أفكار وآراء

الباب المفتوح أمام العرب في أمريكا

26 فبراير 2019
26 فبراير 2019

عاطف الغمرى -

الآباء الأوائل المؤسسون للدولة الأمريكية، أخذوا في الاعتبار عند وضع دستورها، أن يكون الرئيس عنصرا ضمن مجموعة عناصر، وقوى وتيارات، تتبادل الضغوط، والتأثير، حتى تنتهي هذه العملية، إلى شكل الصياغة النهائية للقرار السياسي، أو للاستراتيجية العالمية للدولة.

وأي استراتيجية في الولايات المتحدة، لا تكتسب التصديق عليها، وقوة الدفع التي تنقلها من مرحلة الفكرة النظرية، إلى مرحلة التنفيذ والتبني العام لها، إلا إذا حظيت بالإقناع العام من الشعب الأمريكي، وتساهم في هذا التحرك، مؤسسات تعمل على أن تنقل للرأي العام المعرفة بهذه العملية بالطريقة التي تجعله شريكا فيها ولو بالاقتناع سواء كان تاما أو غير مكتمل، لأنه ليس بالضرورة أن القوى الحقيقة المؤثرة على صناعة السياسة، تقوم بإحاطة الشعب الأمريكي بكل الحقائق، بل إنها تتعمد في كثير من الأحيان أن تقدم له جزءا من الحقيقة، وتخفي عنه بقيتها.

وهو أمر كشفت عنه مؤلفات عديدة صدرت في الولايات المتحدة، وقدمت نماذج عملية لذلك، منها - على سبيل المثال - ما تلجأ إليه المؤسسة الصناعية العسكرية، التي تتحالف معها كيانات اقتصادية ضخمة، من تقديم تقارير مبالغ فيها للرأي العام، عن تهديدات خارجية تثير مخاوفه، كمبرر لتقبله خططها لزيادة الإنتاج العسكري.

يساعدها على ذلك أن الأمريكيين بطبعهم وبحكم البعد الجغرافي لبلادهم عن مناطق تزرع فيها الفوضى والأزمات، لتبدو وكأنها من صنع شعوب هذه المناطق، لا تكون لديهم إحاطة كافية للإلمام بحقيقة ما يدور، سوى الصورة السلبية التي يشارك في صنعها الإعلام المرتبطة بجهات صناعة القرار، وكذلك أفلام هوليود، وأيضا الدعاية المتصلة بذلك على طول عشرات السنين.

من ثم يظل الرأي العام على حالته تلك عنصرا ضمن عناصر التأثير على صناعة القرار، وخاصة بالنسبة للسياسة الخارجية، خاصة وأنه يتم استنفار الرأي العام، وحشده في موجات من استيعاب ما جرى تثقيفهم به، على أنه تأييد لهدف وطني وضرورة للأمن القومي، الذي ينبغي أن تتحرك الدولة بكاملها، وبمجمل إمكاناتها، وطاقاتها في اتجاهه.

فأين العرب من كل هذا؟

رأينا ما توالى صدوره عن وسائل الإعلام، ومن مناقشات جرت في مراكز الفكر السياسي، من مصطلحات وعبارات تتكرر في إلحاح على العقل الأمريكي، تلصق بالعرب صفات الكراهية، والإرهاب، في تبسيط شديد ومخل للقضايا السياسية، خاصة حين تضع العرب والمسلمين أحيانا كلهم تحت مظلة الإرهاب، وفي تجاهل تام للرفض الجماعي من العرب حكومات وشعوب، للأعمال الإرهابية، ومن يقومون بها.

ولما كانت الآلة الإعلامية التي يبث منها أصحاب هذا الاتجاه دعوتهم، مجهزة بكل أشكال القوة، والدعم والمساندة، فإن أي أصوات أمريكية موضوعية ترد عليها، تبدو محاصرة من هذا الحشد الإعلامي المنظم.

ولا شك أن هذا الإلحاح على هذه الدعوات، يترك آثارا سلبية تجاه العرب لدى الرأي العام، الذي هو شريك بطبعه في صناعة القرار، ومع هذا فالعرب غائبون. وأذكر ما سبق أن قاله لي مسؤول أمريكي في واشنطن قبل سنوات «إن جهل الأمريكيين بكم، هو أقوى حليف للذين يشهرون بكم في الولايات المتحدة».

والباب في الولايات المتحدة ليس مغلقا في وجه أي شعب يريد أن يطرح قضيته وهو ميدان متاح فيه الدخول لمن يريد أن يذهب ويناقش ويعرض الحقيقة التي تتعرض هناك للتزييف.

لكن ذلك يحتاج بداية وضع خطط، تحتشد وراءها الإمكانيات، لتحرك بشكل منظم، ويعرف كيف يخاطب الرأي العام الأمريكي، وما هي اللغة التي يقترب بها من عقله، وطريقة تفكيرها.

إذن ، يحتاج أي تحرك عربي جماعي ومشترك، إلى عدم الاقتصار على طرق باب البيت الأبيض فحسب، بل لابد من الدخول إلى مختلف الولايات، التي توجد بها قوى ضاغطة ومؤثرة، والتواصل مع أجهزة الإعلام، ومراكز الفكر السياسي، والنفاذ إلى الرأي العام من القنوات الموصلة إليه.