Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ :الولاءات الشـخصـية..

26 فبراير 2019
26 فبراير 2019

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

تراهن الشعوب؛ وبصورة مطلقة؛ على القانون، وعلى أنه الوحيد القادر على تحييد كل الولاءات بلا استثناء، فقط يشترط في ذلك تحقيق الإيمان المطلق من قبل هذه الشعوب بأهمية أن يكون القانون هو المشرع الوحيد لتنظيم العلاقة بين العام والخاص، ومتى تحقق هذا الشرط، عندها يمكن الاطمئنان الى سير الأمور سيرا سليما لا اعوجاج فيه، ولا تنطع، ومع ذلك لا يزال الرهان قائما لوصول البشرية؛ على امتداد الكرة الأرضية؛ الى تحقيق هذا الهدف، لأنه حتى هذه اللحظة لم تستطع حتى أكبر الدول التي تتحقق فيها بما يسمى بـ «الديمقراطيات» أن تحقق الجزء اليسير من «التحقق» القانوني على أرض الواقع، حيث لا تزال تشابكات العلاقات لتحقيق الأهداف الصغيرة والتافهة هي الشغل الشاغل للغالبية العظمى من الناس، حيث تركن الأهداف النبيلة والسامية جانبا، فليس هناك من هو مشغول بمشروع الوطن، إلا الاستثناء، والاستثناء؛ عادة؛ لا يأخذ حكم العموم، حيث يظل على استثنائه أبدا، وهذه قضية أخرى.

« الولاءات الشخصية ..» واحدة من معوقات التنمية في أي تجربة تنموية، حديثة أو متجذرة، لأنها تترك «نتوءات» هنا، وهناك، تُقوّض الفعل الرشيد المنجز، هنا أو هناك أيضا، وهذه النتوءات «سرطانات» إن تجوز التسمية تربك المشروع التنموي المعول عليه إضافة لبنات سليمة التي تُكَوّن البنيان الكبير للوطن، لأنها تختزل الوطن بكل مكوناته في تحقيق مصالح شخصية متواضعة لأفراد معينين يتوغلون في مفاصل التنمية، لتحقيق غاية واحدة فقط، وهي الثراء الشخصي على حساب المجموع، وهذه الصورة في مجملها ليست حديثة المولد، هي حالة إنسانية مستمرة، من قبل ومن بعد، والتاريخ مليء بذلك، وأحداثه الجسام الكبار نتائج لهذه الممارسة التي تعيد عمر الوعي المكتسب في كل مرة الى مربعه الأول، حيث تبدأ الإنسانية؛ في كل مرة؛ ترتيب أوراقها للخروج من هذا المأزق.

تبدأ « الولاءات الشخصية ..» صغيرة جدا، وفي حدود ضيقة جدا، وقد تكبر بتفرعات كثيرة، وقد تتموضع في مساحة ضيقة، وذلك كله اعتمادا على قدرة القانون في الحد منها ومحاربتها، او العكس، وفي تموضعها يكمن الخطر أكبر، لأن درجة الإيمان بممارستها لتحقيق مصالح ضيقة كبيرا، وفي هذه المرحلة بالذات قد لا يلتفت إليها لأن تأثيراتها قليلة ولا تثير الشبهات كثيرا، وحتى في تفرعاتها الكبيرة؛ غالبا؛ ما تكون فجائية، وتحارب بالقانون، فيضيق عليها الخناق، وتعود الى تموضعها فقط، ولكنها تبقى كحالة معايشة، تقدم خدمات خارج القانون في حدودها الضيقة، وهذه مشكلتها الرئيسية، و قد تعمل في غير الممنوع أيضا.

والسؤال: هل يصعب العمل على تفكيك « الولاءات الشخصية ..» أقول: نعم، وبصورة مطلقة، لأنه في ظل التكتلات الكبيرة ذات المصالح المشتركة، كحال «أسواق النفوذ» تكون الظاهرة أكثر وضوحا، حتى وإن استخدمت وسائل غير قانونية للنفاذ الى مصالحها الذاتية، لأنها تتحرك بحجم المجموعات المتعاضدة، أما في حالة « الولاءات الشخصية ..» تكون على مستوى شخصيات تقتات على بعضها بعضا، وإن كانت في النهاية تؤدي نفس الغرض، وهو ممارسات خارجة عن القانون، وحيث أن في حالتها يختلط العام بالخاص، والتسريبات التي تتم عند هذه المجموعة يسهل تداولها والوصول بها الى أي طرف تكون له مصلحة فيها، ولو أن المصلحة؛ تصبح؛ في حكم المتحقق بفعل هذا النوع من الشبكات.

نقرأ، وأحيانا، تتوارد إلينا القصص والحكايات، والمواقف، والوقائع من جراء ممارسات « الولاءات الشخصية ..» وقد تأخذنا الدهشة، في بعضها، وقد نقول:«هذه مسألة عادية» وهكذا تتأصل هذه الصورة، وتصبح في حكم المألوف، حيث تدمن النفس ممارسات أفعالها، ولا ترى فيها الشيء الكبير، فالناس، كما يقولون دائما: «ترى الناس يساعد بعضهم بعضا، وماذا في ذلك؟».