسبة للرد على تهديد ترامب خفض عدد جنوده في الهندكوش عندما قالت: لقد دخلنا أفغانستان معاً، وسنخرج منها معاً. أما طالبان فبإمكانهم انتظار بعض الوقت، لأن الأمور ستسير لصالحهم إذا غادر الجنود الدوليون أفغانستان رداً على خفض ترامب عدد جنوده، ويعلمون أنهم أكثر عدة وعددا من الجنود الأفغان الذين عددهم كبير على الورق وقليل على أرض الواقع.