أفكار وآراء

عمل جماعي آخر مع الاتحاد الأوروبي

27 فبراير 2019
27 فبراير 2019

مصباح قطب -

القمة العربية الأوروبية الأولى من نوعها، والتي انعقدت في شرم الشيخ المصرية يومي الأحد والاثنين من هذا الأسبوع، لم تجعل عنوانها الرئيس التعاون الاقتصادي بين الطرفين وان لم تهمله بالطبع. ركزت القمة بالأصل على قضايا التطرف والإرهاب والعنف، وأزمات سوريا وليبيا واليمن والصومال، وسبل حل وتسوية القضية الفلسطينية باعتبارها «قضية العرب الأولى، والمركزية، وهي البذرة الأولى للنزاعات بالمنطقة»، بحسب تعبير الرئيس عبد الفتاح السيسي في افتتاح القمة، كما أولت عناية كبيرة، ومستحقة، لمشكلات الهجرة غير الشرعية واللاجئين والجريمة المنظمة وعبور المتطرفين. برغم تقدم تم التطرق إلى التجارة والتمويل والاستثمار والتدريب ونقل التكنولوجيا.. فالدول تتعاون فيما هو سياسي لهدف أعمق هو زيادة الازدهار الاقتصادي والرفاه للشعوب وإزالة العوائق التي تحول دون ذلك، ويقينًا فان قدرًا واسعًا من المباحثات الجانبية تطرق إلى إعادة الأعمار في الدول التي خربتها أيادي الإرهاب والعنف والتطرف والجمود.

مفهوم أن القمة بطبيعتها لا تحتمل إجراء مناقشات ثنائية حول ملفات اقتصادية بعينها، لكن ذلك لم يمنع من عمليات جس نبض فيما يتصل بالجانبين اللذين أسلفتهما، فالعيون مصوبة إلى ما سيحدث في سوريا وفى ليبيا واليمن، وربما العراق ولبنان، على الأقل، للتعرف على مساراتها فيما يتعلق بخطط إعادة البناء ومن سيحصل على ماذا وكيف؟.

ولم تكن صدفة، في كل الحالات، أن يشير رئيس المفوضية الأوروبية، ومثله رئيس المجلس الأوروبي، وأيضا رئيس الاتحاد الأوروبي، إلى أهمية التعاون في مجالي التجارة والاستثمار ودعم النمو والتوظيف، رغم كثافة ما هو سياسي في القمة.

لكن النقطة التي أثيرها هنا -وعلى هامش القمة- ترتبط، وتختلف بعض الشيء، وهي طرح أولي حول كيفية بناء آليات للتعاون التجاري بين الدول العربية وأوروبا بطريقة تحقق منافع متبادلة، وتضمن خفضًا قويًا في الكلفة للطرف الذي تعانى موازينه التجارية من اختلال مستمر مع الجانب الأوروبي، ألا وهو نحن العرب. آليات للاستيراد المجمع خاصة فيما يتعلق بالسلع الأساسية التي تشترك كافة الدول العربية في الحاجة إليها، وعلى رأسها بالطبع الغذاء والسلع الزراعية.

لقد طالب الدكتور فؤاد مرسي، المفكر الاقتصادي المصري العربي المعروف، ووزير التجارة الداخلية بمصر في أول سبعينات القرن الماضي، طالب ومنذ اكثر من ثلاثين عاما، بعقد اتفاقيات شراء عربي مجمعة للسلع الأساسية، وكرر دعوته مرارا، ورددها خلفه أيضا -اقتناعا بجدواها وأهميتها- الكثيرون من الاقتصاديين العرب، لكن لم يحدث أي تقدم يذكر في هذا المجال، واليوم ومع انفتاح افق الحوار بين الدول العربية والدول الأوروبية، ووجود حد أدنى من التفاهم واللغة المتقاربة -وهو ما كان مفتقدا لأمد بعيد فان ذلك- يمكن أن يمنح هذه الفكرة مزيدًا من الزخم.

أتحدث عن استخدام قوة التفاوض الجماعي، وقوة حجم الطلب في الحصول على مزايا أو حسومات سعرية وتسهيلات كبيرة، وليكن ذلك في البداية في سلعة واحدة، كالقمح أو الذرة أو اللحوم أو الألبان أو الزبدة. لا يحتاج أحد إلى تذكير بان الفكرة ستلقى مقاومة، أو ستجد الكثير من العقبات في طريقها لأسباب بعضها مقبول، وبعضها يمكن أن يكون غير مقبول أو بالأحرى سيكون مرفوضا. وأزيد على ذلك بالقول إن تجارب الشراء المجمع أو المركزي داخل الدولة الواحدة تجد الكثير من الصعوبات عند تطبيقها، وفي مصر مثلا تم منذ نحو خمسة عشر عامًا وضع نظام للشراء الحكومي الموحد لكن التقدم فيه يمضي بطيئًا، (فيما خلت سلع كالسيارات وأجهزة التكييف)، ولأسباب أغلبها عقيم، بيد أنها في الواقع مؤثرة بغض النظر عن تقييمنا لها، ومعطلة حقًا. ويلعب التشديد القوى من رئيس الدولة حاليًا، على وجوب استكمال كل المنظومات الالكترونية التي تعطلت سنوات طويلة، ومتابعة ذلك بشكل يكاد أن يكون لحظيًا، دورًا واضحًا في تحريك الكثير من المياه الراكدة، كما لعبت التكنولوجيا الحديثة وقواعد البيانات -والتي لم يتم تحقيق تكاملها وتشبيكها بشكل واف بعد- دورًا مهمًا في إيضاح خريطة الطريق إلى تحقيق عمليات شراء حكومي مجمع بنجاح، وأعني بها بالعموم المشتريات التي تخص بند المستلزمات السلعية والخدمية المطلوبة لتشغيل الدولاب الحكومي في الموازنة العامة، ولا أتحدث بعد عن المشتريات التي تخص الاحتياجات الاستثمارية الحكومية، وقد تم قطع شوط أبعد في تجربة عملية مدهشة عندما وجه الرئيس منذ عام ونصف إلى وجوب قيام المستشفيات الحكومية الكبرى، ومن يرغب من أصحاب مستشفيات القطاع الخاص إبرام اتفاقيات شراء موحد لبنود طبية أساسية، وتم تحقيق وفورات قدرها البعض بقرابة الأربعين في المائة.

أعود إلى القول انه يمكن مع قدر من النوايا الطيبة، والاستعداد، وبمعاونة تكنولوجيا المعلومات وقواعد البيانات التي لدى أجهزة الإحصاء والجمارك العربية، والغرف التجارية العربية، ومجلس الوحدة الاقتصادية، والبيانات التجارية والاستثمارية، والرؤى، التي لدى الكيانات الاقتصادية العربية كالصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، وصندوق النقد العربي وغيرها، البدء بالتحضير للقاء عربي موسع لوزراء التجارة العرب لبحث خريطة طريق جديدة للتجارة مع الاتحاد الأوروبي ودوله، مع مراعاة الأبعاد الخاصة بطبيعة العلاقات الثنائية التي تختلف بين بلد عربي وآخر، مع الاتحاد (وجود اتفاقيات تجارة حرة من عدمه)، على أن يلي ذلك التجهيز لعملية شراء عربية موحدة /‏‏ حكومية، لسلعة أساسية يتم الاتفاق عليها بتفاصيلها، وبعدها نحلل وندرس النتيجة، ونبنى عليها للتقدم إلى الأمام.

أعرف أن مصر -ودول عربية عديدة-، أنشأت بوابة تعاقدات عامة تقدم خدمات إلكترونية في مجال العمليات الشرائية الحكومية، وتساعد على نشر العمليات عبر الإنترنت في جميع المجالات، وتسهل على الموردين وغيرهم تقديم العروض إلكترونيًا ليتم تقييمها بصورة الكترونية سهلة وفعالة، بيد أن ذلك مختلف عن الشراء المركزي المحلي، أو العربي الذي أتحدث عنه، والمركزي القطري منه عمليات يمكن أن تقوم بها الحكومة المركزية، وأخرى تقوم بها المحليات.

يولد الشراء المجمع، فضلا عن الميزة السعرية، مزايا أخرى كاكتشاف أن بعض المطلوبات يوجد منها في مخازن أخرى، أو يمكن لآخرين في الجهاز الحكومي تصنيعها أو مبادلتها وهكذا، وعلى المستوى العربي سيتم اكتشاف مزايا أبعد، واعتقادي أن هذا الأمر البسيط والعملي يمكن أن يكون خطوة حقيقية وقوية نحو بناء أعمق للثقة، وتوفير أرضية افضل للمصالح العربية التجارية والتخزينية والتعاقدية، المشتركة، بل والمصالح السياسية والاستراتيجية أيضًا.