tunis
tunis
أعمدة

تواصل: صديقنا يحتفل !

26 فبراير 2019
26 فبراير 2019

تونس المحروقية -

hlaa202020 @ -

مشهد أول:

يضعون في حساباتهم في وسائل التواصل الاجتماعي صورًا من الكتب التي اشتروها من معرض الكتاب ثم يكتبون تعليقات متفاوتة مرفقة مع منشورات تلك الصور من شاكلة: هذا حصاد اليوم من المعرض، أو سأنهي قراءة هذه الكتب في عشرة أشهر من الآن من يقبل أن يرافقني في هذا التحدي؟ أو كم وددت أن أمتلك هذه الكتب منذ زمن، وآخر قد يكتب: حياة واحدة لا تكفيني لذا أقرأ، أو شاركوني عناوين الكتب التي تنصحوني بشرائها غير تلك الواضحة في الصورة.

يتفاعل معهم المتابعون بين تشجيع على القراءة وتقليل من قيمة ذلك التجميع غير المبرر للكتب والذي لن يقود لأكثر من تكديسها أو استخدامها للتصوير مع كوب قهوة كي يظهر المشتري نفسه كقارئ لا يستطيع القراءة إلا في أماكن تصلح أن تكون صورًا تنشر في وسائل التواصل الاجتماعي!

مشهد ثانٍ:

كتاب ومثقفون يروجون في حساباتهم لإصداراتهم الجديدة ويدعون المتابعين لحضور حفلات توقيعهم لتلك الإصدارات، ليكتشف المستخدمين عبر وسم معرض الكتاب الكثير من الإصدارات لكتاب محليين لم يسمعوا بأسمائهم من قبل، وقد يسأل منهم سائل: هل كل هذا النتاج جيد ويستحق القراءة أم هو مجرد محاولات لم تنضج لأصحابها لكنهم أثروا أن يوثقوها؟ ، يتابع مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي كل ذلك وينتبهون لبعض الكتب التي تم منعها ويسألون لماذا منعت؟ وهل يمكن أن يتم منع الجمهور من قراءة كتب بعينها في عالم مفتوح الفضاءات يحتوي على عشرات المواقع الإلكترونية حول العالم التي توفر الكتب إلكترونيا؟ يطرح بعضهم هذا التساؤل في حساباتهم ثم يتركونه معلقًا دون انتظار رد!

مشهد ثالث:

مصورون فوتوغرافيون يوثقون عبر حساباتهم في منصات التواصل الاجتماعي جمالية التفاعل بين البشر والكتب في معرض الكتاب، ففي هذه الصورة مسن تبدو عليه علامات التقدم في السن لكن صورته تظهر انشغاله مع الكتاب الذي يطلع عليه، وهناك في صورة أخرى مجموعة أطفال وكأنهم يتناقشون مع البائع حول الكتب التي يرغبون في شرائها ثم صور أخرى لكتاب يوقعون إصداراتهم وصورة لمذيعة تقدم برنامجها الثقافي المعني بالمعرض بجوار مجموعة من الكتب التي يبدو أنها تحاول أن تقدم ملخصًا عنها يعين القارئ في قرار الشراء من عدمه، وهناك صورة توثق لقطة أب يمسك بيد طفله الصغير وكأنه يقوده لعالم المعرفة منذ نعومة أظفاره، كل ذلك يوثق وهناك من يحتفي بجمال تلك اللقطات وهناك من يجد في كل هذا الجمال عيوبًا يعبر عنها في حساباته في تلك المنصات!

مشهد رابع:

مستخدمون لوسائل التواصل الاجتماعي يتذمرون عبر حساباتهم من غلاء أسعار الكتب وعدم وجود عربات تعينهم في نقل الكتب من قاعات المعرض لمركباتهم وآخرون يشتكون من توزيع دور النشر وترتيب مواقعها ومن تزامن بعض الفعاليات الثقافية وعدم معرفتهم بمكان الحصول على جدول تلك الفعاليات، وآخرون يتذمرون من قلة دور النشر وقلة المعروض مقارنة بأعوام سابقة وغيرهم من يتنقد عدم وجود أماكن متعددة للراحة وتناول القهوة لمن يرغب في أن يطيل ساعات بقائه في المعرض، كل هذا وغيره يكتب في الوسوم المتعددة المعنية بمعرض الكتاب وقد لا تجيب المؤسسات المعنية بالمعرض عليها، لكن كتابة كل ذلك يشعر المستخدم أنه عبر فقط عما يشغله!

إن مواقع التواصل الاجتماعي قد تكون أداة تعكس ما يشغل المجتمع من حراك وتفاعل، لدرجة أن البعض أصبح يرى أن ما ينشر فيها من بث حي قد يغني عن الحضور لكثير من المناشط والفعاليات التي تحدث في مختلف أنحاء الدولة لوجود العديد من المستخدمين الذين ينقلون ما يحدث في تلك المناشط لحظة بلحظة عبر الوسوم المخصصة لتلك الفعاليات لدرجة تشعرك أحيانًا أنك تعرف تفاصيل الأشياء الموجودة في الحدث، وهو ذات السبب الذي قد يدفع البعض للذهاب لتلك الفعاليات؛ لأن ما يرونه من النقل المباشر لتلك المناشط قد يكون ممتعًا جدًا لدرجة تجعلهم يرغبون في أن يكونوا جزءًا من هذا المشهد الذي رأوا صوره في حسابات متعددة في وسائل التواصل الاجتماعي.

إنَّ المعارض الدولية السنوية للكتاب في العديد من الدول العربية مهما اختلفت مسمياتها هي واحدة من الأنشطة الثقافية التي يتم الاحتفاء بها لكونها غالبًا ما تنظم لمرة واحدة في العام ولذلك تشهد حراكًا وتفاعلًا يقترب؛ لأن يكون احتفالًا بالكتاب وبتوفر عناوين هائلة من مختلف المجالات وهذا ما لا يكون متاحًا خلال العام لأن أغلب المكتبات في تلك الدول تفتقر لتجمع تلك الأعداد الهائلة من الكتب والتي تتوفر حصريًا في معرض الكتاب ولمدة قد لا تزيد عن 10 أيام في العام، ومن هنا يحدث احتفاء مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بهذا الحدث الذي يعد مبررًا جدًا، ويأتي في سياق أن خير جليس في الزمان كتاب حتى لو لم تعد أهمية الكتاب للبعض في كونه ذلك الذي نقرأه بل قد نكدسه في مكتباتنا المنزلية أو نصوره في مقاهي القهوة برفقة قهوتنا المفضلة، فكما قال أحدهم: دع الكتاب يحتفل بإقبالنا عليه، والتقطوا صورًا كثيرةً لكتبكم المشتراة وتلك التي تتفاوضون من أجل شرائها، واسمحوا للكتاب بأن يأخذ حيزه الكبير في صوركم في المعرض، فصديقنا الكتاب حاليا يحتفل!